تبادل الأسرى والمختطفين… اختراق في جدار الأزمة اليمنية
شهد اليمن، خلال الأيام الماضية، تنفيذ ثاني أكبر صفقة تبادل للأسرى والمختطفين بين أطراف الصراع، شملت نحو 900 أسير ومختطف من الطرفين. وتعد الصفقة من بوادر الأمل التي تلوح في الأفق للوصول إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب في البلاد المستمرة منذ ثمانية أعوام.
وبعد ساعات من إتمام عملية التبادل، أفرجت السعودية، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن 104 أسرى من الحوثيين، في خطوة أحادية الجانب، أمس الإثنين.
وقال المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر فابريزيو كاربوني، في بيان: “أي فترة راحة للسكان المنهكين، بما في ذلك من خلال عمليات إطلاق سراح كهذه، هي أمر يجب أن يحظى بالدعم. ولكن الحل السياسي وحده هو الذي سينهي المعاناة باليمن في نهاية المطاف”.
من جهته، قال المتحدث باسم التحالف العربي الذي تقوده السعودية، تركي المالكي، في بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، إنه “تم استكمال عملية تبادل الأسرى والمحتجزين بإطلاق سراح 104 أسرى من الحوثيين لدى التحالف بمبادرة إنسانية من المملكة (السعودية)”.
وذكر المالكي أن “هذه المبادرة تأتي امتدادا للمبادرات الإنسانية السابقة من المملكة والمتعلقة بالأسرى، ودعم الجهود الرامية لتثبيت الهدنة وتهيئة أجواء الحوار بين الأطراف اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام”، وفق البيان.
واعتبر رئيس ما يسمى المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، خلال لقاء مع الأسرى المحررين من “سجون قوى العدوان والمرتزقة، في صنعاء أمس الإثنين بحسب وكالة “سبأ”، التابعة إلى الحوثيين، أن “الأعداء لطالما سعوا إلى تسييس الملف الإنساني ووضعوه للمزايدة السياسية.
وقال: “نعيش هم وضيق أسركم، وهذا الهمّ باقٍ حتى الإفراج عن كل أسير في قبضة العدو”. وتابع: “خضنا العديد من الجولات في سبيل الإفراج عن الأسرى رغم العراقيل التي وضعها الأعداء، وفي سنوات العذاب والفراق مكننا الله من تكوين قوة وترسانة عسكرية تحمي الأرض وتدافع عن الشعب وكفيلة بدحر الغزاة والمحتلين”. وقال: “رسالتي لمن لا يزالون خلف القضبان، أعدكم وأعد أسركم الكريمة أننا سنبذل قصارى جهدنا في سبيل الإفراج عنكم مهما كان الثمن والتحديات”.
وأبدى المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أمس الاثنين، تفاؤلاً حذراً بإمكانية وصول الحرب في اليمن إلى نهايتها، وذلك في إحاطة جديدة له أمام مجلس الأمن، تزامنت مع تنفيذ الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين ثاني أكبر صفقة تبادل للأسرى والمختطفين بينهما.
وحذّر غروندبرغ، من أن “أجواءه قد تنقلب إذا لم تتخذ أطراف الصراع خطوات أكثر شجاعة تجاه السلام”. وتحدث عن وجود فرصة جادة لإنهاء الحرب، معتبراً أن أي اتفاق جديد في اليمن يجب أن يكون خطوة واضحة نحو عملية سياسية بقيادة يمنية، داعياً في غضون ذلك إلى “إتاحة حرية أكبر لتنقلات الأفراد والسلع في أنحاء اليمن والفتح الكامل لمطار صنعاء”.
وعاشت مطارات اليمن، التي كانت نقاط تبادل الأسرى والمختطفين على مدى أيام الجمعة والسبت والأحد لحظات إنسانية. أبو سليم ظل يترقب أن يكون ابنه ضمن المفرج عنهم، بعدما تم أسره من إحدى جبهات القتال بمحافظة الحديدة في صفوف الحوثيين. وقال، في تصريحات للإعلام: “ذهبت لاستقبال المفرج عنهم (في مطار صنعاء)، رغم علمي المسبق أن ابني ليس بينهم. وعشت مع الأسر لحظات فرحها، وحزني على ابني، لكن الأمل كبير أن يكون ضمن الصفقة المقبلة”.
وفي مأرب شرقي اليمن، حيث معقل القوات الحكومية، كانت آخر محطة لعملية التبادل الأحد الماضي. الطفلة توكل (10 سنوات) ابنة الصحافي توفيق المنصوري ذهبت في وقت مبكر إلى المطار، لاستقبال الطائرة التي تقل والدها المفرج عنه من سجون الحوثيين بعد ثماني سنوات، والذي تم الإفراج عنه مع ثلاثة صحافيين آخرين سبق أن أصدرت محكمة حوثية في إبريل/ نيسان 2020 قراراً بإعدامهم، لاقى ادانات واسعة.
كان المشهد الطاغي هو الدموع التي لم تتوقف من الأهالي فرحاً بالإفراج عن ذويهم بعد سنوات متفاوتة في السجون، وغالبيتهم من المدنيين الذين تم اختطافهم من منازلهم في صنعاء، وتمت مبادلتهم بأسرى في جبهات القتال من جماعة “أنصار الله” (الحوثيين). ولم تختلف أيضاً الفرحة لدى أهالي الأسرى الحوثيين المفرج عنهم.
