جرائم القتل والطاقات المُستنفدة
ساهر غزاوي
ماذا لم يُكتب وماذا لم يُقل حول جرائم العنف والقتل في مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني، وحول تواطؤ الشرطة ومؤسسات الدولة والتمييز العنصري والفوقي بين الدم العربي والدم اليهودي الذي يتماهى مع السياسة العليا الإسرائيلية تجاهنا كفلسطينيين أصلانيين! هذه السياسة التي تسعى لتنفيذ عملية طرد جماعي لنا بطرق وأساليب مختلفة لاستكمال ما بدأته في عام 1948، وماذا لم يُكتب وماذا لم يُقل وجميعنا تحدث عن آفة العنف والجريمة المنظمة وعن ضرورة عمل أي شيء لوقف هذا النزيف الدامي عبر مختلف المنابر والمنصات والمناسبات!
الأمر الذي لا يدع لنا مجالًا للشك هو أن السواد الأعظم منا وصل إلى قناعة يقينية بأنّ السياسة العليا الإسرائيلية هي المتورطة بارتفاع مستوى الجريمة المنظمة التي تفتك بأبناء مجتمعنا، وهي من توفر لعملائها العرب المتورطين في عالم الإجرام الحماية والحصانة التي تحول دون مكافحة الجريمة المنظمة المستشرية في مجتمعنا، هذا عدا أن “الشاباك” من المستحيل أن يضحي بنفوذه داخل عائلات الجريمة المنظمة!! ومعظمنا وصل إلى قناعة يقينية بأن الضوء الأحمر سطع لدى أهل السياسات العليا الإسرائيلية بعد اندلاع هبّة القدس والأقصى عام 2000 عندما أبرق الداخل الفلسطيني رسالة مفادها بأنه صاحب وعي سياسي وقضية وانتماء وصاحب دور مركزي في الصراع على أرض فلسطين، وليس مجرد شعب يلهث وراء المطالب الحياتية والخدماتية والرفاهية المصطنعة!!
ومعظمنا أيضًا وصل إلى قناعة يقينية أن الجهات الإسرائيلية هي المستفيد الأكبر من الفوضى وسفك الدماء ونشر الرعب في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، والأمر الذي لا يمكن إخفاؤه ولا تجاهله، أن السياسة العليا الإسرائيلية نجحت إلى حد كبير بالاستفادة من كل ما ذُكر بإشغال المجتمع بالبحث عن الأمن والأمان الشخصي في الحيز الخاص والعام على حد سواء، وبات موضوع الجريمة والعنف وإيجاد حلول لها يتصدر أولويات اهتمامات المجتمع العربي والمطلب الأبرز ومقدم على أية قضايا سياسية أخرى.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ السياسة العليا الإسرائيلية لا تزال تراهن على أنّ الانشغال في شيوع العنف والجريمة، سيدفع أبناء المجتمع على تغيير قناعاتهم بأن الأمن والأمان يكون فقط بالتقرب إلى المؤسسة الإسرائيلية وأجهزتها من خلال السعي الحثيث لربط المجتمع العربي بمشاريع ومخططات الأسرلة!! وهذا مع شديد الأسف والأسى بات الدور البارز الذي تقوم به وتنفذه أحزاب عربية في الكنيست الإسرائيلي وخاصة القائمة العربية الموحدة التي يتزعمها منصور عباس، هذه القائمة التي عبر البيانات والخطابات والتصريحات الرسمية وعبر أبواقها المناصرة والمأجورة، باتت لا تتورع ولا تخجل من توظيف دماء ضحايا جرائم العنف والقتل في مجتمعنا العربي لصالح حسابات انتخابية والتقرب إلى المؤسسة الإسرائيلية.
وللتوضيح، فإنه مع كل جريمة قتل في مجتمعنا، باتت هذه الأبواق الموجهة من بطانة وحاشية القائمة الموحدة، من مستشارين إعلاميين وسياسيين ومُنظرين استراتيجيين، تُذكرنا بـ “أيام الزمن الجميل”، ذلك الزمن هو العام الذي كانت فيه القائمة الموحدة في الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينت- تشكلت في شهر 6/2021 وحُلّت في شهر 6/2022- وإلى جانب أن هذه الأبواق تُحمل المجتمع برمته (باستثناء مصوتي القائمة الموحدة) مسؤولية حلّ الحكومة وتجلد ظهورهم صباحًا ومساءً بكل صلافة ووقاحة لم نعهدها من قبل، فإنّها تُذكرنا أن من بركات زمن وجود القائمة الموحدة في الائتلاف الحكومي تم العمل فيه على تقليل عدد الضحايا، علمًا أنه في عام 2021 (خلال النصف الأول من عمر الائتلاف الحكومي) وصل العدد إلى 126 قتيلًا، مع الإشارة إلى أن العام 2020 وصل العدد فيه إلى 100 قتيل- وفي العام 2022 (خلال النصف الثاني فترة الائتلاف حينها) وصل العدد فيه إلى 109 قتلى، وهو عدد كبير جدًا مقارنة مع سنوات سابقة.
لا أريد التوقف كثيرًا عند هذا الموضوع، لكن كل من يجيد قراءة المشهد الإسرائيلي السياسي كان يعلم أن حلّ الحكومة التي كانت القائمة الموحدة جزءا من ائتلافها، كان مسألة وقت لا أكثر، وقد كُتب عن هذا الكثير، وعلى الرغم من قِصَر الفترة، لم تؤدِّ هذه الحكومة إلى تغيير جوهري في مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، كما تبين ذلك ورقة مدى الكرمل نُشرت مؤخرًا. علاوة أن تجربة القائمة الموحدة انتهى دورها على هذا الصعيد ولن يتكرر مستقبلًا، وحتى لو أن الاستطلاعات منحتها 6 مقاعد أو أكثر فهذا لن يغير من حقيقة وضعية الكنيست الثابتة التي تُفشل وتُحبط أي جهد لعربي والتي لا تقبل أن يكون له أي دور مؤثر.
خلاصة القول، فإنه لا يوجد قرار سياسي للتعامل الجِدي مع الجريمة المنظّمة في المجتمع العربي، ولن تقبل السياسة العليا الإسرائيلية، المستفيد الأكبر من الفوضى وسفك الدماء ونشر الرعب في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، أن يتوقف حمام الدم الجاري للأسباب التي ذكرت سابقًا، كما أن الأدوات الاحتجاجية التقليدية لم تنجح في التغيير ومن المؤكد أنها لن تنجح في حال كررت نفسها ، لكنها تبقى أفضل من الجلوس جانبًا والتزام الصمت المطبق!!، ويبقى الأمل بعد فرج الله علينا، إعلان العصيان المدني وعدم دفع الضرائب وشل أركان الدولة عبر خطوات احتجاجية متواصلة ومتصاعدة، وإمكانية أن تتحرك السياسة العليا الإسرائيلية فقط عندما سيؤدي هذا الارتفاع الحاد (قريبًا) في معدلات الجريمة والقتل في المجتمع العربي إلى تقويض الاستقرار والأمن الداخلي الإسرائيلي، حيث بات يسود الاعتقاد لدى قيادة الشرطة الإسرائيلية أن المجتمع العربي “انهار داخل نفسه”، بسبب التصاعد الكبير في جرائم القتل، وأن موجة الجرائم هذه من شأنها أن تنتشر بشكل واسع في المجتمع اليهودي أيضًا، حسب تقرير لصحيفة “يسرائيل هيوم”.