حوار خاص مع الشيخ كمال خطيب.. ماذا قال؟
الشيخ كمال خطيب في حوار شامل:
- بعد عام 2000 تصرفت المؤسسة الإسرائيلية وفق منطق لماذا نقتلهم ليكونوا شهداء ويصبحوا قدوة بسلاحنا؟ فليقتلوا بعضهم البعض بسلاحهم ويكونوا مجرد أرقام
- أنت تزعم أنك تريد أن تحقن دماء أبناء الداخل الفلسطيني، مقابل أنك تدعم حكومة تقوم بإزهاق أرواح الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والمسجد الأقصى!!
- الأكثرية الساحقة من أبنائنا هي من الشباب الخيّر والوطني والمثابر وصاحب الرؤية السليمة، ولكن مع ذلك ستظل قلوبنا تعتصر ألمًا على من يُقتلون وعلى من يَقتلون
- هناك من مركبات المتابعة مَن لا يوجد لهم أي مندوب في لجنة الحريات، يقاطعونها، يريدون إفشالها سواء كانت القائمة الموحدة أو الحزب الشيوعي
- إسرائيل أفشل من أن تحظر المشروع الإسلامي
- الواقع حولنا كله يؤكد أنّ دوام الحال من المحال، المشروع الصهيوني نفسه يحتضر الآن، المشروع الأمريكي يحتضر الآن، الصراع بين الدول العظمى يعبر عن فشل في المشروع الغربي، الأنظمة العربية التي تقمع شعوبها، حتمًا ستدفع الثمن، ولن يكون الثمن إلا بذهاب كل هؤلاء
موطني 48| طه اغبارية
قال الشيخ كمال خطيب- رئيس لجنة الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني، ونائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا عام 2015- إنّ إغراق أبناء شعبنا في الداخل في السلاح ومستنقع العنف والجريمة، بدأ بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، وهو ما يفسر استفحال العنف والجريمة في السنوات الأخيرة حيث وصل عدد القتلى بين أعوام 2000-2020، إلى 1653 قتيلًا، في حين كان عدد القتلى بين أعوام 1980-2000، 85 قتيلًا.
وجاءت تصريحات خطيب في سياق حوار شامل ضمن برنامج “قضايا” الذي يُبثّ عبر قناة “موطني 48” على “يوتيوب” ويقدّمه الإعلامي عبد الإله معلواني.
ثمار مشروع إسرائيلي
واستُهل اللقاء بسؤال حول تفسيره لاستفحال العنف وجرائم القتل في المجتمع العربي، حيث اعتبر الشيخ كمال خطيب أن تفسير ذلك واضح من خلال المعطيات التي تؤكد أنّ ما يحدث من تصاعد في العنف وجرائم القتل هو حصاد لثمار مشروع ابتدأ بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 والتحام أبناء شعبنا ووقوفهم إلى جانب بعضهم البعض في قضية المسجد الأقصى المبارك، حيث أدركت المؤسسة الإسرائيلية أن شيئًا جديدًا طرأ على فلسطينيي الداخل أن يرتقي منهم 13 شهيدًا عام 2000، مضيفًا: “هذا كان يمثل نقلة نوعية، وفي قناعتي يومها بدأ مشروع إغراق شعبنا بالسلاح وامتلاك السلاح، الذي كان سيتطور في سياستهم غير المعلنة”.
وأوضح: “المعطيات بعد عام 2000 تشير إلى وضع جديد طرأ، بمعنى لماذا نقتلهم (وفق منطق المؤسسة الإسرائيلية- المحرر) ليكونوا شهداء ويصبحوا قدوة بسلاحنا؟ فليقتلوا بعضهم البعض بسلاحهم ويكونوا مجرد أرقام. وهنا أرجع إلى معطيات دقيقة: منذ العام 1980 وحتى العام 2000 لم تقع في داخلنا الفلسطيني كله إلا 85 جريمة قتل، بينما خلال العشرين سنة التي تلت العام 2000، أي منذ العام 2000 حتى العام 2020 وقع في داخلنا الفلسطيني 1653 جريمة قتل”.