ومن ضمن المفرج عنهم من القيادات الحكومية وزير الدفاع اليمني الأسبق محمود الصبيحي، بالإضافة إلى شقيق الرئيس السابق، اللواء ناصر منصور هادي. وهما من ضمن القيادات اليمنية المشمولة بقرار أممي يطالب الحوثيين بالإفراج عنهم، بالإضافة إلى السياسي اليمني محمد قحطان، واللواء فيصل رجب، وهؤلاء من المخفيين قسراً منذ أكثر من 8 سنوات.
استقبال 16 مختطفاً في مأرب
وكشفت رابطة أمهات المختطفين أنها استقبلت نحو 16 مختطفاً مدنياً في مأرب من ضمن من تم الإفراج عنهم في الدفعة الأخيرة من صفقة التبادل. ودعت، في بيان أول من أمس، “كافة الجهات المعنية لبذل المزيد من الجهود، من أجل أن ينال جميع أبنائها المختطفين والمعتقلين تعسفاً، والمخفيين قسراً، حريتهم دون قيد أو شرط”.
وفي 20 مارس/ آذار الماضي، أعلن عن تنفيذ اتفاق التبادل خلال محادثات جرت في سويسرا، برعاية أممية. وتعد ثاني أكبر صفقة خلال سنوات الحرب، حيث تم تبادل أكثر من 1600 من الطرفين في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
جدل حول محمد قحطان
في هذه الأثناء، أثير الجدل حول مصير القيادي في حزب الإصلاح اليمني محمد قحطان، المختطف في سجون الحوثيين منذ 8 سنوات، حيث لمح رئيس لجنة الأسرى الحوثية عبد القادر المرتضى، الجمعة الماضي، إلى وجوده حياً لديهم.
وقال، في تصريح تلفزيوني: “طالب الطرف الآخر (الوفد الحكومي) بمحمد قحطان، فبلغنا القيادة (جماعة الحوثي)، قالوا لا مانع لدينا في التفاوض عليه”. وأضاف: “عندما فتحنا المجال للتفاوض على قحطان رأينا أن الطرف الآخر غير جاد وغير صادق” على حد تعبيره. واعتبر أن قضية قحطان كانت إحدى العقد في المفاوضات التي جرت في سويسرا.
في المقابل، أعلن الفريق الحكومي المفاوض، في بيان مقتضب، استعداده على الفور لإجراء عملية تبادل لقحطان، متهماً الحوثيين برفض التعاطي مع قضيته بشكل مطلق في المفاوضات التي جرت في سويسرا.
من جانبه، وصف القيادي في حزب الإصلاح عبد الرزاق الهجري، في تصريحات تلفزيونية، حديث الحوثيين بشأن استمرار إخفاء قحطان بأنها “غير أخلاقية”. وقال إن “الحوثيين يتلاعبون بقضية السياسي محمد قحطان، بينما يرفضون إبداء أي مرونة لإطلاقه وبقية المعتقلين، ومنهم فيصل رجب”.
وللعام الثامن على التوالي، ترفض جماعة “أنصار الله” الإفصاح عن مصير محمد قحطان، بعد اختطافه من منزلة في العاصمة اليمنية صنعاء، في إبريل 2015.
التفاوض مستمر
وقال عضو الوفد الحكومي ماجد فضائل، في تصريحات صحفية، إن “هناك مراحل مقبلة من التفاوض للوصول إلى تنفيذ الكل مقابل الكل، وتصفير جميع السجون من الأسرى والمختطفين. وما وصلنا إليه غير كافٍ لكنه يعتبر جيداً. لكن نطمح أن تستمر تلك الخطوات حتى يتم إغلاق الملف بشكل نهائي”.
وأضاف فضائل، إن “عملية التبادل كانت سلسة نظراً للجهود الكبيرة المبذولة من قبل الحكومة اليمنية، حيث كان الكل حريصا على أن تتم العملية بنجاح. أيضاً كان في موقف الطرف الآخر (الحوثيين) نوع من التقارب، بالإضافة إلى دور السعودية في تقريب وجهات النظر وحلحلة جميع المعوقات التي تتعنت بها جماعة الحوثيين”.
وأوضح أن “هناك جولة مفاوضات في 15 مايو/أيار المقبل، ومن المفترض أن تسبقها زيارات لجميع الأسرى والمختطفين من دون استثناء بناء على الاتفاق، على رأسهم السياسي محمد قحطان المخفي قسراً، ومن ثم الانتقال لمناقشة التفاصيل الخاصة بعملية التبادل الجديدة”.
وتابع فضائل: “لدينا أمل وفرحة كبيرة، ونتمنى أن يستمر هذا التفاؤل، ولا تعترض عمليات الإفراج أي تعقيدات سياسية أخرى. ورغم أنه ملف إنساني إلا أنه يتأثر ببقية ملفات الأزمة في البلاد”.
في المقابل، كشف عبد القادر المرتضى أنه سيتم عقد صفقة تبادل لـ700 أسير من الحوثيين مقابل 700 من القوات الحكومية، وفق ما نقلت وسائل إعلام الحوثيين عنه أمس الأول.
وما زال الآلاف يقبعون في سجون أطراف الصراع في اليمن، ويُنتظر أن تتواصل المحادثات من أجل الإفراج عن الجميع، كمقدمة لبناء الثقة من أجل الدفع نحو تسوية سياسية للحرب، في ظل التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة مع التقارب السعودي ــ الإيراني.