(نصف في المائة) تعيد الانتخابات في تركيا
الشيخ رائد صلاح
هذا ما حدث في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التركية التي كانت بتاريخ 14/5/2023 حيث كان الرئيس أردوغان في حاجة إلى نصف في المائة حتى يفوز برئاسة تركيا، وماذا تعني هذه النسبة نصف في المائة؟ّ! إنّها تعني لا شيء في ميزان الكثير من أنظمة القهر والإستبداد ومصادرة إرادة الشعوب، بل قد تعني لا شيء في ميزان الكثير من الأنظمة التي تتباهى بالديمقراطية وحرية الكلمة وحق تقرير المصير، وقد تدوس هذه الأنظمة التي لا تزال تفتل عضلاتها علينا صباح مساء مدّعية أنها حامية حمى الوصول إلى الرئاسة عن طريق صناديق الاقتراع، قد تدوس على هذه النسبة الضئيلة (نصف في المائة) وتفرض الرئيس الذي تمليه شياطين إنسها على الشعوب المخدوعة المضللة المغرر بها تحت مسميات الديمقراطية وإرادة الجماهير، ولكن كل ذلك لم يحدث في تركيا، بل كانت هذه النسبة الضئيلة (نصف في المائة) هي التي فرضت على لجنة الانتخابات في تركيا أن تعلن بلا تردد ولا تلعثم ولا خوف من سطوة الجيش ولا جهاز المخابرات ولا رجال الشرطة مصرّحة للشعب التركي ولشعوب كل الأرض أنه لم يفز أي مرشح برئاسة تركيا في الجولة الأولى بما في ذلك مرشح الرئاسة رجب طيب أردوغان لأنه كان ينقصه (نصف في المائة).
وعلى هذا الأساس أقرّت لجنة الانتخابات في تركيا إعادة انتخابات الرئاسة التركية في جولة ثانية والتي كانت بتاريخ 28/5/2023 فكانت نتيجة جولة الإعادة أن فاز المرشح أردوغان لرئاسة تركيا بنسبة 52,18% وفي هذه النسبة أكثر من دلالة هامة!! فهذه النسبة 52,18% تكشف عورة انتخابات الرئاسة التي كانت تجري في بعض الدول العربية والتي كان يُعلن في ختامها أن الرئيس الخالد المفدى حامي العباد والأوطان، قد فاز في الانتخابات بنسبة 99,9%!! وهذا يعني لو افترضنا جدلًا – أنّ الخليفة أبا بكر الصديق أو الخليفة عمر بن الخطاب أو الخليفة عثمان بن عفان أو الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، لو نافس أحدهم هذا الرئيس العربي الموهوب الملهم الذي فاز بنسبة 99,9 لخسر كل من هؤلاء الخلفاء الراشدين في هذه الانتخابات!! وهذه النسبة 52,18% تميط اللثام عن المؤامرة التي وقعت على الرئيس الشهيد محمد مرسي، فبعد أن فاز عبر صناديق الانتخابات برئاسة مصر، كما فاز المرشح أردوغان برئاسة تركيا، إلا أن الدولة العميقة المتغلغلة في أجهزة الحكم في مصر حتى النخاع، داست على إرادة الشعب المصري وقامت بانقلاب باطل على الرئيس الشهيد محمد مرسي، ثمَّ فرضت على الشعب المصري الرئيس الذي هو على مقاسها وليس على مقاس مصر أم الدنيا، ولا على مقاس معظم الشعب المصري الغلابى !!
