عائلة قرعاوي.. أكثر من 30 عاما في سجون الاحتلال والصورة لم تكتمل
بعد ساعتين من التوقيف تحت أشعة الشمس الحارقة والتفتيش الدقيق لهما وللسيارة، قرّر جنود الاحتلال اعتقال حمزة وإطلاق سراح والده الشيخ فتحي قرعاوي الذي عاد محملا بحزنه وبعض الهدايا التي ابتاعها حمزة لأبنائه.
وهذا الاعتقال السابع لأسامة قرعاوي (36 عاما) الذي قضى 12 عاما في سجون الاحتلال، تماما كما اعتقل والده الشيخ 7 مرات لأكثر من 10 سنوات، و5 من أشقائه منذ بداية العام الجاري.
ومطلع تسعينيات القرن الماضي بدأ الاحتلال استهداف العائلة، فاعتقل الشيخ فتحي قرعاوي (64 عاما) ثم أبعده إلى مرج الزهور جنوب لبنان، ضمن عملية إبعاد قسري طالت أكثر من 400 فلسطيني آنذاك.
وبعد عام، أعاده الاحتلال ليكمل ما تبقى من مدة اعتقاله لعامين آخرين في السجون، ثم تتالت الاعتقالات والاستدعاءات للشيخ، لدرجة بات يصعب عليه إحصاؤها أو تذكر تفاصيلها وتواريخها.
هدف دائم للاحتلال
بمنزله في حي جبل النصر أعلى مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم، التقت قرعاوي الذي روى تفاصيل معاناته وعائلته على مدى السنوات قائلا “جعلنا الاحتلال هدفا دائما له، ومع كل حدث يقتحم منزلنا ويعتدي علينا ويعتقلنا فرادى أو بشكل جماعي”.
ومع بدء مسلسل اعتقال الشيخ قرعاوي، لم يكن أطفاله يدركون ذلك، لكنهم ما لبثوا أن صاروا جزءا منه، حيث اعتقل الاحتلال 6 منهم مرات عدة ولفترات تفاوتت بين أشهر وسنوات، تجاوزت بمجملها 30 عاما، كان أكثرها مرارة العام الجاري والذي اعتقل فيه 5 أشقاء مرة واحدة، وسبقهم بأشهر شقيقهم حمزة، قبل أن يفرج الاحتلال عن 3 ويبقي مثلهم في السجن.
ولكثرتها لم يعد بمقدور الأب المكلوم استذكار التفاصيل الدقيقة لكل اقتحام واعتقال، ورغم ذلك أخبرنا بأن كل عملية لجيش الاحتلال تبدأ بخلع أبواب المنزل واحتجازهم منفصلين (الذكور لوحدهم والإناث كذلك) ثم تفتيش البيت -الذي حفظه الجنود- وتحطيم أثاثه.
ولا يخلو الحدث من قمع لأفراد العائلة وتحقيقات ميدانية وسط إرهاب وتخويف، قبل أن ينتهي باعتقال واحد أو أكثر منهم.
ومع نكبة الفلسطينيين عام 1948 هُجِّرت عائلة قرعاوي من قرية صبَّارين في قضاء حيفا، ليستقر بهم المقام بمخيم نور شمس قرب طولكرم، وفيه ولد الشيخ قرعاوي ونشأ وتعلم.
وعام 1980 تخرَّج في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بعمَّان، ليعمل إماما في مساجد طولكرم، فضلا عن كونه داعية وواعظا ومصلحا اجتماعيا، ثم انتخب نائبا بالمجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
التغييب قسرا والعقاب المضاعف
في الاعتقالات التي لا تنتهي، قطَّع الاحتلال أواصر العائلة، فخلت مائدتهم الرمضانية من لقاء يجمعهم -مرة أو اثنتين فقط- منذ أكثر من 30 عاما، وكذلك الزواج والمرض والمناسبات الاجتماعية المختلفة.
وتزامن اعتقال بعضهم مع الإفراج عن آخرين، كيلا يعيشوا فرحة اللقاء، كما منع اجتماع الأشقاء مع بعضهم داخل السجن، وعاقبهم ماديا بأن غرَّمهم أكثر من 15 ألف دولار فوق الاعتقال.
وتحت وطأة زيارات السجون ومتابعة ملف الاعتقال ورعاية أطفالها وأحفادها، تقاعدت الزوجة أمل قرعاوي من وظيفتها كواعظة دينية، وأسوأ من ذلك كله يقول قرعاوي أن معظم اعتقالهم كان إداريا (ملف سري) أي وسيلة لعقاب العائلة ليس إلا.
كما حرم الاحتلال العائلة من السفر للخارج وكذلك تصاريح الدخول إلى فلسطين التاريخية، بما فيها زيارة السجون، وبقي الأمر مقتصرا فقط على زوجة الشيخ قرعاوي التي جابت ولا تزال معظم السجون الإسرائيلية.
وأمام هذا الصلف الإسرائيلي، يجلس الشيخ قرعاوي يلاعب أحفاده محاولا تعويضهم غياب آبائهم، ولعلَّ وجود معظم أبناء الشيخ في منزله، يخفَّف بعضا من المعاناة عبر تربية أحفاده ورعاية زوجاتهم وتعويضهم شيئا من النقص.
وأكثر من الاحتلال، يدمي قلب العائلة ممارسات أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بحقهم، عبر الاعتقال والتحقيق مرارا، كان أسوأها اعتقال الأب 6 أشهر، ونجله مؤمن الذي أفرج عنه مؤخرا بعد 35 يوما من الاعتقال.
يقول الشيخ قرعاوي “تخدرت أجسامنا بفعل الاعتقال وعذاباته، لكنه لم يكسر شوكتنا، وما يؤرقني حال زوجتي التي أنهكتها زيارات السجون وهوَس الاقتحامات للمنزل”.
من سجن لآخر .. المشهد يتكرر
بدورها، تقول “أم حمزة” أمل قرعاوي إن مسلسل الاعتقال الذي بدأ قبل أكثر من 30 عاما لم ينته بعد، وما عايشته مع الاعتقالات كأم لأطفال عانوا غياب والدهم، تراه اليوم يتكرر مع أحفادها الذين تحاول جاهدة تعويضهم عن أي نقص.
وتقاسمت أم حمزة (64 عاما) مع عائلتها المعاناة، حيث تسلمت ملف زيارات السجون كونها الوحيدة المسموح لها بذلك، فتنقلت من واحد لآخر متحملة الحر والبرد وطول المسافات، ومغادرة المنزل منتصف الليل والعودة إليه كذلك.
وأكثر من ذلك، تحفظ أم حمزة عن ظهر غيب كل ما يتعلق بالاعتقال من تواريخ وأحداث وتفاصيل الاقتحام وزيارات المحاكم وجلسات التحقيق، دون أن توثقه ورقيا.
وتقول “لم يؤلمني مشقة السفر للسجون يوما، مثلما آلمني موقف الإفراج عن ابني الأصغر عبد الرحمن قبل أكثر من شهر وعودتي من المحكمة والفرحة تغمرني، لينغص ذلك اعتقال الأمن الفلسطيني أبني مؤمن”.
وفي منزل الشيخ فتحي قرعاوي حيث صورة المعاناة مكتملة، لم نجد صورة فوتوغرافية واحدة توثق لقاء يجمع العائلة، فقد غيَّبتهم السجون، ولوهلة ظننا أننا عثرنا على واحدة لتفاجئنا أم حمزة قائلة “محمد ليس معهم، كان معتقلا”.