واستهجن تصريحات المفتش العام للشرطة بأن العنف “جزء من طبيعة العرب”، مشيرًا إلى أن “هذه ليست طبيعتنا، فنحن الذين كنّا قبل عام 2000 بقينا بعد عام 2000، فما الذي طرأ علينا؟! هل شربنا جرعة جريمة، هل أُصبنا بداء القتل؟! لا، لم يطرأ علينا شيء، الذي طرأ هو سياستهم، وهذا ما أكده وزير الأمن الداخلي الأسبق جلعاد إردان عام 2015، لمّا تحدث بشكل واضح عن وجود 450 ألف قطعة سلاح في الداخل الفلسطيني. وقائد الشرطة الذي كان مسؤولًا عن منطقة تل أبيب قال بشكل واضح في مقابلة تلفزيونية: “إن هذه سياسة، حينما نطالب بالحد من ظواهر الإزعاج للمواطنين في تل أبيب وغيرها نضرب بيد من حديد، وما يحصل عند العرب في إسرائيل يحصل بسبب غض الطرف عن الجريمة من قبل المؤسسة الإسرائيلية”.
واستبعد الشيخ كمال خطيب أن تتراجع حدة العنف والجريمة في المجتمع العربي لأن غرق المجتمع العربي في مستنقع الجريمة يخدم السياسات الإسرائيلية ويُبقي أبناء الداخل الفلسطيني منشغلين ببعضهم البعض بدل الانشغال بقضايا شعبهم وهمومهم، مؤكدًا: “الحكومات الإسرائيلية السابقة، حكومات نتنياهو ومن سبقه منذ العام 2000، حكومة نفتالي بينت- لبيد كانت جزءا من المشكلة، وقد تظاهرت أنها ساهمت في تخفيف حدّة الجريمة، لكن الأمر كان مؤقتًا، لأنها أرادت أن تحقق مصالح أخرى، والآن عادت حكومة نتنياهو من أجل أن تكمل مشوار القتل في مجتمعنا”.
وحول جدوى التوجهات والمطالبات من الحكومات الإسرائيلية في أن تكبح جماح الجريمة- إن كانت سياساتهم تساهم في تأجيج العنف-، أكمل خطيب: “لأننا أقلية ونعيش داخل حدود دولة، وأي مشاغبين- وهم قلة في مجتمعنا- لا بد من عنصر الردع، وهذا لا يملكه إلا من ينفّذ القانون، ولذلك لما قال سيدنا عثمان رضي الله عنه: “إنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” فهناك من لا يخيفه القرآن ولا الحديث عن الحلال والحرام ويوم القيامة والعذاب، لا يخيفه إلا السوط والتقييد والسجن، فمن يملك زمام هذا كله؟ بالطبع الدولة والحكومة، لذلك نعم نحن نتهمها ونطالبها بأن تتراجع عن سياساتها هذه وأن تنفذ القانون على هؤلاء المجرمين، بالتالي دم أبنائنا في رقبة هذه الحكومة، فمن يظن أن هذا تناقض في مواقفنا حين نطالب الحكومة القيام بمسؤولياتها، هو ليس مخطئًا فقط، بل هو مراوغ ويريد أن يشككنا في أنفسنا. مطالبنا للحكومة ليس معناه أننا نبرئها من استمرار الجريمة”.
