قنابل الاحتلال تُطفئ عين الفتى الفلسطيني عمر عاصي
بلمح البصر، فقد الفتى الفلسطيني عمر عاصي (17 سنة) بصره، وفقد معه شغفه بالحياة وأحلامه ومستقبله الذي كان يراوده. فقد البصر في إحدى عينيه ويحاول الأطباء إنقاذ عينه الأخرى، من جراء إصابته بقنبلة صوتية ألقاها أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي نحوه حين كان قرب منزله في بلدة قراوة بني حسان شمال غرب سلفيت شمال الضفة الغربية، يوم الاثنين 24 إبريل/نيسان الجاري.
القصة بدأت حين كان ذاهباً إلى بقالة قريبة من بيته في بلدة قراوة بني حسان لشراء بعض الحاجيات لوالدته، الأمر الذي تزامن مع اقتحام مباغت لقوات الاحتلال للبلدة. حاول الاختباء في باحة مدرسة قريبة. وفجأة ومن دون سابق إنذار، ألقى عليه جندي قنبلة صوت انفجرت في وجهه تقريباً، وتطايرت الشظايا بقوة شديدة واخترقت عينيه وأحدثت بهما تلفاً كبيراً.
في مستشفى النجاح في نابلس، يرقد الفتى عاصي وقد تضخمت عينه اليمنى، فيما يحاول والده طلال مسح الدماء النازفة منها باستمرار على وجهه. يقول الفتى المصاب: “الله يصبرني، لم أعد أرى، وهناك ألم في عيني. لا أعرف ما جرى. ما أتذكره أنني كنت أقف أنتظر انسحاب جيش الاحتلال، وفجأة أحسست بحرارة وضغط شديد مع صوت قوي، وكأن رأسي انفجر وعيوني فقعت، ووقعت على الأرض”.
فقد البصر في العين اليمنى، ويحاول الأطباء إنقاذ عينه اليسرى ولو بنسبة بسيطة. يقول اختصاصي طب وجراحة العيون في مستشفى النجاح في نابلس عبد الرحيم أبو شنب، “المصاب وصل في حالة حرجة، وتبيّن من الفحص الأولي أن انفجار القنبلة كان على مقربة منه، الأمر الذي أدى إلى اختراق عشرات الشظايا وجهه وعينيه وتسبب في نزيف حاد فيهما”.
ويشرح أبو شنب حالته قائلاً: “هناك نزيف حاد جداً ومستمر في الحجرة الخلفية للعين اليمنى، ما تسبب في الضغط على العصب البصري، وأدى إلى تلفه كلياً. تدخلنا طبياً بعدما بينت الصور الإشعاعية وجود عشرات الأجسام الغريبة (الشظايا) التي اخترقت العين، لكن للأسف لن يرى بها نهائياً، النزيف الضاغط على العصب أتلفه. أما العين اليسرى، فقد تبين وجود جرح قطعي في القرنية، كما أن القزحية تأثرت بوضوح”.
يضيف: “هناك أيضاً أجسام غريبة استقرت في الحجرة الخلفية لها، نتج عنها وجود مياه بيضاء، تدخلنا طبياً وأخضعناه لعملية جراحية تركزت على تنظيف العين ووقف النزيف وإغلاق الجرح. وحسب الفحص، فالنظر في العين اليسرى حتى الآن ضعيف جداً، ويحتاج إلى عملية أخرى بعد أسبوع، في محاولة أخيرة لإنقاذها”.
ويوضح أبو شنب أن الضغط والفراغ الهائل الذي تحدثه القنابل الصوتية التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي تؤدي إلى انفجار الأجسام القريبة منها وتبعثرها في كل الاتجاهات، ما يشبه انفجار لوح زجاجي وتفتته وتطاير جزيئياته في كل مكان.
