في “هذه شهادتي”.. الشيخ رائد صلاح يواصل حديثه عن المشاريع التي انبثقت عن الصحوة الإسلامية
- لجان الزكاة “ولّادة” من حيث قدرتها على التطور والإبداع واحتضان الجميع ونيل ثقة الناس
- مشروع تحفيظ القرآن الكريم بدأ من الصفر حتى وصلنا إلى وجود المئات من الحفظة على مستوى الداخل
- الفن الإسلامي ودور فرق النشيد في مسيرة المشروع الإسلامي وكيفية الارتقاء إلى الأمام في هذا المضمار
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”. في الحلقة (12) أكمل رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، شهادته حول محطات في مسيرة الصحوة الإسلامية، متناولًا دور لجان الزكاة والمؤسسات الراعية لمسيرة فرق النشيد الإسلامي والفن الإسلامي بوجه عام، في رفد الصحوة الإسلامية.
“لجان ولّادة”
شدّد الشيخ رائد صلاح على الدور الاجتماعي الكبير الذي لعبته لجان الزكاة بعد انطلاقتها منبثقة عن الصحوة الإسلامية، وهو الدور الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. في تفصيل ذلك يقول: “ما يميز لجنة الزكاة في أم الفحم واندرج على كثير من اللجان في العديد من البلدات، أنها “لجان ولّادة” بدأت بفكرة بسيطة، جمع أموال الزكاة وصدقة الفطر ومن ثمَّ صرفها على مستحقيها في يوم واحد، ولكن نتج عنها مشروع تواصل على مدار أيام السنة، من حيث صرف مبالغ مالية للعائلات المستورة في كل شهر، ثمَّ ومن خلال الزكاة بدأ مشروع دعم طلاب الجامعات، ودعم الحالات المرضية الطارئة التي بحاجة إلى عمليات خارج البلاد أو بحاجة إلى أدوية لا تتوفر في سلة الأدوية الرسمية، ثمَّ توالت المشاريع المنبثقة عن “الزكاة”، فكان لها السبق في دعم معسكرات العمل الإسلامي”.
وتوقف الشيخ رائد عند أول معسكر إسلامي دعمته لجنة الزكاة في أم الفحم، مطلع الثمانينيات، وكيف أنه جرى تنفيذ العديد من المشاريع في غضون ثلاثة أيام فقط، لدرجة أن المرحوم الأستاذ هاشم محاميد رئيس بلدية أم الفحم حينها، حين جَلَسَت معه لجنة المعسكر لأخذ موافقته الرسمية على المشاريع التي ستُنفّذ، استغرب من إمكانية القيام بعدد كبير من المشاريع في وقت قصير، ولفت الشيخ رائد إلى أنَّ محاميد وبعد انتهاء المعسكر وتنفيذ كافة المشاريع المقررة، أرسل خلال حفل اختتام المعسكر رسالة شكر وتقدير “ذات ذوق وعاطفة” (بحسب وصف الشيخ رائد) للقائمين على معسكر العمل الإسلامي.
وتأكيدًا على قدرة معسكرات العمل الإسلامي في إنجاز الكثير بوقت قياسي، استذكر الشيخ رائد عبارة للحاج مصطفى عبد أبو شقرة لما رأى تنفيذ هذا الكم من المشاريع في معسكر العمل الإسلامي الأول، حيث علّق بالقول: “لو قالوا لي أنهم يريدون نقل جبل إسكندر من مكانه لصدّقت ذلك”.
بالعودة إلى لجان الزكاة والحديث هنا عن اللجنة في أم الفحم، اعتبر الشيخ رائد أنّ ما تجمعه لجنة الزكاة بعد أن جمع الله قلوب الأغنياء والناس عمومًا عليها، يفوق من حيث النسبة ما تجمعه لجان الزكاة في دول غنية، منوّهًا إلى أن هذا يعكس “نظافة اليد التي تتمتع بها اللجنة، وهذا يُترجم من خلال استمرار عطائها وإبداعها في دورها بدون توقف. فقد نجحت اللجنة باحتضان الجميع ولم يستوقفها في يوم من الأيام انتماء أي شخص، فقامت بواجبها تجاه كل محتاج، ودليل الثقة الكبيرة التي تتمتع بها اللجنة، أن البعض حاول أن يقيم لجنة زكاة أخرى ولم ينجح، لأن اللجنة القائمة عبر تاريخها المبارك ومشاريعها، أصبحت ولا تزال عنوانًا لكل من يطرق بابها”.