وحول تعقيبه على اتهام الدكتور منصور عباس وقيادات الموحدة للقوى التي أسقطت الحكومة السابقة بالمسؤولية عمّا وصل إليه المجتمع العربي من استفحال للجريمة في ظل حكومة نتنياهو، أكمل خطيب: “الكل يعلم أننا ضد مشروع الكنيست ومن يشاركون في انتخابات الكنيست الإسرائيلي منذ العام 1949 بكل مركباتهم وأحزابهم وبداية من الحزب الشيوعي الإسرائيلي، فهم جزء من معضلة شعبنا وهم من ساهموا في تعزيز مظهر المشروع الصهيوني عبر الزعم أنه مشروع ديموقراطي ويحترم الحريات وغير ذلك، لكن أن تأتي قائمة عربية وحزب عربي بعباءة إسلامية لتشارك في ائتلاف حكومي كما حصل العام الماضي، هذا تجاوز كبير لكل الحدود، والأخطر منه ما نسمعه الآن أنّ وجودهم في تلك الحكومة أو الائتلاف الحكومي كان يمكن أن يساهم في تخفيف الجريمة. لا ننكر أنّ الأرقام تقلصت، ولكن هل السعي من أجل الترويج لإمكانية المشاركة في ائتلاف حكومي قادم، ثمنها الدخول في شراكة مع هذه الحكومة أو الحكومة القادمة بزعم مكافحة الجريمة. نفسها حكومة بينت- لبيد ارتكبت مجازر ضد أهلنا في غزة في العام 2021، هؤلاء القتلى أليسوا أبناء شعبنا الفلسطيني؟! أنت تزعم أنك تريد أن تحقن دماء أبناء الداخل الفلسطيني، مقابل أنك تدعم حكومة تقوم بإزهاق أرواح الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والمسجد الأقصى، هل دمنا في الداخل أفضل من دم أبناء شعبنا، هل دمنا وشبابنا أطهر من أولئك الشباب الذين يُقتلون هناك؟! لذلك، على شعبنا أن ينتبه لأن هذه مقاربة في غاية الخطورة، يريدون أن يصوروا حرصهم على أبناء شعبنا هنا وفي المقابل يدعمون حكومة تقتل وترتكب المجازر بحق أبناء شعبنا هناك”.
أمّا بخصوص تبرير منصور عباس مشاركته بالائتلاف الحكومي بالادّعاء أن أعضاء المتابعة ومنهم الشيخ رائد والشيخ كمال، يتظاهرون ويعتصمون أمام مباني الحكومة لرفع مطالبهم إلى الحكومة، يتابع الشيخ كمال خطيب: “نحن نطالب الحكومة دون أن نتحمل وزر جرائمها، نطالبها لأنها المسؤولة أمام العالم، وهذا لا يعني أن نكون جزءا من الحكومة وندعمها في كل سياساتها التي ارتكبتها في المسجد الأقصى أو بجرائمها التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا في كل مكان”.
حول موقفه من توجه الحكومة الإسرائيلية ورئيسها ووزير الأمن القومي “بن غفير”، لإدخال جهاز الأمن العام (الشاباك) على خط التحقيق في جرائم القتل، أكد خطيب أن “من قتل أبناءنا في انتفاضة القدس والأقصى عام 2000 هم الشرطة والمخابرات والجيش وحرس الحدود. قبل أيام نشرت إحدى الصحف الإسرائيلية أسماء 13 عصابة إجرام في الداخل، فإن كنتم تعرفون العصابة ومن يقف على رأسها وعدد من يعملون فيها ولا تريدون الوصول إليهم، ليس لأنكم لا تستطيعون، بل لا تريدون. هم يريدون أن يأتي اليوم الذي نتوسل فيه للشرطة والآن يريدون أن نتوسل للشاباك، وعليه، الدعوة لإدخال الشاباك ليست إلا عودة للحكم العسكري من جديد، عودة للشاباك من أوسع الأبواب ليعيث فينا فسادًا ويخترق صفوفنا بزعم أنه يريد إنقاذنا من الجريمة التي هم سببها”.