القنبلة، بحسب أبو شنب، تحمل داخلها شظايا حديدية صغيرة جداً، ومجرد انفجارها يعني تطاير آلاف الأجزاء بسرعة هائلة، فترتطم بالأجسام القريبة منها وتدخل إلى عمقها. الكثير من الشهداء ارتقوا من جراء اختراق الشظايا لأجسامهم، لكن بالنسبة لعمر تركزت الإصابات في وجهه وعينيه.
لشدة الصدمة، اعتقد عمر أنه على وشك أن يفارق الحياة. شعر بالدماء تغطي وجهه فتلفظ بالشهادة وكررها بصوت عالٍ وبدأ يفقد وعيه، لكنه بقي يشعر بما يجري حوله. يقول عاصي: “سمعت صوت عمي والجيران، وجميعهم طلبوا مني ما كنت أفعله بأن أتلفظ بالشهادة، لأنهم اعتقدوا أنني سأفارق الحياة بين أيديهم من جراء إصابتي الحرجة، ففعلت مجدداً. سمعت أحدهم يقول احملوه، وآخر يقول إن الجيش لا يزال في المنطقة، ولم يسمح لأحد بالاقتراب من مكاني سوى من كانوا قريبين أصلاً مني”.
بالفعل، رفض الاحتلال السماح لسيارة الإسعاف التي كانت قريبة في المكان من الوصول إلى عمر، فاضطر الشبان لحمله ونقله عبر سور المدرسة إلى أرض قريبة، ومنها عبر سور آخر إلى الشارع الخلفي، حيث كانت هناك سيارة مدنية بانتظاره لتسير به عشرات الأمتار، في الوقت الذي استدارت فيه سيارة الإسعاف ووصلت إليه ونقلته إلى مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس شمال الضفة. ونظراً لخطورة حالته، جرى تحويله فوراً إلى مستشفى النجاح بالمدينة.
خلال هذه الفترة التي زادت عن عشرين دقيقة، ما بين إصابته وصعوده سيارة الإسعاف، كان عمر في حالة شبه فقدان للوعي، لكنه شعر بالشبان وهم يرفعونه، ثم إنزاله والسير به ورفعه مجدداً.
يقول والده طلال: “نزف ابني كميات كبيرة من الدماء التي غطت وجهه بشكل كامل. في البداية اعتقدنا أنها رصاصة أصابت وجه عمر أو رأسه، ثم تبين لنا أن الدماء تنزف من عينيه، وتحديداً اليمنى”.
كان عمر بعيداً عن منطقة اندلاع المواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال في بلدة قراوة بني حسان، كما يؤكد والده. يضيف أنه “حاول الاحتماء بباحة المدرسة وتأمين طريقه للعودة إلى البيت إلى حين انسحاب جيش الاحتلال”.
يردد عبارات الصبر ويقول: “هذه ضريبة الوطن، لا هروب منها، نحن مؤمنون بالله وبقضائه وقدره”، ثم وجّه كلامه لابنه البكر عمر، مضيفاً: “الله يصبرك يا عمر، الله يعوضك يا بابا، لا تخف فالأمل بالله والأطباء لن يقصروا معك”. يتابع: “العالم الأعمى لا يرى ما تفعل بنا إسرائيل، ولا يرى القتل اليومي، والاعتقالات، والذل على الحواجز العسكرية”.
طموح كبير كان ينتظر عمر عاصي المتفوق في دراسته، والحالم بمستقبله الواعد، إذ يقول والده الذي يعتبر ابنه عمر صديقه: “ابني متفوق في دراسته ولديه طموح كبير، وكان يحلم بمستقبله وهذا حقه. لكن ما جرى معه لم يكن في الحسبان وقلب كل المعادلات، لا حول ولا قوة إلا بالله”. يقاطعه عمر قائلاً: “الحمد لله على كل حال، هم قتلوا حلمي وأملي، قتلوا مستقبلي”. ويسأل طلال: “كم واحدا مثل عمر فقد عيونه، وهناك من فقد روحه التي أزهقها جنود الاحتلال والمستوطنون بدم بارد من دون أي ذنب، وما دام أنه لن يكون هناك عقاب لهم ورادع سيواصلون جرائمهم”.