الشيخ رائد صلاح في “هذه شهادتي” يتحدث عن العمل النسائي الإسلامي المنبثق عن الصحوة الإسلامية في بداياتها
- البداية كانت مع واعظات يقدّمن الدروس للنساء ثمَّ تمّ ايفاد طالبات من أم الفحم إلى “ثانوية الأقصى” وكلية أصول الدين في القدس.
- النشاط النسائي الإسلامي في بدايات الصحوة كان تابعًا لنشاط الرجال، ثمّ بعد أن وقع الانقسام المؤلم في الحركة الإسلامية تبلور نشاط نسائي سبق النشاط النسائي في مختلف الأحزاب والحركات.
- الحرص على إكمال النساء تعليمهن وصولا إلى الجامعة كان من أهداف الصحوة الإسلامية منذ انطلاقتها
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المتلفزة ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني. وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب”، وصفحة “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الحلقة (17) توقف رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، عند محطات في مسيرة النشاط النسائي داخل الصحوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، مستعرضا مميزات العمل النسائي الإسلامي منذ انطلاقة الصحوة الإسلامية منتصف السبعينيات وتأثيراته على مجمل العمل النسائي بكافة أبعاده في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني.
النشاط النسائي الإسلامي في بدايات الصحوة
تطرق الشيخ رائد صلاح إلى النشاط النسائي في الصحوة الإسلامية، وقال: “إنّ النشاط النسائي في السبعينيات كانت له خطوط محدودة وثابتة يمكن إجمالها فيما يلي: كان هناك اعتماد على دروس الواعظات، حيث كانت تأتي الواعظات في البدايات إلى أم الفحم وغيرها من البلدات وتعطي دروسًا للنساء في المساجد وفي بيوت العزاء، وفي المدارس بصورة أقل. في تلك الأيام برز اسم الحاجة حسنى من باقة الغربية، وواظبت على إحضارها إلى أم الفحم “أم سيف” زوج المرحوم سليمان أبو شقرة، و “أم سامي”. كما أذكر المرحوم الأخ مروان صادق جبارين والأخ محمد شريف جبارين وكانت مهمتهما إحضار مجموعة واعظات أسبوعيًا من مدينة طولكرم إلى أم الفحم. وفي مرحلة من المراحل- إلى جانب دروس الواعظات- كنت أعطي درسًا أسبوعيًا للنساء، واستمر مدّة طويلة جدًا، ولكن مع شديد الأسف توقفتُ عن إعطاء الدرس عندما دخلتُ إلى مرحلة انتخابات بلدية أم الفحم- بعد أن منّ الله علينا بالفوز في الانتخابات الأولى- حتى أن بعض الأخوات أخذن يتحدثن بأسلوب انتقاد لي لتوقفي عند تقديم الدرس، وكان هذا النقد في محله واعترف بالتقصير- غفر الله لي- وأود أن أشير إلى أمر آخر، فإلى جانب الواعظات بدأنا نتطلع إلى شيء أبعد من مجرد الواعظات لا سيما أنه في تلك الفترة لم تكن هناك أي واعظة من أم الفحم أو من غيرها من البلدات التي انطلقت فيها الصحوة الإسلامية من يمكنها القيام بهذا الدور، فبدأنا نبحث عن طالبات على استعداد أن يتعلمنَّ في الثانوية الشرعية في “ثانوية الأقصى” وفي حينه التحقت من أم الفحم أربع طالبات في “ثانوية الأقصى”، فاتفقنا مع المرحوم الأستاذ أحمد صادق جبارين والمرحوم “أبو إبراهيم حمامدة” من حارة المحاميد، أن نذهب إلى “ثانوية الأقصى” ونعرض عليهم إمكانية أن تلتحق طالبات من عندنا في الثانوية، وفعلًا ذهبنا في سيارة المرحوم الأستاذ أحمد صادق إلى “ثانوية الأقصى” وعرضنا عليهم أن يفتحوا لنا الباب حتى تدرس طالبات من أم الفحم، وجرى استقبالنا بإيجابية، وعلى إثر ذلك بدأت مرحلة جديدة في مسيرة العمل الإسلامي النسائي والتحقت أربع طالبات من أم بالثانوية (ثانوية الأقصى) هنَّ: ابنة المرحوم الأستاذ أحمد صادق، وابنة المرحوم أبو إبراهيم حمامدة، إلى جانب إحدى الأخوات الناشطات في المشروع الإسلامي حتى هذه اللحظات وهي “الحاجة أميرة” وكذلك أخت أخرى ناشطة في العمل الإسلامي هي “الأخت منتهى”. كذلك دخلت أول طالبة من أم الفحم إلى جامعة أصول الدين في القدس وتخرجت منها وهي “كاملة أحمد مصطفى”- زوجتي “أم عمر”- وهذا الأمر وفّر في أم الفحم ثروة لم تكن موجودة، وأحدث نشاطًا نسائيًا في أم الفحم ثمَّ انتقل هذا النشاط إلى بلدات كثيرة خارج مدينة أم الفحم. هذا هو النمو المبارك البطيء الذي كان أحد ميزات العمل النسائي في تلك الأيام. إلى جانب ذلك، انطلقت بدايات أخرى، من خلال الاجتهاد لخطوة تربوية، وأول من تجرأ وأقام دورة تربوية للنساء في بيته كان المرحوم “أبو سيف”، وكانت تلك الدورة غير منهجية، حيث درس المرحوم أبو سيف ما رآه مناسبًا. ما أعرفه أيضًا، أنه كانت محاولات لإقامة دورات تربوية للنساء في باقة الغربية وفي كفر قاسم، ولم ترتق تلك المحاولات إلى المستوى المطلوب، لأنَّ المستوى التربوي المنشود عند الرجال لم يرتق للمستوى المطلوب هو الآخر”.