وقال إن الشرطة الإسرائيلية نجحت بالقضاء على عصابات الجريمة في البلدات اليهودية بدون تدخل الشاباك، وذلك بسبب “حرصهم على حياة أبناء المجتمع الإسرائيلي، وفي المقابل يحرصون على إغراقنا بدمنا نحن أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل”.
وجدّد خطيب تأكيده على أنه “لن يكون اليوم الذي فيه سيتم القضاء على هذه الآفة واللعنة لأنّ خلفها سياسات لا أظنها ستتغير، لكن مقابل وخلال هذا لا بد أن نظل نطالب الحكومة ونحملها المسؤولية وأن دم أبنائنا في رقابهم، وأنه لا بد من التوقف عن إغراق شعبنا بالسلاح ولا بد من ملاحقة المجرمين، وإلا فما معنى أنه خلال الشهور الستة الأخيرة لما كان عدد الجرائم 92 جريمة لم يتم الكشف عن المجرمين إلا في تسعة ملفات؟! فماذا يعني ذلك. سنظل نطالب الحكومة بمسؤولياتها وسنبقى نذكر أبناء شعبنا بما يجري وأن نذكر الذين غرقوا في مستنقع الجريمة أن يعودوا ويتوبوا وأن يرجعوا إلى رشدهم”.
للحد من الجريمة، دعا خطيب إلى “تشكيل المزيد من لجان الصلح في البلدات العربية من أجل حل أية إشكاليات، وإلى زيادة دور أئمة المساجد في إعلاء الصوت وزيادة دور الإعلام الواعي بمخاطر العنف والجريمة، وزيادة دور التعليم، فهذه كلها ستساهم في إيجاد نوع من الردع أو عودة الذين غرقوا في مستنقع الجريمة إلى رشدهم”.
وعقّب خطيب على الحملة التي تستهدف لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني ورئيسها الشيخ رائد صلاح، بالقول: “لأنّ مشروع إفشاء السلام المنبثق عن لجنة المتابعة والذي كُلف برئاسته فضيلة الشيخ رائد صلاح هو واحدة من محاولات إيقاف شلال الدم ومستنقع الجريمة، والطرف المستفيد صاحب السياسات حريص على إفشال هذا المشروع وعلى عدم وجود العلاج وجرعات الأمل لأبناء شعبنا، ولذلك كانت الفيديوهات التي تُشكك بشخص الشيخ رائد، ونحن ثقتنا به وثقته بنفسه وثقة شعبنا به ستُفشل هذه الحملات، كذلك إطلاق النار المتعمد وترويع لقيادات ضمن مشروع إفشاء السلام والإصلاح لبلداتنا في الداخل، هؤلاء منذ بداية شبابهم وهم كلهم من أجل شعبهم، ليس لهم أعداء وليس لهم كارهون، فلماذا يتم إرسال من يطلق النار عليهم وعلى بيوتهم ويحرق سياراتهم؟! هذا يدل على الرغبة في تحييد أي بارقة أمل يمكن أن تواجه مشروع الجريمة”.
وفي كلمة إلى الشباب ومنهم الذين سقطوا في مستنقع الجريمة قال الشيخ كمال خطيب: “هؤلاء سيظلون من أبناء شعبنا لكنهم مع الأسف وقعوا في الشرك وسقطوا في مستنقع الجريمة لظروف كثيرة وأولها الاغراءات المادية الكبيرة الموجودة، وهي ظروف بحاجة إلى مراجعة أسبابها، الوضع الاقتصادي والتربوي، الافتقاد إلى مراكز تشغل الشباب ويعبرون فيها عن طموحاتهم ويشغلون أنفسهم بالمفيد والنافع. نحن نحبكم يا أبناء شعبنا حتى من وقع منكم في هذه الجريمة، ونريد منكم ألا تسقطوا في هذا المستنقع، وعليكم أن تتذكروا أن الدم الحرام ثمنه ثقيل عند الله سبحانه تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا). من يطيق أن يتحمل كل هذه النتائج لمن ارتكب جريمة وسفك دمًا حرامًا. ومع ذلك أقول إن هؤلاء الشباب هم قلة قليلة جدًا من أبناء شعبنا، وبالتالي أذكّر أنّ الأكثرية الساحقة هي من الشباب الخيّر والمؤمن والوطني والنظيف والمثابر وصاحب الرؤية السليمة، ولكن مع ذلك ستظل قلوبنا تعتصر ألمًا على من يُقتلون وعلى من يَقتلون”.
