هواجس انهيار التطبيع والعودة لدعم المقاومة.. لماذا إسرائيل قلقة من الاحتراب في السودان؟
ترقب إسرائيل بصمت الاشتباكات التي يشهدها السودان والخلافات بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، في وقت تواصل فيه من وراء الكواليس الاتصال بطرفي القتال في الخرطوم، وذلك في ظل المخاوف والهواجس أن يؤدي اتساع دائرة المعارك والفوضى في السودان إلى طي صفحة التطبيع بين البلدين.
وقبيل الاشتباكات، سابقت حكومة بنيامين نتنياهو الزمن من أجل التوقيع على اتفاقية تطبيع رسمية مع السودان، ومأسسة العلاقات الدبلوماسية رسميا وافتتاح سفارة في تل أبيب وأخرى في الخرطوم.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قد قام في فبراير/شباط الماضي بزيارة سرية خاطفة للسودان اجتمع خلالها بالبرهان، واتفق معه على توقيع اتفاقية سلام خلال العام الحالي.
وفي ظل الاشتباكات واحتدام المعارك في السودان، امتنعت إسرائيل عن المناقشة والبحث بعمق في تداعيات الأحداث بالخرطوم على مستقبل العلاقات بين البلدين، والحديث عن دور تل أبيب الخفي لاحتواء التصعيد والسعي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وبعد اندلاع الاقتتال أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانا رسميا جاء فيه: “نحن نتابع بقلق الأحداث في السودان، وإسرائيل تريد استقرار السودان وأمنه، وتطالب جميع الأطراف بالامتناع عن العنف والعودة إلى طريق المصالحة الداخلية، لإنهاء عملية نقل السلطة بإجماع واسع”.
لماذا تخشى إسرائيل اتساع دائرة المعارك في السودان؟
تخشى إسرائيل تجميد علاقات التطبيع مع السودان الذي تعده تل أبيب بوابة لها لتعزيز نفوذها وحضورها في القارة الأفريقية، حسب ما أفادت صحيفة “يسرائيل هيوم”.
وأكدت الصحيفة، نقلا عن مصادر دبلوماسية إسرائيلية رفيعة المستوى، أن إسرائيل شريكة في جهود تهدئة الصراع العنيف الذي اندلع بين الفصيلين الحاكمين في السودان.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع -وفقا لتقديرات الصحيفة- أن يتأخر التوقيع النهائي على اتفاق السلام (التطبيع) بين البلدين، وهو الأمر الذي تخشاه تل أبيب بسبب تداعيات ذلك على علاقاتها ومخططاتها ونفوذها في القارة السمراء.
ما تداعيات معارك السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
توصل النظام السياسي في إسرائيل إلى نتيجة مفادها أن اتفاق السلام الكامل بين إسرائيل والسودان لا يمكن توقيعه حتى انتهاء الصراع في السودان، في وقت تعززت فيه المخاوف من إمكانية تجميد العلاقات وطي صفحة التطبيع بين البلدين، وفقا للموقع الإسرائيلي “والا” الإلكتروني.
ويأتي ذلك بعد أن كان التقييم السابق يقول إنه حتى لو لم يتم الانتقال إلى الحكم المدني فسيكون من الممكن توقيع اتفاقية، وفقا لتقديرات وزارة الخارجية الإسرائيلية.
ولتدارك هذه المخاوف من إمكانية ترحيل التوقيع على اتفاقية التطبيع وسعي تل أبيب لتطويق الصراع في الخرطوم، حفاظا على مصالحها، زعم الموقع أن ممثلي رئيس المجلس العسكري اللواء البرهان وخصمه اللواء محمد حمدان كانا على اتصال بإسرائيل في ظل تفجر الصراع، حيث حث المندوبون الإسرائيليون نظراءهم السودانيين على وقف التدهور العنيف وإعادة الهدوء.
هل القلق الإسرائيلي يقتصر على تجميد التطبيع أم هناك أمور أخرى تربك تل أبيب؟
يعتقد الإعلامي الإسرائيلي يواف شطيرن المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية أن السودان كان موطئ قدم وبوابة مهمة لإسرائيل في القارة الأفريقية، حيث أسهم التطبيع وانضمام الخرطوم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية في تعزيز تطلعات تل أبيب للتوغل في أفريقيا وتطبيع العلاقات مع دول كثيرة بالقارة السمراء.
وعليه، فإن إسرائيل تخشى أن تتسبب المعارك في السودان في تقويض العلاقات مع الخرطوم وطي صفحة التطبيع، والأهم قطع الطريق على تل أبيب في مواصلة مشاريعها ومخططاتها لتطبيع العلاقات مع مزيد من الدول الأفريقية، وهو ما سيكون له تداعيات على التبادل التجاري والاستثمارات التجارية والاقتصادية والمبيعات العسكرية الإسرائيلية في أفريقيا.