وأضاف: “ما ميز النشاط النسائي في تلك الأيام أنه كان تابعًا لنشاط الرجال. أمثلة على ذلك: بدأنا بمشروع العرس الإسلامي، وقد انعكس أيضا على مسيرة النساء، حيث بدأت تقام أعراس إسلامية عند النساء. مثال آخر: في حينه بدأت بشكل تدريجي المهرجانات القُطرية العامة، والنساء في تلك الأيام كنَّ يشاركن بالحضور فقط. وفي تلك الأيام أيضًا وبشكل فطري انطلقت بدايات شدُّ الرّحال إلى المسجد الأقصى، وكان للنساء دور، ولكنه بقي تابعًا لنشاط الرجال. وبقي هذا الحال هكذا إلى أن قدَّر الله تعالى ووقع الانقسام المؤلم في مسيرة الحركة الإسلامية. بعدها تبلور نشاط نسائي لم يسبق لأي حزب أو حركة في الداخل بنشاطه النسائي إلى مستوى النشاط النسائي الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية قبل حظرها، وسنفصل في ذلك في حلقات مقبلة”.
أثر الصحوة على مجمل العمل النسائي في الداخل
وحول الوضع الاجتماعي للنساء في الداخل الفلسطيني في السبعينيات، تابع الشيخ رائد: “هذا سؤال يحتاج إلى بحث مستقل وجهود بحثية حثيثة لإلقاء الضوء على تأثير الصحوة الإسلامية على العمل النسائي في كل حالاته. في الحديث عن البدايات الأولى للصحوة الإسلامية، يمكن القول إنه لأول مرة تعود المرأة إلى الالتزام الإسلامي مظهرًا وعبادة وسلوكًا، علمًا أنه قبل ذلك- والحمد لله – كان مجتمعنا النسائي طيبًا مباركًا، فالمجتمع النسائي هنَّ الأمهات وهنَّ الجدات وهنَّ الخالات والعمّات، ولكن بلورة الانتماء الإسلامي مظهرًا وعبادة وسلوكًا قائمًا على الفهم السليم، لم يكن قائمًا، وقد تبلور ذلك في بدايات الصحوة الإسلامية، فقضية الحجاب واللباس الشرعي، مثلًا، بدأت بداياته الأولى عند أفراد من النساء ثم عشرات ثمّ مئات، ثم أصبح ظاهرة اجتماعية تمتد يومًا بعد يوم، ثمَّ دخلت إلى المدارس والجامعات وسلك المعلمات، ودخلت إلى كل مسيرة مجتمعنا بشكل واضح ثابت لا يمكن أن يقاوم. مع الإشارة إلى أنّه لما بدأت ظاهرة العودة إلى الحجاب واللباس الشرعي، أخذ البعض-يا للأسف- يردد مصطلح “الخيمة.. فلانة تلبس خيمة” بمعنى الغمز واللمز والطعن والسخرية حول الموضوع، ومن ردَّد مثل هذه المصطلحات يغفل عن قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ…”. هذه آية قرآنية كريمة، فاللباس الشرعي لم يكن موضة تتغير كما نشاهد الماركات الوافدة علينا من شتى بقاع الدنيا تتغير كل عام للاستهلاك وللمتوحشين الاقتصاديين الذين يقفون من وراء هذه الأزياء حتى تصب عليهم الأموال. اللباس الشرعي عبارة عن التزام قرآني لا يتغير إلا أن البعض غفل عن ذلك مع شديد الأسف، لكن ذلك لم يكسر من معنويات العمل النسائي الإسلامي، بالعكس أصبح هناك شعور بالتحدي والفهم العميق والافتخار بهذا اللباس أمام كل من يحاول أن يطعن به. وفي إحدى المرات حاول الإعلام الرسمي الإسرائيلي أن يأخذ دوره بالطعن في اللباس الشرعي حين سأل معد تقرير تلفزيوني إحدى الملتزمات بالزي الشرعي: “كيف تتكيفين بهذا اللباس في فصل الصيف الحار جدًا”، فأجابته فورًا: “قل نار جهنم أشد حرًا”. وبطبيعة الحال إلى جانب اللباس الذي بدأ ينتشر، ظهرت للأسف محاولات إثارة إشاعات للتدليس على هذا المظهر الجديد في مجتمعنا في الداخل، فبدأ البعض يصدر إشاعات باطلة في أن هناك خطرًا على المجتمع النسائي من الصحوة الإسلامية بالقول إن الذين يقفون خلف المشروع الإسلامي لا يفهمون إلا لغة