لجنة الحريات.. والأسير المريض وليد دقة
وفي شأن آخر، تطرق الشيخ كمال خطيب إلى عمل لجنة الحريات باعتباره رئيسًا لها، وتوقف عند فعاليات اللجنة في الفترة الأخيرة لا سيّما بخصوص التضامن مع الأسير المريض وليد دقة، لافتًا إلى أنه “لا يمكن الادّعاء أن اللجنة تقوم بكل ما يمكن أن يقام به، وأنها تتحرك بإمكانيات متواضعة، مع استمرار التأكيد على أنَّ هناك من مركبات المتابعة- التي نحن جزء منها- مَن لا يوجد لهم أي مندوب في لجنة الحريات، يقاطعونها، يريدون إفشالها سواء كانت القائمة الموحدة أو الحزب الشيوعي، ليس لهم أي مندوب في اللجنة. كان لهم مندوبون، ولكنهم انسحبوا ولما طلبنا مندوبين من جديد لم يتقدم أحد. قبل أيام تحدثت أنا والأخ قدري أبو واصل والأخ أمير مخول خلال وقفتنا المناصرة لعائلة الشهيد ديار عمري أمام المحكمة في الناصرة، تحدثنا عن النية لإعادة ترتيب جديد للجنة الحريات”.
وبخصوص الأسير وليد دقة، أكد خطيب مناصرة لجنة الحريات للأسير ومطالبتها بالإفراج عنه فورًا، وأن اللجنة نظّمت وقفة قبل أسبوعين أمام المشفى الذي رقد فيه دقه للمطالبة بحريته ونقله إلى مشفى يمكن أن يوفر له العلاج المطلوب.
وعن دور لجنة الحريات في مواكبة ملفات معتقلي هبّة الكرامة، اعترف الشيخ كمال خطيب بتقصير الجميع في حق الشباب الذين اعتقلوا على خلفية هبة الكرامة، وقال: “اعترف بتقصيرنا جميعًا، ولكن مجموعة من العائلات الكريمة تحت الضغط النفسي الذي كانت تعيشه فضلت في البداية أن تدير ملفاتها لوحدها، بعيدًا عن لجنة الحريات وبعيدًا عن لجنة المتابعة، فقد تعاقدوا مع محامين أشاروا عليهم بأنه لضمان نجاح الملف عليهم تحييد الإعلام، والسياسيين، والمتابعة، والحريات. مع الأسف إن هؤلاء كانوا أكثر من حُكم عليهم، لأن- القضاة وغيرهم- شعروا أن هؤلاء ليس لهم نصير ولا ظهير. مرة أخرى، هذا ملف كان مميزًا في داخلنا الفلسطيني، التقصير كان سيد الموقف، صحيح أنا أحد الذين لوحقوا واعتقلت وملفي إلى الآن لم ينته، ويوم 20/6 ستكون جلسة لي ويوم 5/7/ ستكون جلسة أخرى، ويبدو أن الملف لن ينتهي إلا في العام 2024 بلوائح اتهام غريبة وعجيبة، ولكن هذا لا يعفيني من الاعتراف بأننا قصّرنا في حق شبابنا الذين اعتقلوا”.