ويقول شطيرن، “على مدى سنوات، استخدمت حماس السودان محطة عبور لتهريب ونقل أسلحة عالية الجودة إلى قطاع غزة من ليبيا وإيران”، وقد تعرضت قوافل مهربة للأسلحة الإيرانية والليبية من السودان إلى قطاع غزة للقصف من قبل سلاح الجو الإسرائيلي عدة مرات، حسب مصادر أجنبية.
لماذا تخشى إسرائيل من فوضى في السودان؟
عزا شطيرن مخاوف إسرائيل إلى عودة عمليات نقل الأسلحة إلى حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، وهواجس من إمكانية توسع النشاط الإيراني ونشاط حركة حماس في السودان.
ويقدر أن تعزيز نفوذ إيران في السودان وكذلك فصائل المقاومة من شأنه أن يعيق إمكانية توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل والسودان الذي يهتم -وفقا لشطيرن- “بالانضمام إلى الدول التي تحتفظ بعلاقات طبيعية مع إسرائيل”.
وأشار إلى أن السودان كان قد قطع علاقاته الرسمية مع إيران، وذلك ضمن التقارب ودفء علاقات السودان مع الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تحرك السودان منذ عام 2020 عمليات ضد المنظمات المسلحة، وفصائل المقاومة مثل حماس، وذلك تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.
هل التطبيع مع السودان من شأنه أن يولد أرباحا كبيرة للمستثمرين من إسرائيل؟
ترى صحيفة “غلوبس” الاقتصادية أن انضمام السودان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية فتح الباب أمام الشركات والمستثمرين الإسرائيليين للدخول إلى السودان والاستثمار في القطاع الزراعي في السودان الذي ينظر إليه على أنه سلة الغذاء للقارة الأفريقية.
المورد الاقتصادي الرئيسي في السودان هو الزراعة في حوض النيل الذي يمر بالسودان ومنها إلى مصر، حيث يلتقي النيلان الأبيض والأزرق، وعلى طول مجرى النهر من إثيوبيا وكينيا جنوبا إلى مصر توجد مساحات زراعية ضخمة، وهي المشاريع التي توجد بمحط أنظار وأطماع الشركات الإسرائيلية.
ومن المحتمل أن تكون المياه والتربة الخصبة التي تأتي من جبال إثيوبيا هي مخازن الحبوب في أفريقيا لكن الحروب أضرّت بشدة بهذه الصناعة أيضا، وفقا للصحيفة الإسرائيلية.
ما خسائر إسرائيل الاقتصادية إذا جمدت علاقات التطبيع مع السودان؟
وفقا للباحث الإسرائيلي بالشؤون الاقتصادية داني زكين، فإن المحاصيل الرئيسة في السودان هي الحبوب والقطن، وكذلك قطعان ضخمة من الماشية في المزارع وفي المناطق المفتوحة، حيث إن تعليق التطبيع سيعق المشاريع والاستثمارات الإسرائيلية في السودان وحتى في أفريقيا.
وأشار إلى أن الشركات الإسرائيلية تنظر إلى المجالات الأكثر تقدما من البرمجيات والتكنولوجيا الفائقة، لإدخالها إلى السودان الذي يوجد في مرحلة أساسية للغاية من التقدم التكنولوجي.
وربما يكون التطبيع أحد هذه الإمكانات الكبيرة للشركات الإسرائيلية لدخول السودان، ومن دون التطبيع ستكون مخططات الشركات الإسرائيلية مجرد حبر على ورق، وفقا للباحث الاقتصادي.
ماذا عن ترحيل اللاجئين الأفارقة من إسرائيل إلى السودان؟
رأت تل أبيب في تطبيع العلاقات مع الخرطوم فرصة لترحيل أغلب اللاجئين الأفارقة المقدرين بـ150 ألفا إلى السودان، إذ زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات له بأن الخرطوم وافقت على طلب حكومته باستقبال المهاجرين السودانيين وكذلك مهاجرون أفارقة.
وقال الدكتور حاييم كورين من المركز المتعدد التخصصات في “هرتسليا”، والذي كان سفير إسرائيل في جنوب السودان ومصر، إن “العمال المهاجرين من السودان، وإثيوبيا، وغانا، وإريتريا، الذين قدموا إلى إسرائيل هم في الواقع نوع من السفراء الإيجابيين لنا هناك”، حسب قوله.
وأوضح أن نحو 12 ألف مهاجرا عادوا إلى السودان، وروّج بعضهم، حسب زعمه، بشكل إيجابي عن إسرائيل بعد سنوات قليلة من العمل فيها وتحقيق مكاسب مالية جيدة.
وبالمجمل، وصل نحو 40 ألف سوداني إلى إسرائيل، يتحدثون العبرية والإنجليزية، وكثير منهم عملوا أو يعملون في فرع السياحة والفنادق، وظهروا على الشبكات الاجتماعية في السودان، “وهم جزء من التغيير في الخطاب في السودان تجاه إسرائيل”، كما قال كورين.