تساؤلات عن الموقف الأميركي.. هل تنجح المبادرة الأردنية في إعادة تأهيل نظام الأسد؟
تنشط هذه الأيام الخارجية الأردنية وما حولها من مطابخ السياسة في العاصمة الأردنية، مدفوعة بهاجس تحقيق اختراق سياسي ينهي حالة الفتور مع النظام السوري، وذلك عبر وضع حد للقطيعة بين دمشق والدول العربية، بما يريح خاصرة الأردن الشمالية من خطر انتشار العصابات المسلحة، وتهريب الأسلحة والمخدرات.
إضافة إلى ذلك، تتطلع عمّان إلى تصدير الطاقة الكهربائية إلى لبنان وسوريا، وهو الملف الذي شهد خطوات متسارعة قبل نحو عام، في أعقاب تفجير ميناء بيروت، إلى جانب سعي الأردن للحصول على استثناءات من عقوبات قانون “قيصر” الأميركي بحق نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمتعاونين معه.
الحرب في أوكرانيا، وتشابك المصالح التركية الروسية في المنطقة، والإعلان عن قرب استئناف العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، وتسارع وتيرة التقارب العربي مع دمشق؛ تلك أسباب أجملتها مصادر سياسية للجزيرة نت بوصفها ظروفا أسهمت في خلق بيئة مناسبة لنجاح المبادرة الأردنية لحل سياسي في سوريا.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه التلفزيون السعودي الرسمي مساء الخميس أن المملكة تجري محادثات مع سوريا لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية بين الطرفين.
وكانت وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصادر -وصفتها بالمطلعة- قولها إن سوريا والسعودية اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد.
أهداف الأردن من المبادرة
رغم تسارع الدبلوماسية فإنه لا أحد يمتلك تصورا واضحا بشأن “المبادرة العربية للحل في سوريا”، التي أعلنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أن الغموض يكتنف دعمها من جهات دولية، لكن التعاطي الغربي -خصوصا الأميركي- انتعش بعد الاستثناءات التي مُنحت للنظام السوري بعد الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا الشهر الماضي.
وبالنسبة لمدير الأمن السابق الفريق المتقاعد حسين الحواتمة، فإن “التعايش مع النظام السوري الضعيف أفضل من بروز قيادة سورية غير ناضجة وبدء صراعات عربية-عربية، في وقت يعاني فيه الأردن من أزمة اقتصادية وجمود عملية السلام”، حسب حديثه للجزيرة نت.
أما المحلل السياسي عامر السبايلة، فيرى أن الأردن هو المتضرر الأكبر من الأزمة السورية، معبّرا عن تفهمه سعي الأردن الرسمي -بمختلف مستوياته- إلى حماية أمنه الداخلي، إذ تجاوز الضرر المحاور الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، إلى الجريمة والمخدرات، فضلا عن التغيرات التي أصابت الأولويات الدولية، في ضوء حرب أوكرانيا، وإخفاق قمة الجزائر في إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
وأشار السبايلة إلى أن الأردن يقود المبادرة بوصفه “شريكا جغرافيا لسوريا، ومتأثرا على كل المستويات؛ اقتصاديا وديموغرافيا وأمنيا، وحليفا للولايات المتحدة، ولديه تواجد عسكري أميركي، مما يمنحه فرصة عرض مخاوفه على الولايات المتحدة بوضوح ودون قيود”.
ولا يعتقد السبايلة أن الأردن يعرف ما الذي يستطيع تقديمه تحت عنوان “المبادرة العربية لحل سياسي في سوريا”، بل إنها أقرب لفكرة مجسات وبالونات اختبار، يستخدمها ليعرف مدى مرونة كل طرف، وقدرة السوريين على التنازل؛ فالصيغة النهائية غير واضحة، لا سيما أن النظام السوري يعتقد أنه بلا معارضة، أو للدقة “المعارضة فقدت زخمها واهتمامها الدولي، وبالتالي فإن النظام السوري ليس مضطرا لتقديم تنازلات”.
الموقف الأميركي
ولفت عامر السبايلة إلى أن أهم معوقات المبادرة تكمن فيما تراه العين الأميركية في سوريا، والتي تتركز على الوجود الروسي العسكري.
في موازاة ذلك، يفصل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب خلدون حينا بين نجاح المبادرة العربية وضرورة توفر الدعم والإسناد الأميركي.
ويقول حينا إن “زيارة بشار الأسد لبعض الدول العربية دليل واضح على قدرة المبادرة على الحياة من دون الدعم الأميركي”، وهو ما يناقض قول السبايلة، الذي يجزم بأن “ما يحدد نجاح المبادرة من عدمه هو قوة الدعم الغربي والأميركي”.
ويتكتم خلدون حينا على بنود المبادرة وتفاصيلها، ويرجع ذلك إلى أهمية سرية التباحث بين الأطراف المعنية، متوقعا للمبادرة النجاح، وقبول ها من قبل النظام السوري فور إعلانها.
وفي هذا السياق، أبلغت مصادر سياسية الجزيرة أن “من المبكر جدا الحكم على نجاح المبادرة من عدمه، لكن هناك تواصل عربي-عربي، على مختلف المستويات، أما دوليا فهناك أزمات أثرت سلبا على فرص التوافق الدولي في سوريا؛ مثل الملف النووي الإيراني والحرب الأوكرانية.
تباين المواقف الغربية من الحل السياسي في سوريا حتى اللحظة، وتشدد موقف الاتحاد الأوروبي من النظام السوري؛ يدفعان الدول العربية للتفكير في مصالحها بعيدا عن الاعتبارات الخارجية، حسب ما ترجحه المصادر.
وكان بشار الأسد زار سلطنة عُمان، في سلوك فُهِم أنه محاولة لفتح خطوط أميركية، لكن الزيارة لم تنجح على ما يبدو، حسب ما يقوله السبايلة، الذي يقرأ زيارة الأسد لروسيا، والحديث عن قواعد عسكرية روسية جديدة في سوريا؛ بمثابة الرد برسائل متعددة الاتجاهات.
والثلاثاء الماضي، أكدت الولايات المتحدة معارضتها تطبيع العلاقات مع بشار الأسد بعد أن أجرى زيارة -الأحد الماضي- هي الثانية له خلال سنتين إلى دولة الإمارات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل -في تصريح للصحفيين- “لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد”، مشددا على أن الإدارة الأميركية لا تشجع أحدا على هذا التطبيع في ظل غياب أي تقدم حقيقي نحو حل سياسي.
وتابع المتحدث الأميركي “نحض جميع المنخرطين مع دمشق على التفكير بصدق وتمعن في الكيفية التي يمكن أن يساعد بها انخراطهم في تلبية احتياجات السوريين أينما كانوا يعيشون”.