ملف الاعتقال على خلفية هبة الكرامة
وفي تعقيبه على التقرير الذي نشرته مؤخرًا القناة (13) الإسرائيلية، واعتراف جهات أمنية إسرائيلية بأن اعتقال خطيب اتخذته الجهات السياسية وعلى رأسها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يقول الشيخ كمال: “هي المرة الثانية التي يصدر فيها تقرير إعلامي موثّق في قناة إسرائيلية (القناة 13)، ويتحدث عن أن قرار اعتقالي صدر قبل ظهر يوم الجمعة 14/5/2021، بعد جلسة طارئة للحكومة فيها “القاضي” نتنياهو أصدر قرارًا باعتقالي قبل عصر يوم الجمعة. وبعد اعتقالي بدأوا يبحثون عن تهمة ويحاولون إيجاد كلمة هنا أو هناك يمكن أن أُدان بها وبالتالي اخترعوا هذا الملف. فاعتقالي لم يكن قانونيًا ولم يكن بناء على مخالفة ارتكبتها، بل كان قرارًا سياسيًا يمثل حالة من الجنون أصابت نتنياهو في ظل الأحداث يومها فطالب باعتقالي. كل الشكر لمؤسسة ميزان ومركز عدالة، على حملهما هم ملفي، وكل الشكر لهما على إصدار البيان الأخير بخصوص ملفي والتعقيب على التقرير التلفزيوني والتأكيد على أن خلفية اعتقالي كانت سياسية محضة”.
حول أسباب تخصيص نتنياهو للشيخين رائد صلاح وكمال خطيب بالملاحقة والتحريض منذ حظر الحركة الإسلامية عام 2015 ولغاية اليوم، قال الشيخ كمال: “نتشرف أننا دائمًا كنّا نحمل لواء الدفاع عن ديننا وشعبنا ومقدساتنا، ولا شك أن هذا يُزعج الطرف الآخر، والطرف الآخر هو من يجلس على كرسي الحكم في آخر 20 سنة تقريبًا (باستثناء فترة حكومة بينت- لبيد) هو نتنياهو، لذلك لما قام بقرار الحظر يوم 17/11/2015، جاء القرار في أعقاب “قمة اليخت” التي حصلت في خليج العقبة كما نعلم جميعًا، بقرار من أنظمة عربية بوجود جون كيري وزير الخارجية الأمريكية يومها، وهذه جاءت في أعقاب الأحداث التي كانت في القدس والمسجد الأقصى المبارك، وكان لنا شرف في أن نتقدم دائما في خدمة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وهذا شيء نسأل الله أن نلقاه به ولا نتأسف عليه ولا نعتذر منه ولا نتراجع عنه. يوم 14/5/2021، اليوم الذي اعتقلت فيه، تشرفتُ أني كنت قبلها بأربعة أيام يوم 10 أيار الموافق لـ 28 رمضان بتُّ في ليلة اعتكاف في الأقصى المبارك في ظل الدعوات التي كانت لاقتحام الأقصى فيما يسمى “مسيرة الأعلام” التي نظمتها الجماعات اليهودية. فيومها بعد خروجي من المسجد الأقصى وصلتني رسالة من “الشاباك” تقول: “تمّ رصدك ضمن الموجودين في الأقصى، والقيام بأعمال شغب وستتم محاسبتك”، وفعلًا “تمت محاسبتي” عبر اعتقالي”.
بالنسبة لمجريات محاكمته على خلفية اعتقاله في هبة الكرامة، نوّه الشيخ كمال خطيب إلى أنه “لا تزال هناك شهادتان لما يسموا شهود النيابة، يوم 30/6 سيكون حضور لضابط المخابرات الذي أدار ملفي، الجلسة ستكون سرية، وبعدها ستبدأ المحكمة بالاستماع إلى شهود طاقم الدفاع ومن بينهم شهادتي أنا أمام المحكمة”.
