نظرات في المشروع الإسلامي (2)
الشيخ رائد صلاح
حرية التعليم
لا يكتفي الإسلام بأن يقرر حرية التعليم، بل يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). وجعل الإسلام العلم وسيلة لمعرفة الله وخشيته (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). فاطر: 28. ولمعرفة حقائق الأشياء والأفعال: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ). العنكبوت: 43. بل جعل الإسلام العلم الوسيلة الوحيدة لفهم كتاب الله: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). الأعراف: 52. ولذلك أوجب الإسلام على الحكومة الإسلامية نشر العلم والقيام على أمره وتمكين الجميع منه. ولقد سنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم للحكومة الإسلامية كل هذا يوم جعل فداء الأسرى المتعلمين أن يعلم كل منهم عددًا من أبناء المسلمين الكتابة والقراءة.
حرية التملك
أطلق الإسلام الحرية للبشر في أن يتملكوا ما يشاؤون من العقار والمنقول والأشياء ذات القيمة على أن ينتفع منها بقدر حاجته في غير سرف ولا تقتير، وعلى أن يؤدي ما يوجبه الإسلام للغير في المال من حقوق وفق النظام المالي الإسلامي.
وحدة الأمة الإسلامية
وحَّد الإسلام بين المسلمين جميعًا بما أوجب عليهم من الإيمان برب واحد، والخضوع لإله واحد، واتباع كتاب واحد، وشرع واحد، وبما جعل للأمة الإسلامية على تعدد أفرادها من هدف واحد، ونهج واحد، وبما طبع عليه المسلمين من آداب واحدة، وأخلاق موحدة، وبما جعل للأمّة كلّها من قبلة واحدة وسياسة واحدة، وسلوك واحد، وجعل الإسلام المسلمين متضامنين في كل ما يصيبهم من خير وما يحيق بهم من شر، كالبنيان الواحد، وكالجسد الواحد، وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ولذلك وضع الإسلام الأحساب والأنساب ولم يجعل لها في ميزان التفاضل نصيبًا، وحطم العصبية والجنس ولم يجعل لهما شأنًا، وجعل التفاخر بالأحساب والأنساب والعصبيات والأجناس والألوان عملًا جاهليًا ليس من الإسلام في شيء، وأقام التفاضل على الدين والعمل الصالح والتقوى، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم). إنَّ الإسلام شريعة عالمية لا مكانية، جاءت للعالم كله، لا لجزء منه وللناس جميعًا لا لبعضهم، وهو شريعة الكافّة لا يختص بها قوم دون قوم، ولا جنس دون جنس، ولا قارة دون قارة، وهو شريعة العالم كله، يخاطب بها المسلم وغير المسلم.
الجنسية في الإسلام
أهل دار الإسلام لهم جنسية واحدة سواء كانوا مسلمين أو غيرهم، ومهما تميَّز المصري عن السوري أو العراقي أو المغربي فذلك تمييز محلي لا ينبني عليه حكم شرعي ولا يؤدي إلى تمييز في الخارج. وأساس الجنسية في الإسلام هو اعتناق الإسلام أو التزام أحكامه، فمن اعتنق الإسلام أو التزم بأحكامه، فكلاهما رعية من رعايا الإسلام وتجمعهم الجنسية الواحدة.
نحن والمشروع الإسلامي
الأصل في رئيس الدولة أن يستمد سلطانه من الأمّة ويستند في وظيفته إلى رضاء الأمة عنه، وهذا هو الأصل في الإسلام، ولكن الحاضر والماضي القريب يشهدان أنَّ أكثر الدول الإسلامية لم يستمدوا سلطانهم من الأمة ولم يعتمدوا عليها ولم يستندوا في بقائهم في مناصبهم إليها، وإذا كان البعض استمد سلطانه من قوته أو استند إلى عصبيته، فإن البعض الآخر استمد سلطانه من أعداء الإسلام واستند في منصبه إلى قوة الاستعمار، وطالما عمل الاستعمار على اقتطاع بعض أجزاء الدولة الإسلامية ليجعل منها دويلات، ويقيم فيها رؤساء يسبحون بحمده، ويعتبرهم بعض جنده، بل لقد حرص الاستعمار من زمن طويل على أن يوقع بين الشعوب ورؤسائها حتى إذا وقعت الواقعة تدخل الاستعمار لحماية الرؤساء من الأمة ولحماية الأمة من الرؤساء، فأما أن يخضع له الرئيس فيسنده ويؤيده وإمّا أن يأبى فيجيء بغيره ممن يعتبر نفسه مدينًا بمنصبه للاستعمار أو ممن يعجز عن مناهضة الاستعمار. وهكذا أصبح الحكم في أكثر البلاد الإسلامية قائمًا على الهوى والاستبداد وليس على الشورى. وهكذا أصبحت حياة المسلمين اليوم تقوم على الاستغلال، فالحاكم يستغل المحكوم، والمستعمر يستغل الحاكم والمحكوم. وهكذا أصبح المسلمون أذلاء لا حول لهم ولا قوة. وهكذا أصبح مال المسلمين دُولة بين أغنيائهم ممنوعًا عن فقرائهم، وحتى ضاق الفقراء بالفقر وبالأغنياء، ويا ويل أمة يمنع أغنياؤها حقوق فقرائها، ويضيق فقراؤها بأغنيائها. وهكذا بات يتحكم بأعناق المسلمين وأرزاقهم الحكام الظالمون والمفتون المأجورون إلا من رحم الله وقليل من هم!! وهكذا بات المسلمون ممنوعين من محاربة الظلم ومقاومة الاستبداد وقطع دابر الإقطاع. وهكذا غشيتنا الظلمات يوم أدرنا ظهورنا للمشروع الإسلامي.
