معركة الوعي (153) “لماذا لا نشارك في مظاهراتهم الاحتجاجية”؟!!!
حامد اغبارية
هذا السؤال، في العنوان، يتداوله بعض الذين اختاروا لأنفسهم الذوبان داخل البوتقة الإسرائيلية، وحاصروا أنفسهم داخل فقاعة المواطنة الإسرائيلية، إذ أنَّ طموحاتهم المتواضعة وتشوّش هويّتهم وغسل أدمغتهم يحولُ بينهم وبين الخروج من هذه الفقاعة.
إنّ الذين يسألون لماذا لا نشارك، كمجتمع الداخل الفلسطيني، في المظاهرات والأنشطة الاحتجاجية التي يشهدها الشارع الإسرائيلي ضد سياسات حكومة الرؤوس الثلاثة (نتنياهو- بن غفير- درعي)، لا يسألون هذا السؤال كي يشرحوا للجمهور الأسباب الوجيهة التي تمنعنا من تلك المشاركة، بل إنهم يستهجنون عدم المشاركة ويدعون إليها بحجة المشاركة في التأثير، ودفاعا عن الديمقراطية، وللحيلولة دون تحوّل نظام الحكم إلى دكتاتوري، مرددين كالببغاوات ما غسلتْ به أدمغتَهم أجنداتُ المعسكرات الصهيونية المتصارعة فيما بينها!!!
السؤال بهذا المفهوم وهذا التوجّه لا يسألُه مَن كان طريقُه واضحًا وهويّته ثابتة ووعيه فلسطينيَّ الجذور، فلسطينيَّ الطموحات.
هذا سؤال يسألُه فقط من انتزع ذاتَه المهتزة من وشائجها الأصيلة، وغاص حتى أذُنيه في وحل الأوهام التي زيّنها له شيطان المشروع الصهيوني، وقبِل لنفسه العيش كالأنعام، مع احترامي التامّ لكونه إنسانا كرّمه الله بالعقل والفطنة والقدرة على التفريق بين الخبيث والطيّب، والقدرة على تمييز الألوان، وجعَل له إرادة، وأوضح له الطّريق.
ولو كان هذا الصنف من الناس قد أدرك ذاته وفهم قضيّته بأبعادها الحقيقيّة لسأل السؤال بطريقة عكسية: لماذا علينا ألا نشارك في ذلك “الفيلم” كامل الأوصاف الصهيونيّة؟
إنَّ ما يجري على الساحة الإسرائيلية، أو بكلمات أخرى، في المجتمع اليهودي، لا شأن لنا به من قريب أو بعيد، من حيثُ الشعارات التي يرفعها المعسكر المعارض لخطط الحكومة الإسرائيلية، فهي لا تخصنا ولا تأخذنا في اعتباراتها كمواطنين كاملي الحقوق. فهم يزعمون أنهم باحتجاجاتهم يريدون منع تقويض ما يسمونه النظام الديمقراطي واستبداله بنظام حكم دكتاتوري، كما يريدون حماية اقتصاد دولتهم من الانهيار، والحفاظ على استقلالية الجهاز القضائي وحمايته من التسييس.
إنَّ علينا أن نفهمَ ونعيَ لماذا علينا ألا نشارك في هذه الموجة الاحتجاجية، التي لا ناقة لنا فيها ولا بعير، فهي صهيونية بامتياز. ورغم ذلك هناك مِن المضبوعين من أبناء شعبنا مَن لا يكتفي أن يقال له إنها صهيونية الوجه والمضمون! لذلك يحتاج إلى الشرح والتفصيل والتذكير والتنبيه والقرع على الجمجمة بمطرقة من حديد لعله يستيقظ من غفلته، وينفض عن عقله غبار السراب، وترسّبات أضاليل المشروع الصهيوني، وتضليل الإعلام الذي لا يقع في شباكه إلا السذّج وصغار العقول أو الذين ربطوا مصيرهم بالمشروع الصهيوني.
إنّ الذي يقرأ بعض ما يكتبه هؤلاء أو يقولونه بخصوص هذه المسألة يخيل إليه أننا نعيش حاليا في نعيم الديمقراطية الإسرائيلية، ونرفل في جنات الحركة الصهيونية، ولذلك علينا المشاركة في جهود حماية ديمقراطية تل أبيب وجنّة هرتسل!
لقد تعامل معنا أصحاب المشروع الصهيوني منذ اللحظة الأولى، وقبل إنشاء كيانهم على أنقاضنا، كأعداء غزاة استولوْا على حقهم التاريخي والتوراتي. ولا تزال هذه النظرية هي المنطلق في تعامل مختلف مؤسسات المؤسسة الإسرائيلية معنا، وإن اختلفت أدوات ووسائل وأشكال هذا التعامل. وقد مارست هذه المؤسسة، ولا تزال، تجاهنا دكتاتورية الحكم وفاشية التعامل،ـ وهي ليست فاشية عادية، بل فاشية اجتثاثية.