الظروف الإقليمية والموقف من نظام الأسد
في الحديث عن التغيرات السياسية الجارية في المنطقة العربية والموقف من نظام بشار الأسد في ظل تقارب العديد من الأنظمة العربية معه والمقاربة الجديدة لحركة حماس بهذا الخصوص، بيّن الشيخ كمال خطيب أنه “شرف كبير لنا أن نكون إلى جانب أبناء الشعب السوري الشقيق في ثورته ضد الطاغية السفاح الدموي بشار الأسد ونظامه وحلفائه بدءا بإيران وانتهاء بجيرانه هنا في إسرائيل. لا شك أنه منذ العام 2011 وحتى الآن، حصلت انقلابات في المواقف، بين من دعموا الثورة السورية في البداية ثمّ انقلبوا عليها، وبين من كانوا ضد مجازر بشار ثمَّ عادوا وجلسوا معه على نفس الطاولة، مع الأسف أن لهذا كما يبدو علاقة بالمصالح أولًا وأخيرًا، أو بسياسات عالمية تريد أن تجري تغييرات في منظومتها وكلها لصالح تلك الدول الكبرى والسياسات العالمية، وإلا فلا يمكن أن استوعب أنَّ دولًا عربية زعمت أنّها مع الشعب السوري بينما لم تعطه سلاحًا صغيرًا للدفاع عن نفسه، نعم قدّموا الإغاثة والطعام والخيام، لكنهم لم يقدّموا ما يرفع عن الشعب السوري سيف الجلاد ورصاصه وبراميل بشار. من هنا هذه الأنظمة تريد التخطيط لمصالحها على حساب الشعب السوري، يمكن أن أفصل بين ظروف قد تعيشها بعض الدول، لكن ليس أن تصل إلى حد إدارة الظهر بالمطلق للشعب السوري. من هنا، كمال خطيب تحدث وسيظل يتحدث عن بشار الأسد الجزار الدموي الذي قتل شعبه ولن يكون مخلصًا في يوم من الأيام لا لقضية فلسطين ولا لقضايا الأمّة العربية”.
بعد انتكاسة الثورات.. المشروع الإسلامي إلى أين؟
أكد الشيخ كمال خطيب أن انتكاسة ثورات الربيع العربي لا تعني أبدًا نهاية الربيع العربي والمشروع الإسلامي الذي كان في طليعة القوى المناهضة لأنظمة الاستبداد في العالم العربي، مضيفًا: “إن ظنّوا أنهم قد أجهضوا ثورات الربيع العربي، فإن بانتظارهم ثورات الشتاء الإسلامي القادم إن شاء الله. الشعوب يمكن أن تكون في حالة خوف وقلق، لكنها لن تنسى ما عاشته خلال السنوات الماضية، ومن تحرروا من حسني مبارك ونظامه الدموي لا يمكن أن يقبلوا بنظام أكثر دموية هو نظام السيسي. هي حالة ترقب، يقينًا ستنجلي ملامحها عن خير كثير إن شاء الله”.
“إسرائيل أفشل من أن تحظر المشروع الإسلامي”
وفي سؤال حو تأثير حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، على مجمل القضايا في الداخل وتداعيات الحظر على مجمل المشروع الإسلامي، قال نائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا: “إسرائيل وقراراتها أفشل وأعجز من أن تحظر المشروع الإسلامي أو الدين الإسلامي، صحيح جرى حظر تنظيم اسمه الحركة الإسلامية كان عنده عشرات المؤسسات في مختلف نواحي الحياة، وهذا ترك فراغًا لا شك فيه، وهم يريدون هذا الفراغ، ولكن كمشروع ديني ما زال حاضرًا، وأنا ألمس- والحمد لله- من خلال تجوالي ومحاضراتي الكثيرة في القرى والمدن العربية، ألمس إقبال الناس على الإسلام وعلى الدين وعلى رموز المشروع الإسلامي الذين أتشرف بالانتماء إليه. بالتالي هم بحظر الحركة الإسلامية التي كانت ضد مشروع الكنيست، تركوا فراغًا، وفتحوا كل الأبواب مشرعة للمشروع الذي ينادي بالكنيست. المؤسسة الإسرائيلية واهمة إن ظنت أنها بقرار الحظر في العام 2015 تستطيع أن تطمئن أنها وأدت المشروع الإسلامي، ليست كذلك، ولن يكون لها ذلك، ولن يتحقق لها ذلك إن شاء الله”.
