الاعتكاف في المسجد الأقصى.. معركة على هوية أولى القبلتين
اعتاد المسلمون منذ مئات السنين على الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك طوال شهر رمضان تثبيتا لهوية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وحماية له من أي اعتداءات.
ويؤكد العلماء والمرابطون على أهمية الاعتكاف والوجود المستمر في المسجد الأقصى على مدار الساعة في شهر رمضان الذي يتزامن مع الأعياد اليهودية، خاصة في ظل التهديدات باقتحام باحاته، حيث بات الاعتكاف أمرا طبيعيا لكافة المسلمين في مقدمتهم المقدسيون المرابطون فيه.
وبات المرابطون والمعتكفون داخل المسجد الأقصى العنصر الأكثر تأثيرا في فرض هوية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وثباتهم وتضحياتهم هي وقود الفعل المقاوم من كل الجبهات والساحات.
ويقول الدكتور مروان أبو راس، رئيس فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في فلسطين: “المسجد الأقصى مسجد خالص للمسلمين، ولا يجوز لأي طائفة دينية أخرى المساس به، وهذه هي القاعدة الدينية التي بنينا عليها موجودة في كتاب ربنا فلا يجوز أن يشكك فيها أحد، والذي يشكك في هذه القاعدة يعرض نفسه إلى الحكم الشرعي بخروجه من ملة الإسلام، لأن الآية واضحة وأن الآية تعاملت معه وأخبرتنا بأنه مسجد وليس شيئا آخر”.
وأضاف أبو راس: “موضوع الاعتكاف في رمضان أو في غير رمضان والمبيت في المسجد الأقصى هو أمر مشروع جدا، لأن رمضان هو شهر القيام فالمسلم يقيم ليل رمضان في كل مساجد الدنيا، والمسجد الأقصى هو أول المساجد، حيث إن الحرميين الشريفين في مكة وفي المدينة المنورة لا يفارقهما الاعتكاف لا ليلا ولا نهارا وعلى مدار العام، فلماذا إذا نحن نقصر على المسجد الأقصى الصلاة النهارية ثم نمنع الاعتكاف فيه.. ويجب أن يكون الاعتكاف متواصلا على مدار العام وليس فقط في رمضان وهذه مسألة دينية واضحة”.
وشدد على أن للمسجد الأقصى خصوصية خاصة لأنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وإليه تشد الرحال وله فضائل كثيرة جدا، مؤكدا أن المسجد الأقصى هو المسجد الوحيد الذي يسن الإحرام منه إلى مناسك الحج والعمرة.
وتساءل أبو راس: “لماذا يتم وضع العراقيل أمام الاعتكاف أو يأتي من يقول إن الاعتكاف في رمضان في غير العشر الأواخر عليه تحفظ؟”.
وأعرب رئيس فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في فلسطين عن أسفه أن يطلب أي من الموظفين في المسجد من هنا أو هناك من المعتكفين الخروج من المسجد الأقصى وعدم الاعتكاف فيه، واصفا ذلك بأنه من “العيب والعار والخزي”.
وقال: “إن أي جهة تمنع الاعتكاف في الأقصى تكون جزءا من المنظومة الصهيونية”.
وأضاف: “الهدف من منع الاعتكاف في الأقصى أن يفرغ المسجد الأقصى للمستوطنين وللمقتحمين مع الأسف الشديد، لذلك فنحن نبارك هذا الرباط ونقول: بارك الله في رباطكم وفي اعتكافكم وفي صلاتكم وتقبل الله تضحياكم. ونسأل الله تعالى أن يجزيكم عنا وعن الأمة العربية والإسلامية خير الجزاء”.