تحفيظ القرآن الكريم
ثمّ تطرق الشيخ رائد صلاح، إلى بدايات اهتمام الصحوة الإسلامية بتحفيظ القرآن الكريم، كاشفًا في هذا الصدد أن “أول من قاموا باجتهاد مبارك لفتح باب تحفيظ القرآن الكريم للأبناء، كانت بلدة جت”، مرجعًا ذلك لقرب البلدة من مدينة طولكرم في الضفة الغربية، حيث التحق أبناء الصحوة في جت لتعلم أحكام الترتيل في أحد مساجد طولكرم، ثمّ بادروا إلى نقل الفكرة إلى جت.
وأضاف: “في إحدى جلسات الإدارة العامة للحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا، طُرح موضوع تحفيظ القرآن الكريم، واتُفق على البدء بمرحلة تحفيظ القرآن الكريم على مستوى الداخل، ثمَّ في حينه بزغ نجم “مؤسسة حراء” لتحفيظ القرآن التي حُظرت كجزء من حظر الحركة أواخر عام 2015، ولكن قبل الحظر سطع نجمها، وهي مؤسسة تحتاج إلى قلم أمين حتى يكتب كتابًا للتاريخ حول إشراقات هذه المؤسسة. ففي حين كان عدد حفظة القرآن في مرحلة من المراحل على مستوى الداخل صفرًا، صار عندنا المئات ممن يحفظون القرآن كاملًا، ما بين طلاب وطالبات من جميع المراحل التعليمية ومن جميع الشرائح العمرية في بلداتنا، وتحوَّل حفظ القرآن الكريم إلى حالة فرح وسعادة تغمر عائلة الحافظ، وقبل أيام فقط التقيت في مدينة الطيرة بأخ كريم من جماعة الدعوة والتبليغ وأخبرني والسعادة تغمره، أن ابنه اتمّ حفظ القرآن الكريم، وبطبيعة الحال فقد باركت له هذا الإنجاز المبارك. بالتالي فإن ظاهرة حفظ القرآن احتضنت كل مجتمعنا، ويمكن القول إنَّ مؤسسة حراء بما انبثق عنها من مدارس لتحفيظ القرآن الكريم في الداخل إلى جانب مشاريعها المرادفة، تحوّلت إلى “وزارة معارف” لتحفيظ القرآن الكريم، وبعد حظر المؤسسة إسرائيليًا، تحول حفظ القرآن الكريم إلى نشاط شعبي متواصل حتى الآن في كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني”.
الفن الإسلامي
أمّا عن دور فرق النشيد الإسلامي وما اصطلح عليه تعريف “الفن الإسلامي” في مسيرة الصحوة، من مسرح وخلاف ذلك، يتابع الشيخ رائد: “لأن هذا المشروع بكل تجلياته من نشيد إسلامي ومسرح وفنون أخرى كان عظيمًا مباركًا، فهو بحاجة إلى صاحب همّة مع نفَس طويل ليقوم بتوثيق هذا الموضوع في بعده التاريخي، لأن ما أنتجته فرق النشيد مذهل، ولا يمكن الإحاطة به من كل جوانبه إلا من خلال التوثيق العلمي المدروس. وكانت البداية مع الشيخ علي الصالح من أم الفحم، والذي انطلق بالنشيد الإسلامي بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، حيث وهبه الله صوتًا جميلًا، لدرجة أنه اشتُهر خلال دراسته في الثانوية بإتقان أغاني أم كلثوم، وسمعت أنه مرة من المرات كان ينشد في صفه أغنية “يا مسهرني” فدخل فجأة المرحوم الأستاذ جميل السالم، ووقف خلفه وهو يغني، فلما أنهى علي الصالح الغناء فاجأه الأستاذ جميل بالقول: “أنت سهران فلماذا تريد أن تسهرني معك”. إذًا الشيخ علي بدأ مع احتضان الصحوة الإسلامية له بإطلاق صوت النشيد الإسلامي متنقلًا بين البلدان من أول الجليل إلى آخر النقب. وبرأيي أن كل نشيد للشيخ علي الصالح كان عبارة عن محاضرة ذات إبداع. ثمَّ التف حوله عدد كبير من الشباب في أم الفحم بأصواتهم الجميلة وواكبوا مسيرة النشيد الإسلامي، فانطلقت المسيرة وبدأت تنتشر فرق النشيد الإسلامي يومًا بعد يوم، فرقة النور في أم الفحم وغيرها من فرق النشيد في كفر قاسم وكفر كنا وكفر مندا والناصرة ويافة الناصرة وعكا وغيرها من البلدات- وأرجو المعذرة إن نسيت بعضها”.