المنع من السفر.. والشوق لمكة والمدينة
في غمرة أجواء الحج وسفر الحجاج إلى الديار الحجازية، عبر الشيخ كمال خطيب، الممنوع من السفر بقرار إسرائيلي، عن شوقه وتوقه لتلك الديار، راجيًا أن يتحقق له ذلك بعد التغييرات القادمة، وقال: “في العام 2012 زرت تلك الديار آخر مرة، وبعدها بسبب ثورات الربيع العربي وموقفي منها وموقفي من النظام السعودي فقد حال دون ذهابي أو حتى التفكير في الذهاب، بالتأكيد أتوق لزيارة تلك الديار وسيتحقق ذلك- إن شاء الله- بمتغيرات أنا على يقين أنها قادمة إن شاء الله، ستجعلنا نطمئن أنّ دين الله سبحانه وتعالى لن يغالبه إلا جاهل أو أحمق كما يفعل النظام السعودي وغيره من الدول العربية. لذلك وأنا أودّع الحجاج شعرت بالحنين للزيارة، ولكن- الحمد لله- ركن الفريضة أديته وعمرت أكثر من مرة، همّي الآن أن أرفع صوتي مناصرًا لشعوبنا كلها. أنا على يقين أنّه سيأتي اليوم الذي فيه سيجتمع شمل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى المبارك، وستلتقي القدس مع شقيقتيها مكة والمدينة وقد غاب الاحتلال إلى الأبد وغابت تلك الأنظمة الفاسدة التي- مع الأسف- هي الآن جزء من منظومة الدفاع عن المشروع الصهيوني المدنس للأقصى أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال “.
“نحن إلى الفرج أقرب”
في ختام اللقاء، بيّن الشيخ كمال خطيب أسباب تفاؤله الدائم باستخدامه عبارة “نحن إلى الفرج أقرب” بالرغم من الآلام والظروف القائمة، قائلا: “لا شك أنَّ السباحة بعكس التيار ليست أمرًا سهلًا، والسير بعكس اتجاه الريح أمر صعب جدًا، والتفاؤل في زمن الكرب ليس أمرًا عاديًا، ولكن من علمنا أن نتفاءل في مثل هذه التناقضات؟! إنه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لما قال: “واعلم أنَّ النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا”. ما أكثرها إرهاصات الأمل، ما أكثرها تباشير الصباح، ما أكثرها إشراقات الفجر القادم. الواقع حولنا كله يؤكد أنّ دوام الحال من المحال، المشروع الصهيوني نفسه يحتضر الآن، المشروع الأمريكي يحتضر الآن، الصراع بين الدول العظمى يعبر عن فشل في المشروع الغربي، المشروع العلماني المادي، الأنظمة العربية التي تقمع شعوبها، هذه أنظمة حتمًا ستدفع الثمن، ولن يكون الثمن إلا بذهاب كل هؤلاء. أمّا الإسلام والدين الذي تحتضنه الشعوب وتعتنقه، هو الآن بحاجة فقط إلى من يجمع هذه الكتل المباركة الموجودة في كل بلد. أبناء الصحوة والمشروع الإسلامي يتواجدون في كل بلد وهنا في الداخل الفلسطيني بانتظار اللحظة التي سيكون فيها هذا العنصر المجمع. هذا قدر نؤمن به، وهذه ظروف ستولد حتمًا من رحم هذا الواقع الصعب. لذلك لن أتردد باستمرار التأكيد على “نحن إلى الفرج أقرب”.