التفاصيل المهمة في مسيرة التواصل مع المسجد الأقصى
ساهر غزاوي
يحظى المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان خاصة، في حالة من الزخم الكبير من التواصل البشري المتوافد من مناطق القدس المحتلة والداخل الفلسطيني ومن الضفة الغربية الذين يستطيعون تخطي الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري بصعوبة وبشق الأنفس، لأداء عبادة الصلاة والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى لما في ذلك من زيادة ورفعة في الأجر والثواب الممزوج بشعور الواجب الديني العقدي والتاريخي والحضاري لنصرة المسجد الأقصى، خاصة بعد سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على المصلين والمعتكفين دون المراعاة لحرمة شهر رمضان الفضيل ولا المراعاة لحرمة المسلمين ومشاعرهم الدينية وحقوقهم التعبدية التي تكفلها شرائع السماء وقوانين الأرض.
فإذا كانت عيون وأنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ترنو إلى المسجد الأقصى وقلوبهم تهفو إليه، لا سيّما في شهر رمضان، فهو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، فإن العيون والأنظار تتجه كذلك إلى الفلسطينيين في أراضي الـ 48 إلى جانب أهل القدس الشريف (كونهم من يستطيعون الوصول إلى المسجد الأقصى من الفلسطينيين) الذين أدوا الدور المركزي، وما يزالون، نصرة للمسجد الأقصى، هذا الدور الذي تتجسد صورته في المواظبة والمداومة على عمارة المسجد الأقصى والصلاة والرباط والاعتكاف فيه طوال العام، عبر مشاريع شد الرحال والرباط والاعتكاف التي تنطلق من مناطق وبلدات الداخل الفلسطيني دعمًا واسنادًا لمسيرة التواصل مع المسجد الأقصى.
لقد غدا هذا الدور المركزي للفلسطينيين في أراضي الـ 48 في مناصرة ومساندة لقضية القدس والمسجد الأقصى عبر مسيرة طويلة من التواصل، دورًا بارزًا ومعروفًا لأهل الأرض قاطبة ولا سيّما للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا كله بعد فضل الله تعالى أولًا وأخيرًا، يعود إلى جهود ثلة من أهل هذه الديار التي شاء الله تعالى أن ترتبط أسماء هذه الثلة وأعمالها وسيرتها ومسيرتها النضالية الطويلة بالمسجد الأقصى المبارك، ومن أجل ذلك قدمت التضحيات الكبيرة من خالص أوقاتها وأعمارها من باب الواجب الدائم الملقى على عاتقها بنصرة المسجد الأقصى وإحياء قضيته وشحذ الهمم حتى أضحت قضية إسلامية عربية فلسطينية.
يطول الحديث عن هذا الدور البارز والمركزي للفلسطينيين في الداخل في نصرة قضية المسجد الأقصى من الناحية العملية التي تمثلت بمسيرة إعمار المسجد الأقصى ومشاريع شد الرحال والرباط المنظم في المسجد الأقصى، ومن الناحية التوعوية، مع التنويه إلى أن هناك أدوارًا أخرى، وإن لم تكن جلّها مركزية ورئيسية إلا أن كل جهودها، التي منها ما هو منظم ومنها غير ذلك، ومنها مبادرات جماعية وفردية، تصب في مناصرة ومساندة مسيرة التواصل مع المسجد الأقصى.
ما تقدم ذكره، لم يعد يخفى على أحد وهو بمثابة العناوين الرئيسية وبالبارزة لأي حديث يمكن أن يكون عن مسيرة أهل الداخل الفلسطيني في نصرتهم لقضية القدس والمسجد الأقصى، لكن لربما تخفى التفاصيل المهمة عن الكثير، أنه بحظر الحركة الإسلامية التي أخذت على عاتقها وعلى عاتق أبنائها وبناتها وأنصارها وكل المتواصلين معها القيام بواجب نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى وأدت في سبيل ذلك الدور المركزي والرئيسي، حظرت معها المؤسسات والمشاريع الفاعلة والناشطة في نصرة قضية القدس والأقصى ومنها، “مشروع البيارق” الذي انطلق عام 2000 وراح ينقل الناس من معظم قُرى ومدن الداخل إلى المسجد الأقصى، بعد أن كانت زيارة الأقصى تكاد تنحصر في رمضان والأعياد والمناسبات، ومع “البيارق” راحت الناس تتدفق إلى القُدس والأقصى بأعداد هائلة.
غير أن هذا الحظر الظالم، وإن كان قد تسبب بالأضرار الكبيرة على مستوى العمل والمشاريع المنظمة، إلا أنه شكل الحوافز الكثيرة للعديد من أبناء الداخل الفلسطيني ليأخذوا على عاتقهم مسؤولية القيام بنصرة المسجد الأقصى والعمل على استمرارية مسيرة شد الرحال والرباط في الأقصى، وهذه التفاصيل المهمة لا يتحدث عنها الكثير وتكاد تكون هامشية رغم أهميتها وأهمية هذا الدور الكبير الذي أخذ أشكالًا وصورًا عدة في معظم قُرى ومدن الداخل الفلسطيني، ومنها على سيبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- مبادرات جماعية لشد الرحال على مستوى كل قرية ومدينة وعلى مستوى كل حارة ومسجد.
2- مبادرات عائلية، بحيث تتكفل بعض العائلات بتسيير حافلة أو أكثر إلى المسجد الأقصى (وباب التنافس في هذا المضمار أخذ بتوسع والانتشار).
3- مبادرات شبابية وطلابية.
4- مبادرات فردية، على مستوى الأسرة الصغيرة أو مجموعة أصدقاء.
5- كفالة حافلة أو أكثر كصدقة جارية عن روح متوفى أو بنية الشفاء من مرض أو صدقة جارية يتقدم بها أهل الخير والمحسنين ابتغاء للأجر والثواب.
هذه بعض التفاصيل المهمة التي حاولت تسليط الضوء عليها في هذا المقال والتي تظهر أن نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى باتت إيمانًا عميقًا وحبًا وثيقًا وفهمًا دقيقًا وثقافة راسخة لدى فلسطيني الداخل نثرت بذورها في الثمانينيّات ثم رسّخت حينما صوّبت الأنظار نحو الأقصى في التسعينيات من القرن الماضي، وتجسدت بشكل عملي بعد العام 2000 إلى يومنا هذا لنرى هذا الزخم الكبير من التواصل البشري الذي حظي به المسجد الأقصى في شهر رمضان وسيتواصل بإذن الله بعد رمضان كما كان قبله لضمان استمرارية زخم التواصل الشعبي، وشد الرحال نصرة لقضية المسجد الأقصى المبارك.