الجماهير والمشروع الإسلامي
إنَّ جماهير المسلمين مسؤولة عمَّا انتهى إليه أمر المشروع الإسلامي، فما وصل المشروع الإسلامي إلى هذا الذي هو فيه إلا بجهل هذه الجماهير للمشروع الإسلامي، وبانحرافها شيئًا فشيئًا عنه حتى كادت أن تنسلخ عن الإسلام دون أن تدري، ويوم تتفتح أعينهم على الحقائق سيعلمون أنهم خسروا أنفسهم ودنياهم يوم أن فرطوا في المشروع الإسلامي، فالمطلوب وقفة مع الذات فورًا.
الحكومات الإسلامية والمشروع الإسلامي
الحكومات الإسلامية في الغالب خرجت على المشروع الإسلامي في الحكم والسياسة والإدارة، وخرجت على مبادئ الإسلام فلا حرية ولا مساواة ولا عدالة، وأورثت المسلمين الضعف والذل وجلبت عليهم الاستغلال والفقر، وأشاعت فيهم الفساد والبغي، ووالت الأعداء على اختلاف أعلامهم ولغاتهم وأجناسهم، ولكن عليها أن تعلم أنها إن تسارع إلى عقد مصالحة مع شعوبها فالتغيير قادم، لأن المشروع الإسلامي تعثّر ولم يمت.
الرؤساء والمشروع الإسلامي
يا رؤساء الدول الإسلامية: إنَّ مناصبكم وألقابكم لن تغني عنكم من الله شيئًا، وإن الله سائلكم وأسلافكم عن الإسلام والمسلمين، سيسألكم عن المشروع الإسلامي الذي أصبح غريبًا في بلادكم، مهملًا في حكمكم، وسيسألكم عن المسلمين الذين فرقتم وحدتهم، وضيعتم قوتهم، ومزقتم دولتهم. يا رؤساء الدول الإسلامية لا تحرصوا على الإمارة والسلطان فإن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة).
العلماء والمشروع الإسلامي
يا علماء الإسلام، اتقوا الله في أنفسكم وفي المشروع الإسلامي. يا علماء الإسلام، إنَّ عزّتكم من عزة المشروع الإسلامي، وقوتكم من قوته، يا علماء الإسلام كما تقفون اليوم على المنابر لتعليم الناس محاسن الأخلاق وأداء العبادات، فأنتم مطالبون أن تعلموهم بما يوجبه الإسلام في الحكم والحكام والتشريع والقضاء وفي الاقتصاد وفي الاجتماع، وفي معاملة الأعداء والأصدقاء. أنتم مطالبون أن تبينوا للناس حكم الإسلام في الاحتلال أي كان، وحكم الإسلام في المال وفي الاستغلال والاحتكار، وحكم الإسلام في القوانين الوضعية والحلول المستوردة، وحكم الإسلام في الملك الجبري والحكام المتسلطين. يا علماء الإسلام، نرجو منكم ولكم أن تكونوا العلماء العاملين الذين يجددون فينا دور سلاطين العلماء، وينفون عنهم وعنا وعن المشروع الإسلامي دور علماء السلاطين. يا علماء الإسلام، جراح الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني تناديكم، والقدس تناديكم والمسجد الأقصى يناديكم، فانهضوا صارخين: نحن قادمون.
(بتصرف عن كتاب “الإسلام وأوضاعنا السياسية” للشهيد عبد القادر عودة).