الخرطوم.. مدينة غيرت الحرب ملامحها
تتناثر شاحنات قوات الدعم السريع بالعاصمة السودانية الخرطوم بعد أن احترقت جراء ضربات جوية، فيما يصطف سكان ارتسمت على وجوههم ملامح الإرهاق في طوابير للحصول على الخبز، في أحياء خلت إلى حد كبير من المدنيين ومظاهر الحياة العادية.
وعلى مشارف المدينة، حمل الناس حقائبهم لمسافات طويلة سيراً على الأقدام باتجاه محطات الحافلات في محاولة للفرار.
يروي مراسل وكالة “رويترز” حكاية هذه المشاهد بعد عودته إلى منزل عائلته أمس الأحد، محاولاً أن يرسم صورة لما آلت إليه المدينة بعد ثمانية أيام من المعارك، في رحلة كانت في العادة تستغرق ما يزيد قليلاً على نصف الساعة، لكنها استغرقت هذه المرة ثلاث ساعات في ظل فوضى الصراع.
تدور الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ونفذ الطرفان انقلاباً في عام 2021، لكن دب بينهما الخلاف بشأن خطط الانتقال إلى الحكم المدني المدعومة دولياً.
وهذه هي المرة الأولى التي يخيم فيها قتال بهذا العنف على منطقة العاصمة التي تضم مدينة الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان المجاورتين.
وصارت المدينة هدفاً لضربات جوية وقصف ومعارك بالأسلحة النارية ليلاً ونهاراً وبلا هوادة منذ أواخر شهر رمضان وخلال عطلة عيد الفطر، رغم تعهدات متكررة بوقف إطلاق النار.
وتحصنت قوات الدعم السريع في عدة أحياء حيث سيطرت على مبانٍ، بينما لجأ الجيش للضربات الجوية والمدفعية الثقيلة في محاولة لإجبار خصومه على التراجع، بحسب سكان وشهود تواصلت معهم وكالة “رويترز”، وقال الجيش إنّه يسعى لتطهير العاصمة من “بؤر جماعات متمردة”.
وتسببت أحداث العنف في انقطاع المياه والكهرباء عن أجزاء كثيرة من المدينة، وألحقت أضراراً بالمستشفيات وأدت لإغلاق بعضها، وصار العديد من المدنيين محاصرين في منازلهم أو تقطعت بهم السبل ويواجهون خطر تعرضهم للسرقة والنهب إذا غامروا بالخروج منها.
وفي طريقه إلى منزله، عبر مراسل وكالة “رويترز” النيل الأزرق متوجهاً إلى بحري التي شهدت اشتباكات عنيفة خلال اليومين المنصرمين، قبل أن يتجه غرباً ويعبر النهر إلى أم درمان للوصول إلى منزل عائلته من الخرطوم، حيث كان يقيم مع أقاربه.
وشاهد انتشاراً كثيفاً لمقاتلي قوات الدعم السريع في المناطق التي مر بها في المدن الثلاث، وكان بعضهم في نقاط تفتيش يطلبون من السائقين إبراز وثائق الهوية.
كما تسنت رؤية جنود الجيش، الذين قال سكان وشهود إنهم بدأوا أولى معاركهم البرية العنيفة يوم الجمعة عند مدخل مدينة أم درمان، حيث انتشرت دبابات وشاحنات صغيرة وجنود يحملون البنادق الآلية.
والأحد، وبعد مرور ما يزيد على أسبوع على اندلاع الاشتباكات، رأى المراسل الشوارع شبه خاوية. وبالإضافة إلى ذلك، صار الحصول على البنزين أمراً في غاية الصعوبة، وانخفض عدد السيارات على الطريق، وتتضاءل إمدادات الطحين والمواد الأساسية الأخرى، كما أنّ الخضراوات شحيحة وباهظة الثمن.
وفي السوق الرئيسة في بحري، تعرضت العديد من المباني لأضرار بالغة، واشتعلت بها النيران جراء القتال والضربات الجوية.
وفي بعض المناطق البعيدة عن وسط الخرطوم، شوهدت حافلات تستعد لنقل الناس شمالاً نحو مصر ضمن عملية نزوح جماعي تصاعدت وتيرتها خلال الأسبوع المنصرم.
وحاول البعض ممن يحملون حقائب صغيرة ركوب سيارات آخرين أو ركوب حافلات صغيرة متجهة إلى خارج المدينة.
وبالقرب من جسر الحلفايا الذي يربط بحري بأم درمان، شوهدت قافلة دبلوماسية طويلة مع حراس مسلحين ترفع العلم البريطاني متجهةً غرباً في إحدى عمليات إجلاء موظفي السفارة والمواطنين الأجانب التي بدأت أول من أمس السبت، وزادت وتيرتها مع انحسار حدة المعارك بشكل طفيف.