واقع العنف والجريمة في مجتمعنا العربي
د. حسن صنع الله
لست بصدد الحديث عن العوامل الاجتماعية للجريمة وأسباب ارتكابها في مجتمعنا العربي، ولا السلوك الاجرامي المصاحب لعديد الحالات في مجتمعنا، بقدر الحديث عن البيئة الهشة التي تحيط بمجتمعنا، وما هو السبيل للخروج من مستنقع العنف والحد من هذه الحالة التي باتت تستنزف مخزون الشباب في الداخل الفلسطيني. وعلينا إدراك أن العنف يمكن الحد منه واحتواؤه، لا انهاؤه لأنه نتاج تفاعلاتٍ اجتماعيةٍ لا يمكن انهاؤها، كما أنه لا يمكننا في حياتنا تحصيل مستوى واحدٍ من الاخلاق.
المجتمع الفلسطيني في الداخل فيما يخص العنف يعاني من حالةٍ مرضيةٍ ثلاثية الأبعاد، جمعت بين ثلاث مركباتٍ، هي: السلطة المشجعة بسكوتها عن مكافحة العنف والجريمة، وعصابات الإجرام كمنظومة رئيسة وأساسية في تنفيذ الجريمة، والعائلات والحمائل وغياب دورها المركزي في ضبط بعض شبابها الذين أصبحوا رصيدًا قويًا لعصابات الإجرام.
من خلال استقرائنا للواقع فإن المؤسسة الإسرائيلية تعمل على التفكيك من أجل الضبط والسيطرة وإشغال المجتمع عن ثوابته وهمومه الوطنية، ومن نافلة القول الإشارة إلى أنه هناك شبه اجماع وطني حول موضوع تآمر السلطات وأذرعها الأمنية على مجتمعنا، خصوصًا وأن هناك العديد من القرائن التي تدل على ذلك، ولا شك أن لجنة المتابعة العليا بغالبية مركباتها باتت تتهم بشكلٍ علنيٍ وصريحٍ المؤسسةَ الإسرائيلية بأنها شريكٌ، لا بل إنها راعية لحالة العنف والجريمة في المجتمع العربي.
ومن الواضح أن مجتمعنا الذي كان يعيش قبل العام 2000، وهو تاريخ هبة القدس والاقصى، في إطار منظومةٍ من القواعد والقيم والعادات والتقاليد، تم العمل على تفكيكها من قبل المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية، وبالمقابل فشل مجتمعنا في تطوير ثقافةٍ ووعيٍ مشتركٍ لمواجهة سياسة التفكيك هذه. وقد ساهم في تفاقم هذه الحالة بعض التيارات السياسية التي ارتمت في أحضان المؤسسة الإسرائيلية ظنًا منها أن المؤسسة المذكورة معنية بحل مشاكل المجتمع العربي.
والملاحظ ان مجتمعنا في الداخل بات مستسلمًا للعديد من التفاعلات السلبية التي حصلت فيه، كالسوق السوداء والخاوة وتجارة المخدرات وتجارة السلاح وظهور عصابات الاجرام بدعم من المؤسسة الإسرائيلية، والأنكى من ذلك احتضان بعض العائلات والحمائل لمرتكبيها او انضواء بعض شباب هذه العائلات تحت لواء هذه العصابات، هذا ناهيك عن تورط بعض رؤساء السلطات المحلية في التعامل مع هذه العصابات بنسبٍ متفاوته.
وعليه يمكن القول إن هناك دور محوري لمجتمعنا والعديد من أفراد العائلات في الداخل الفلسطيني في احتضان عصابات الاجرام ومرتكبي الجرائم.
من أجل علاج حالة العنف في المجتمع العربي والحد منها يجب التعامل مع المركبات الثلاث التي تحدثنا عنها بناءً على موقفها من مجتمعنا، فالمؤسسة وأذرعها مركبٌ راعٍ للعنف، وعليه، فإن على لجنة المتابعة وقيادات الداخل تذكير المؤسسة -من خلال البرامج والفعاليات الشعبية- بذلك وأنها جزءٌ من المشكلة وليس الحل. أمّا فيما يتعلّق بعصابات الإجرام فتنقسم إلى قسمين ،القسم الأوّل متورّطٌ في عمالةٍ عضويّةٍ مع المؤسّسة فمن الصّعب التواصل معه لأنّه يتم توجيهه من خلال أذرع المؤسّسة الأمنيّة (وذلك بشهادة الشرطة) وتستخدم معهم المؤسّسة سياسة الباب الدوّار من أجل إنهاك واستنزاف الداخل الفلسطينيّ، والقسم الثّاني عصاباتٌ نفعيّةٌ، من الممكن فتح حوارٍ معها من أجل الحد من حالة العنف، كما أنه يجب التنويه هنا إلى أنه يجب سبر أغوار التاريخ الإسلامي وخصوصًا الأموي والعباسي لمعرفة كيف تم التعامل مع حركة العيارين والشُّطّار.
أمّا فيما يخص العائلات والحمائل، فكما قال العالم والطبيب الفرنسي “لاكساني”، صاحب نظرية الوسط الاجتماعي في مجال خلق الجريمة: “الجريمة كالجرثومة لا أهمية لها الا إذا وجدت الحقل المناسب لها”، وعليه يقع على عاتق هذه العائلات إعادة دورها المركزي والعمل على تماسكها من جديد، والعمل على لجم بعض شبابها المنفلت والذين باتوا يعملون جنودًا لدى عصابات الاجرام، ويقع على عاتق لجنة المتابعة ولجنة افشاء السلام العمل على التواصل مع عائلات الداخل الفلسطيني وإطلاق مشروع ميثاق العائلات للحد من آفة الجريمة المنظمة من خلال الحديث المباشر مع أبنائها، كما انه يقع على عاتق لجنة المتابعة واللجنة القطرية العمل على إيجاد أرضيةٍ لإعادة أنشاء لجان حراسةٍ في كل قرانا ومدننا العربية.