ويرى الشيخ رائد أنَّ الفن الإسلامي عمومًا لم يأخذ حقه على مستوى التوثيق، لا سيما أن النشاط بدأ محليًا ثم انتشر. أنشدت فرق النشيد الإسلامي في الداخل وفي أرجاء المعمورة ودُعيت لإحياء المؤتمرات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية التي يُسمح بدخولها، كما أصبحت فرق النشيد محل استضافة العديد من الفضائيات على الصعيد العربي والإسلامي، وملأت أشرطتها الأسواق المحلية والعربية والعالمية فهي أنشدت “لآلامنا وآمالنا”، على حد تعبير الشيخ رائد.
وأردف: “بحمد الله، إلى جانب كل هذا النشاط الواسع، وُلدت فيما بعد مؤسسة الفجر للفن الإسلامي التي جرى حظرها كجزء من حظر الحركة الإسلامية، إسرائيليًا. احتضنت هذه المؤسسة الفرق والمنشدين، وبدأت تنظر إلى الأمام في كيفية تطوير رسالة الفن من حيث الغناء والمسرح وإنشاء فرق نشيد من الأطفال والكبار، وكانت هناك فرق نشيد أيضًا للنساء تؤدي دورها في حفلات الاعراس عند النساء، ثم طوَّرت مؤسسة الفجر آفاقها وأنتجت العديد من الأفلام الوثائقية”.
واستذكر مشاركته في أحد مؤتمرات المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة لمّا كان عضوًا فيه قبل حظر الحركة الإسلامية، حيث جرى توزيع حقيبة كهدية على الوفود المشاركة، تضمّ إلى جانب شرح عن مشاريع العمل الإسلامي، أشرطة نشيد لفرق النشيد في الداخل، وقد لاقت الأشرطة استحسان وإقبال الوفود المشاركة.
في ختام الحلقة، توجّه الشيخ رائد صلاح بنصيحة إلى العاملين في حقل الفن الإسلامي، وقال: “أنصح أن يكونوا أصحاب خبرة مهنية قائمة على دراسة في أرقى مؤسسات التعليم للفن والإخراج والتصوير وعلم الأصوات. يجب أن نكون في أعلى مستوى من الطلاب الدارسين، حتى لا نكون مقلدين لغيرنا، وعلينا من حيث الذوق أن نضع اللمسة الخاصة بالفن الإسلامي، كما تحدث عنها جملة من المفكرين مثل: محمد قطب وسيد قطب وعماد الدين خليل وعبد الحميد جودت السحار وغيرهم، فنحن في مرحلة تدافع بين ثقافات متباينة وبين خطوط فنية مختلفة، هناك تدافع بين خط الفن الإسلامي في كل تجلياته مع خط فني آخر قد يكون فنًا نفعيًا أو إباحيًا أو استهلاكيًا. أعان الله من يقفون على ثغرة الفن الإسلامي فهم في تدافع كبير جدًا، ولكن عليهم أن يؤدوا الدور بإخلاص وهمّة عالية ابتغاء لوجه الله. أتمنى لهم التوفيق فالدور المطلوب منهم كبير والأمانة ثقيلة”.