لنُعِد للحجاب هيبته
ليلى غليون
لست أدري هل أسميه حجاب الموضة أو موضة الحجاب، وإن كانت العبرة ليست بالمسميات لأن المسمى واحد.
إنّها غربة الحجاب، نعم غربة بكل ما تحمل الكلمة من مدلول ومعنى، كيف لا وعقد التنازل عن اللباس الشرعي الحقيقي تنفك عراه حلقة بعد حلقة، ليبدو وكأن هذا الحجاب استقال عن وظيفته، أو بمعنى أدق تمّ إقالته، وأخرج عن هيئته، وتشوهت صورته الأصيلة وهويته المميزة، ليصل به التنازل من كونه لباسًا شرعيًا صممه وفرضه رب العزة على المرأة، إلى أي مسمى من مسميات الموضة وذلك خطوة خطوة، متنقلًا من لباس فضفاض وساتر يرجع البصر وهو حسير من أن تُرى المرأة المسلمة سوى هالة من الهيبة والوقار، إلى لباس زينة تتنافس فيه الألوان والزخارف والنقوش والتصاميم، بالإضافة لمطابقة لونه للماكياج والإكسسوارات.
فماذا يحدث للحجاب؟ وما هذا التحرك السريع وبهذه الخطى الواسعة ليتحول من التزام ديني إلى موضة عصرية؟
وللوقوف على هذه التساؤلات وعرض تفاصيل هذه الظاهرة استطلعنا بعضًا من الآراء والتي نجملها بالآتي:
* لا أرى الحجاب في أيامنا هذه إلا حجابًا بحاجة إلى حجاب.
* ما ترتديه العديد من النساء والفتيات اليوم لا يمكن أن نسميه حجابًا، وهذا الأمر يثير الاستهجان من وجهين:
الأول: هو بحد ذاته زينة وبدل أن يغض البصر فهو ملفت للانتباه.
والثاني: يثير الغرابة والتساؤلات، إذ كيف للحجاب أن يلتقي مع كل هذه الزينة وهو بالأصل فرض لستر الزينة والمفاتن!
* هذه التصاميم للملابس الشرعية تأتينا من دور الأزياء العالمية حيث أن أصحاب هذه الدور وجدوا هذه الملابس من أكثر الملابس استهلاكا في المجتمعات العربية، ولأجل الزيادة في الربح قاموا بتصميم ملابس لا علاقة لها بالشرع وأطلقوا عليها اسم ملابس للمحجبات، وتمَّ تسويقها في هذه المجتمعات والتي هي سوق نشطة لتصريف منتجاتهم، وكل يوم تفاجئنا دور الأزياء بمواصفات وتصاميم جديدة للباس الشرعي البعيد بعد المشرقين عن الشرع.
* للأسف الشديد، العديد من النساء اليوم لا يحرصن على ارتداء الزي الشرعي بشروطه الصحيحة، بل نرى اهتمامهن ينصب بما تفرزه الموضة من جديد ليصبح الحجاب عند هذه الفئة أشبه ما يكون بالعادة وليس عبادة والتزامًا بأمر الله تعالى.
* بصراحة لا أفهم ظاهرة التزاوج بين الحجاب وبين بنطلون الجينز المنتشرة بين العديد من الفتيات، فكيف يمكننا أن نجمع بين غطاء الرأس كرمز للهوية الإسلامية وبين بنطلون الجينز كرمز للموضة!!
* هناك من تعيش حالة نفسية مذبذبة، فهي من جهة لا تريد التخلي عن الحجاب، ومن جهة أخرى تريد مسايرة الموضة بالماكياج والعطور والجينز وغيرها من أشكال الموضة، هي تريد أن تجمع بين الاثنين، ولكن من غير المعقول الجمع بينهما والنتيجة حجاب لا يفي بالمطلوب.
* أنا لا أعارض حجاب الموضة إن كان في مناسبة أو عرس ولكن أن يتحول إلى نمط حياتي تتخذه المرأة في كل أحوالها فهذا ما لا أتفق معه لأنه لا يتفق مع الشرع.
* أرى في حجاب اليوم مع ما فيه من زينة عاملًا مشجعًا للفتيات على ارتداء الزي الشرعي خصوصًا وإغراءات الموضة المنتشرة في كل مكان تستميل الفتاة وتجذبها نحوها.
* هذا اللباس أفضل من غيره، وخير للفتاة أن ترتدي حجابًا ولو كان على الموضة، من أن تلبس الملابس القصيرة أو ما تفرزه الموضة من تصاميم جنونية.