إنّ الدكتاتورية ليست مجرد حكم الفرد، أو الحاكم الأوحد المعصوم الذي يتلقى المدد الإلهي، والذي يقرر مصائر الناس ويسوقهم أمامه كالأنعام. وهي ليست مجرد مجموعة سياسية تسيطر على نظام الحكم وتقرر مستقبل الشعب والدولة. إنها أكثر من ذلك بكثير، خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بالتعامل مع مجموعة سكانية مختلفة، كحالتنا نحن، سواء كشعب فلسطيني أو كداخل فلسطيني.
فمتى وكيف وأين حظينا بنعيم أكذوبة الديمقراطية الإسرائيلية؟
إنّ الأمور تقاس بالنتائج والآثار…
تمارس الدكتاتورية القمع! فمتى نجونا من قمع المؤسسة الإسرائيلية؟ وكيف حالنا كمجتمع في الداخل مع شرطتها؟ وكيف حال شعبنا في الضفة والقطاع مع جيشها ومخابراتها؟
وتسعى الدكتاتورية إلى اختلاق الأزمات الخارجية وإشعال الحروب مع المحيط الذي تعيش وسطه. فهل نستطيع أن نحصي الأزمات الخارجية التي افتعلتها المؤسسة الإسرائيلية والحروب التي أشعلت نارها في المنطقة، وكنا نحن من أكثر المتضررين بسببها؟
وتستغل الدكتاتورية الدين من أجل تثبيت سيطرتها. أفلا يرى المخدوعون استغلال المؤسسة الإسرائيلية للدين بروايات باطلة كي تبرر استيلاءها على كل شيء يخصنّا؟
وتعتمد الدكتاتورية على أجهزة المخابرات للتجسس على المعارضين حماية لذاتها. فكيف هو حالنا مع الشاباك وسائر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؟
وتضيّق الدكتاتورية على الإعلام وتسخّره من أجل خدمة أجنداتها وبث الأفكار التي تريدها أن تسود في المجتمع. فمتى حظي إعلامنا بحرية التعبير؟ وكيف يتعاطى معنا الإعلام العبري؟
وتعتمد الدكتاتورية سياسة التجهيل وإهمال التعليم. أفلا نرى حال جهاز التعليم ومنهاجه في مدارسنا في ظل “الديمقراطية” الإسرائيلية؟
وتعتمد الدكتاتورية سياسة الإفقار حتى يتسنى لها إحكام السيطرة على الشعب، من خلال إشغاله طوال حياته بالسعي خلف لقمة الخبز. فكيف هو حالنا من جانبه الاقتصادي؟ ألسنا نشكل الشريحة الأكثر فقرا والأضعف تعليما في واحة “الديمقراطية” الإسرائيلية؟
وتعتمد الدكتاتورية شخصيات فاسدة كي تقود المشهد العام. فكيف حالنا نحن مع بعض القيادات المحلية التي عملت ولا تزال على جرّنا إلى أتون محرقة المشروع الصهيوني؟
وتعتمد الدكتاتورية جهازا قضائيا لا علاقة له بتحقيق العدالة، بل وظيفته القضاء على كل صوت يغرد خارج سرب الدكتاتور. فكيف هي علاقتنا بالقضاء الإسرائيلي؟ بل كيف هي علاقة القضاء الإسرائيلي بنا؟
إن محكمتهم العليا التي يحتجون من أجل الحفاظ عليها مارست، ولا تزال، بحقنا كل نقيصة قضائية. فهي التي شرعنت المستوطنات في الضفة المحتلة عام 1967، وهي التي أقرت قرارات هدم بيوتنا، ومصادرة ما تبقى من أرضنا، وهي التي أقرت قانون منع لم شمل عائلاتنا على طرفي الخط، وهي التي أقرت سياسة العقاب الجماعي ضدّ شعبنا في الضفة والقطاع، وهي التي أقرت الاعتقالات الإدارية بحق أبنائنا، وهي التي حمت القتلة من الجنود ورجال الشرطة الذين أعدموا أبناءنا ميدانيا، بل وبررت هذه الإعدامات، وهي التي حمَّلتنا مسؤولية سفك دمائنا في أحداث يوم الأرض وهبة القدس والأقصى وغيرهما من المحطات الدامية في تاريخنا.
أيها المخدوع بوهْم التأثير من خلال دعوتك للمشاركة في احتجاجاتهم…
لقد سرقوا منك وطنك وأسكنوا فيه غيرك….
وصادروا أرضك وهدموا بيتك…
وقيّدوا حريّتك وقمعوا صوتك…
وهم منذ 1948 يلسعون ظهرك بسياطهم…
فما شأنك أنت بما يجري في شارعهم من احتجاجات؟
نحن قصّة أخرى مختلفة، قصة لها تفاصيل مختلفة، لأننا قضيّة مختلفة، ويجب أن تبقى مختلفة.