واعتبر أبو راس أن الاعتكاف في المسجد الأقصى في هذه الأجواء المعرض فيها للاقتحام يحمل الكثير من المعاني والدلالات، قائلا: “إنه ليس مجرد اعتكاف في هذه الأجواء التي يأتي الاحتلال فيها بجحافل كثيرة من المستوطنين يدخلون المسجد الأقصى لأداء طقوس تلمودية وطقوس عبادية مبنية علي أساطير لا أساس لها، ولم يأمرهم الله تعالى بها داخل باحات المسجد الأقصى، ولا نجد من يعترض، ولا نجد من يزج بسلاح الكلمة أو سلاح الرصاصة في وجه هدا العدو الذي يقتل الناس داخل باحات المسجد الأقصى”.
وأضاف: “الاعتكاف في المسجد الأقصى يكون في رمضان وفي غير رمضان، ولكن يكون له خصوصية في رمضان في المسجد الأقصى فهو جزء من الرباط وفي مواجهة الأعداء، فله فضائل كثيرة جدا.. الثبات والصبر ومواجهة الأعداء والرباط في باحات المسجد الأقصى وداخل أقبيته، هي جزء من مقاومة المحتل فله فصائل عديدة”.
وتابع: “يجب أن نتعامل مع هذا الموضوع على هذا الأساس ولا يجوز لنا أن نلتفت إلى من يشكك في هذه المسألة فهي مسألة بالنسبة لنا محسومة”.
وحيا أبو راس المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، مؤكدا أنه يشد على أياديهم ويبارك جهودهم، معربا عن أمله في أن يجتمع معهم في باحات الأقصى محررا.
وقال: “المرابطون والمرابطات في باحات المسجد الأقصى يرفعون رؤوسنا ويشعروننا بالعزة والكرامة ويشعروننا بأننا لسنا وحدنا في الميدان، هم يقومون بهذا الواجب. أصبحوا رأس الحربة في مواجهة هذا العدو برباطهم وبتكبيرهم”.
ويقع على عاتق المرابطين في المسجد الأقصى وحوله العبء الأكبر في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على المقدسات الإسلامية وعروبة وهوية مدينة القدس، وهم بحاحة إلى دعم بكل وسيلة.
وقال الدكتور ناجح بكيرات، نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس، ورئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث: “إن الاعتكاف في المسجد الأقصى يختلف عن أي اعتكاف في أي مسجد في العالم، فهو مسجد محاصر، مسجد تحت الأسر، وبالتالي فالاعتكاف فيه له أجر مضاعف”.
واستعرض بكيرات في حديثه عشر مراتب ومقامات.. من فاز بهذه العشرة فهو يفوز بالاعتكاف التي تدلل على أهمية الاعتكاف في هذه المسجد.
وقال: “من فاز بالاعتكاف في المسجد الأقصى فقد فاز بمرحلة الاقتحام، فقد اقتحم العقبة، في وقت أصبحت فيه الأمة تعيش عقلية عدم الاقتحام وتنزوي بعيدا عن السير والمواجهة”.
وأضاف: “حينما يقرر المسلم أن يصل إلى المسجد الأقصى ويقتحم الحواجز ويصل إلى الأقصى فهو يشكل حالة إبداع ويرسم حالة إبداعية جديدة ورمزية للأمة.. إنه يستطيع أن يرسل رسالة للأمة: كفاك قعودا.. وبالتالي أنت تفوز بهذا الاعتكاف”.
وأكد بكيرات على أن المعتكفين في المسجد الأقصى يرسمون معلما لطبيعة المعركة مع الرواية التوراتية الخرافية مع عدو يريد اجتثاث الشعب الفلسطيني من ارضه ومسجده.
وطالب الأمة العربية والإسلامية بأن تعمل على إحياء الاعتكاف في المسجد الأقصى وفي كل مسجد من مساجد العالم.
وشدد على ضرورة الإعلان عن مناصرة المسجد الأقصى من خلال الاعتكاف في أي مجسد.
وقال: “على الأمة في كل مسجد أن تعتكف وأن تدعو الأحياء والمدن إلى أن تعلن اعتكافا مناصرا لاعتكاف الأقصى فيه تدرس معالم الأقصى فيه وتنال القرب من الأقصى.. ولعل هذا الاعتكاف يكون بوابة ثورة، بوابة انطلاقة جديدة نحو تحرير المسجد الأقصى”.