وهذه النسبة 52,18% تفضح قُبح انتخابات الرئاسة التي جرت في بعض الدول العربية والتي كان عدد مرشحي الرئاسة فيها واحدًا فقط، وهو الحاكم المعجزة الذي عجزت النساء أن تلد مثله، ولذلك من العار كل العار أن ينافسه واحد من الشعب في انتخابات الرئاسة وإلا فإن مصير من يتجرأ على ذلك هو الاختفاء القسري ثمَّ تدوين اسم هذا المرشح للرئاسة المختفي قسريًا في سجل المفقودين، ثمَّ يبقى مدونًا اسمه في هذا السجل ما دامت هذه الدنيا، ولا يجوز لأحد أن يطلع على هذا الملف السري للغاية وإلا فسيختفي قسريًا هو الآخر غير مأسوف عليه في حسابات بطانة هذا الرئيس المعجزة!! وهذه النسبة 52,18% تسقط اللثام عن الشعارات التي هدر بها إعلام الطواغيت الذين حكموا الكثير من الشعوب العربية بالنار والحديد، والذين صدعوا رؤوس شعوبهم وهم يرددون عليها ليل نهار شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة، ثم تبين بعد برهة من تسلطهم على هذه الشعوب العربية المحتلة داخليًا، أنّ هؤلاء الطواغيت كانوا يعنون بشعار الحرية أنَّ كل واحد منهم هو حر بكيفية تصرفه بشعبه، وكيفية إذلاله لهذا الشعب، وكيفية مصادرته لكرامته،!! وكانوا يعنون بشعار الاشتراكية أنَّ كلًا من هؤلاء الطواغيت تسلط على شعبه، ليحيل كل شعبه فقراء، وهكذا يفرض عليهم اشتراكية الفقراء،!! ثمَّ كانوا يعنون بشعار الوحدة هي وحدة خنوع كل الشعب لهذا الحاكم الأسطورة، حتى لو نال من أرواحهم وأعراضهم وأموالهم!! وهذا النسبة 52,18% تُبين للقاصي والداني أن المنافسة في انتخابات الرئاسة التركية لم تكن مجرد مشهد تمثيلي على قاعدة (على عينك يا تاجر)، ولا مجرد عرض بهلواني على المسرح التركي السياسي، ولا مجرد سحر للعيون كما هو حال الساحر الذي يخطف العقول ويسحر الأبصار وهو يقف على منصة سيركه الخداع، لدرجة أنه قد يدفع الضيوف إلى سيركه ويوهمهم أنَّ الحبال صارت أفاعيَ، وأنّ قبعته بات يخرج منها فوج من الأرانب!! بيد أن انتخابات الرئاسة التركية لم تكن كذلك، بل كانت قائمة على التنافس على كل صوت من عدد الناخبين في تركيا والذي بلغ خمسة وثمانين مليون ناخب، وكل صوت ناخب منها كان يعني شيئًا في ميزان الربح والخسارة في انتخابات الرئاسة التركية!!
والعجب كل العجب، أنَّ الشعب التركي تقبّل نتيجة الانتخابات في الجولة الثانية بأريحية مشرفة وانطوت صفحة الانتخابات، وانطوت أجواء التنافس، كأن لم تكن، ونهض الشعب التركي في اليوم الثاني ما بعد يوم الانتخابات جادًا لمواصلة بناء تركيا!! في الوقت الذي وقع فيه العكس في أمريكا، فما أن تمَّ الإعلان عن فوز بايدن وخسارة ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية حتى اندفع المئات من رعاع الشعب الأمريكي واقتحموا الكونغرس، وعاثوا فيه فسادًا، وقتلوا فيه من قتلوا، وخربوا فيه ما خربوا، وهكذا وضعوا (الحلم الأمريكي) على كف عفريت، ولو طالت أيديهم تمثال الحرية الأخرس الذي أعياه التعب بعد أن انتصب منذ قرون وهو يحمل مشعل الحرية على أبواب نيويورك، لو طالته أيديهم لحطموه وأحالوه إلى كومة حجارة!! وما كان الإنسان بحاجة إلى ذكاء خارق حتى يعلم أنَّ الكثير من ساسة الغرب وفحول إعلامه كانوا يتمنون وقوع أحداث شغب دموية في تركيا بعد الإعلان عن نتيجة انتخابات الرئاسة التركية، وكان ذلك واضحًا في نبرة أصواتهم عندما كانوا يتحدثون من مقارهم في أوروبا وأمريكا عن أجواء انتخابات الرئاسة التركية، ولكن خاب ظنهم والحمد لله رب العالمين، وظلَّ الشعب التركي يتحلى برباطة جأش حضارية بعد الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة التركية، وكأنه يقول لهؤلاء الساسة والإعلاميين الغربيين: شاهت وجوهكم!! ولن تعدوا قدركم الحاقد على الإسلام والمسلمين !! ثمَّ ماذا ؟! إنَّ المضحك المبكي الذي استوقفني بعد الإعلان عن فوز مرشح الرئاسة أردوغان بنسبة 52,18% أنَّ بعض الرؤساء العرب الذين جلسوا على كرسي الحكم على حساب جماجم الملايين من شعوبهم، لم يخجلوا على أنفسهم، بل عجلوا وقدَّموا التهاني للرئيس أردوغان بعد أن فاز في هذه الانتخابات.