المدعو “حجاب الموضة” يتحدث عن نفسه
أعرفكم على نفسي: أنا المدعو حجاب الموضة، صفاتي باختصار:
* أني لباس ضيق أحدد ملامح الجسم بالتفصيل.
* غطاء الرأس له أشكال وتصاميم مختلفة، طبقات بعضها فوق بعض، مع ناطحة السحاب المسماة “أبو نفخة”.
* مزخرف ومزين بالألوان الصاخبة والدبابيس الذهبية والفضية.
* لا مانع أن أكون على شكل بنطلون جينز أو أي نوع بنطلون مع غطاء الشعر.
* أُحوّل الوجه للوحة من الألوان وتشكيلة من الأصباغ من كثرة الماكياج.
* لا غناء عن العطر الفواح وبالطبع الحواجب المنتوفة.
* الكعب العالي الذي يوقظ بفرقعته ثقيل النوم ولا يجعله يهنأ بنومه، وأمور أخرى لا داعي لذكرها.
* أنا باختصار شديد حجاب الموضة من تصميم بني البشر وليس لي علاقة تذكر بالحجاب الشرعي الذي هو من تصميم المولى عز وجل. والتي ترتديني وتحاول اقناع نفسها بأنني الحجاب الشرعي، هذا شأنها ربما تضحك على نفسها، ربما لا تجد الحجاب الشرعي في السوق، ربما تراني أنا الأجمل، وألف ربما يمكن أن تكون إجابة لهذا السؤال. ومهما حاولت المرأة إقناع نفسها، فإن الحقيقة دامغة، والشمس لا يمكن أن يحجبها غربال، فأنا حجاب الموضة ليس إلا، ولا يمكنني أن أسد مسد الحجاب الشرعي أو أقوم بوظيفته وبدوره.
همسة عتاب يطلقها الحجاب الشرعي
أيتها الأخت الكريمة، لقد فرضني الله تعالى حماية وصونًا لك، لم أصمم في دور أزياء غربية ولا شرقية، ولم يقرر شكلي وملامحي عقل من بني البشر الذي لا يخلو من الأهواء والنزوات والنقص والأخطاء، بل إن الذي فرضني وحدد ملامحي رب العزة القائل في محكم تنزيله: (يدنين عليهن من جلابيبهن …)، والقائل جلَّ في علاه: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن….)، والقائل: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى …). فما بالك أيتها الأخت الكريمة تخضعينني لقانون الموضة وتقليعاتها لتفقديني صلاحيتي ودوري الذي من أجله أنزلت آيات بينات تتلى إلى يوم الدين، وبالتالي تطلقين علي لباس الموضة وتسمينه اللباس الشرعي وبينه وبين الشرع مسافات شاسعة أنت من ساعد على اتساعها باتباعك قوانين ومستجدات الموضة، إنك تسيئين إلي إساءة عظمى عندما تدعين أن هذا اللباس هو اللباس الشرعي وقبلها تسيئين لنفسك عندما أقنعت هذه النفس بأن هذا هو المطلوب، وأنا لا أقبل هذا لأني لا أقبل المساومة ولا أنصاف الحلول.
إنَّ دوري أيتها الأخت الكريمة أن أكسر شوكة الفتن لا أن أقوي عودها كما يفعل حجاب اليوم، إن مهمتي أن أجعلك نجمًا يتألق في السماء فلا يطمع في منالك طامع، فما الفائدة من لباس لا يستر صاحبه ولا يقيه عوارض الحر والقر كما هو حال المدعو حجاب الموضة، إنني أنتظر عودتك إلي، فهل ستعودين؟؟!
لنعد للحجاب هيبته
إليك يا ذات الحجاب أوجه كلامي الممزوج بالحب والعتاب، إليك يا من أحببتها في الله ولا أزال، يا من أطمع وإياها أن يظلنا الله بظله يوم لا ظل إلا ظله. إنّ هذه التصميمات ليست لنا ونحن لسنا لها وهذه الملابس بأشكالها المعروضة من الظلم والإجحاف أن نطلق عليها اسم الملابس الشرعية، وتذكري أنَّ حب الدنيا وحب الله لا يلتقيان في قلب مؤمن مع الأخذ بالحسبان أن لا ننسى نصيبنا من الدنيا، ومع الأخذ بالحسبان أن المسلمة يجب أن تكون في أجمل هيئة على أن لا تتعدى هذه الهيئة الحدود الشرعية التي تعلمها كل واحدة منّا.