القوة والتهديد، وأنهم قد لا يترددون بإيذاء النساء غير الملتزمات باللباس الشرعي، وهذه الإشاعة ولدت ميتة ولم تلقَ رواجًا، فنحن لم نُكره أي فتاة أو امرأة أو أم على هذا اللباس الشرعي، بالعكس كان حديثنا يقوم على تذكير الناس بالدليل القرآني والحديث النبوي حول الالتزام. مثال على عدم الإكراه: أحد الأهل من أم الفحم وهو الآن من حفظة القرآن الكريم، كان له بنات بلغن سنّ الرشد، ولما بدأت الصحوة الإسلامية نجح أن يقنع كل بناته باللباس الشرعي إلا واحدة ظلت بدون لباس شرعي، وكان هذا الشخص يتألم ويسأل الله تعالى أن تلتزم ابنته، ثم بعد مدة طويلة لبست ابنته اللباس الشرعي، وهذه الأخت الكريمة متزوجة الآن ورزقها الله بذرية صالحة، واستقام أمرها كباقي أخواتها. الحديث عن إكراه هو تجارة كاسدة لن يلقي أحد إليها سمعه. لم نجد حاجة أن نرد على هذه الاشاعات، وأكملنا طريقنا لا سيما وأن قضية الصحوة الإسلامية النسائية، لم تقف عند حد المظهر باللباس، بل امتدت إلى السلوك. على سبيل المثال: في يوم زفاف زوجي “أم عمر” رفضت أن تلبس بدلة العروس واختارت أن تلبس لباسًا شرعيًا أبيضَ، وتمَّ الزفاف باللباس الشرعي التزامًا بالنص القرآني. فهذا مثال على الالتزام المفتخر بآداب الصحوة الإسلامية. عندما وقعت محنة “أسرة الجهاد” واعتقل أكثر من 60 شابًا ودخلوا السجون لفترات متفاوتة، تركوا الزوجات والأولاد والبنات، فكان لذلك أثر على البيوت فكان الموقف والحمد لله رب العالمين، التواصي بالصبر في المجتمع النسائي في تلك المحنة، وهذا لم يأت من عبث وإنما جاء من خلال صناعة أجواء الالتزام الشعبي النسائي مع بدايات مشروع الصحوة النسائية الإسلامية. وهنا ألفت الانتباه لنقطة هامة جدًا، البعض يجتهد ولا يزال يكرر مثل هذه المطالب كـ “ميراث المرأة” هناك جمعيات نسائية تتلقى الدعم من وراء البحار حتى تبقى تثير قضية ميراث المرأة، لكن الصحوة الإسلامية في حينه بخطب الجمعة والدروس، نجحت أن تعيد ميراث المرأة منذ منتصف السبعينيات إلى واقع الحياة وإلى إعادة هذا الحق للنساء، وبدأ يعود موضوع الميراث المرأة مع بدايات الصحوة الإسلامية وذلك لسبب بسيط، وهو أنَّ الناس في حينه تعاملوا مع الموضوع في أنه ليس مجرد مطلب جاف دنيوي بل تعاملوا معه كحق ديني، حلال وحرام، وجنة ونار، وأنه فريضة من الله تعالى، فمن حينه بدأت هذه القضية تعود إلى المرأة، ولا زلت أذكر أنَّ أول موعظة ألقيتها في أحد بيوت العزاء كانت عن ميراث المرأة. كذلك لله وللتاريخ أقول، إن الصحوة الإسلامية في البدايات، من ثمارها أنها شجّعت تعليم البنات وإكمال دراستهن من الابتدائي حتى الجامعة، لأننا اجتهدنا منذ البدايات الأولى أن يكون لنا طموح بعيد في أن نوفر أكبر عدد ممكن من طالبات الشريعة وهذا دفعنا إلى تشجيع الطالبات لإكمال الدراسة إلى أبعد مدى، كذلك كان من طموحنا أن ندخل إلى المدارس وان يدخل اللباس الشرعي في مسيرة الطالبات في المدارس، وهنا أذكر في الخير الأستاذ محمد عارف وتد من جت، كان يُدرّس في مدرسة “الزهراء” في المحاميد، وكان مديرها المرحوم أبو خليل، ودعا الطالبات إلى الالتزام باللباس الشرعي وقد انتشرت الظاهرة في المدرسة. لذلك كنا معنيين أن تكمل الطالبات دراستهن وصولًا إلى الجامعة حتى يتوفر لدينا ليس فقط طالبة الشريعة، وإنما أن يكون لدينا الطبيبة الملتزمة وغير ذلك من المهن، وقد بدأنا بهذا الطموح بشكل حثيث”.