وشدد بكيرات على أن بقاء المرابطين في باحات المسجد الأقصى خاصة في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، يشكل صمَّام أمان حقيقيا للمسجد.
وأشار إلى أن تراجع أعداد المقتحمين للأقصى في أيام عيد الفصح اليهودي، يعود لوجود المعتكفين في باحات المسجد وثباتهم وإصرارهم على التواجد، رغم اعتداءات الاحتلال وقمعه المتكرّر للمعتكفين والمرابطين.
ولفت إلى أن فتح الجبهات لم يكن متوقعاً للاحتلال، وهو سبب مهم في دفع الجماعات الاستيطانية، للتراجع عن الاقتحامات المقرَّرة للمسجد الأقصى.
وقال بكيرات: “لولا حماية شرطة الاحتلال لما تجرَّأ المستوطنون على الاقتحامات، حيث أن الخلاف الداخلي في منظومة الاحتلال، ساهم في تقليل أعداد المقتحمين للأقصى”.
وشدَّد على أهمية زيادة أعداد المعتكفين في المسجد الأقصى، وما تشكله من معادلة رادعة للاحتلال والمستوطنين، في ظل تحرّك أكثر من جبهة نصرة للقدس والأقصى.
ويطلق المقدسيون اسم “الحج المصغر” على الاعتكاف في المسجد الأقصى، حيث تلتقي فيه جنسيات متعددة من أصقاع العالم معظمهم من جيل الشباب يعتكفون في ساحاته ومصلياته ومساجده الداخلية، وذلك في الوقت الذي تزايدت الأخطار على المسجد من قبل غلاة المستوطنين، الذين يقتحمونه بشكل متكرر.
واعتبر زياد بحيص، الباحث في شؤون القدس ان معركة الاعتكاف في المسجد الأقصى هي معركة على هوية هذا المسجد.
واستعرض بحيص، الأسباب التي تسعى إليها دولة الاحتلال من خلال فض الاعتكاف في المسجد الأقصى.
وقال: “تريد شرطة الاحتلال أن تقول إن المسجد الأقصى بات مقدسا بين المسلمين واليهود ولم يعد مسجدا إسلاميا خالصا، وأن من يديره بهذا التعريف الجديد هي شرطة الاحتلال وليست الأوقاف الإسلامية ولا أي مرجعية إسلامية”.
وأضاف: “تريد شرطة الاحتلال ساحة المسجد الأقصى في الصباح فارغة متى يجيء المستوطنين فهي تقرر متى يصلي المسلمون ومتى يدخلون ومتى يصلي اليهود في الاقصى باعتباره مقدسا مشتركا، لذلك فقد باتت معركة الاعتكاف في الأقصى هي معركة على هوية المسجد”.
وشدد على أنه وبعد كل ما حصل بعد الاعتداء على المعتكفين وبعد الرد على العدوان يبقى السؤال امامنا هل سنفرض إرادتنا في مسجدنا أم سيفرض الاحتلال إردته بالهراوات والبنادق.
وقال الباحث في شؤون القدس: “بات أن الاحتلال لديه حسبة معقدة في المسجد الأقصى نتيجة لما ذهب إليه من حماقة، ومحاولته فرض توقيت لدخول المسلمين وإتاحة مساحة مقابلة لصلاة اليهود، وفرض نفسه كجهة مسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى”.
وأضاف: “القضية لم تتوقف هنا لأنّ الاحتلال يراهن على البحث عن الانتصارات السريعة، كون المعركة على هوية الأقصى وهي أجندة مركزية له لن يتركها لا بجولة ولا بجولتين”.
وحذر من أن الاحتلال سيواصل العمل على الإحلال الديني وإزالة الأقصى وبناء الهيكل ما دام يحتل أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، لأنّ قوى الاحتلال الديني أصبحت مركزية في النظام السياسي الإسرائيلي.