قضية المرأة والمعركة الوهمية (1)
ليلى غليون
يخيل لي وأنا أقرأ وأتابع الحراك النسوي الخاص بما يسمى قضية المرأة، خاصة في هذه الأيام استعدادًا للاحتفال بما يسمى يوم المرأة العالمي والذي أقرته هيئة الأمم المتحدة في الثامن من هذا الشهر (آذار/مارس)، يخيل لي وكأن هناك معركة وجود تدور رحاها بين خصمين وندين متنافسين هما الرجل والمرأة يسعى كل فريق منهما للانتصار لذاته على حساب ذات الآخر.
فالرواية التي يتم تكريسها وتسويقها والتداول بها أن المرأة (الضحية) مسحوقة تحت عجلات قسوة وتسلط الرجل (الجلاد) وأنها مسلوبة الإرادة والوجود من قبل هذا المتسلط الذي هو أصل بلائها وظلمها، والمطلوب منها أن تنتفض وتتحرر من عبوديته وتنتزع حقها انتزاعًا حتى تسترد عافيتها أولًا وتتمكن بعدها من إثبات وجودها والمشاركة في مجالات الحياة عامة.
فلا عجب أن تصيح إحدى منظرات الفكر النسوي في ندوة أقيمت في إحدى جامعات البلاد قبل مدة تحت عنوان: تمكين المرأة في المجتمع الفلسطيني قائلة: إن أبي عدوي وإن أخي عدوي وإن زوجي عدوي، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة لتضج بعدها القاعة بالتصفيق الحار من قبل الحضور.
فالقضية إذن كما يتم تسويقها من قبل هؤلاء هي معركة بكل ما تحمل الكلمة من مدلول، معركة مصيرية ضد الرجل السادر في ظلم المرأة!!
ولتكريس وترسيخ هذه الرواية بصورة أعمق، تتسلل ببطء بعض المصطلحات الملغومة كالمجتمع الذكوري أو السلطة الذكورية، والمساحات الواسعة التي يخصصها المجتمع لتكون من نصيب الذكر بينما الأنثى تجتر الحسرة والظلم على هوامش هذه المساحات، لا بل يتم الغمز واللمز على النصوص الشرعية وتفسر بفهم قاصر وموتور أنها موظفة لصالح الرجل، بينما المرأة تقف كالجندي الأعزل لا حول لها ولا قوة ولا تملك من أمرها شيئًا. أليست هذه الصورة هي التي تستميت المركبات النسوية لترسيخها؟ إنني في هذا السياق لن أرتدي نظارة سوداء تحجبني عن حقيقة أن هناك ثمة خلل في مجتمعنا، وأن هناك امرأة ما تعاني من رجل ما، وأن هناك امرأة مسحوقة الحقوق بسبب رجل، ولكن أليس من العدل والإنصاف أن نقول أن هناك أيضا رجلًا ما يعاني بسبب امرأة، وأن هناك رجلًا ما خسر دينه ودنياه بسبب امرأة؟!
فكم هو بغيض هذا التقسيم الاستفزازي الذي يرسم صورة مشوهة لحقيقة مشوهة بأن الرجل دائما هو الجلاد الشرير، بينما المرأة لا يتم إلباسها إلا لباس الضحية لتكتمل عناصر اللعبة، بل عناصر تحريض المرأة وإيهامها أن عدوها الأوحد هو الرجل! وبالتالي عليها أن تتحرك لمواجهة هذا العدو أو على الأقل لا تمكنه من السيطرة عليها في المفهوم النسوي!
لست في معرض الدفاع عن الرجل في مجتمعنا، ولكنني في نفس الوقت لم أستطع حمل نفسي للوقوف ضده وتوجيه سهام الاتهام إليه بأنه أصل المشكلة التي تعاني منها المرأة، فكم من الرجال الذين نجحوا في كل امتحانات الرجولة بتعاملهم الراقي سواء مع زوجاتهم أو بناتهم أو أمهاتهم أو أخواتهم في الدم أو الانسانية، وكم من الرجال فشلوا في هذا الامتحان فشلًا ذريعًا، وبالمقابل كم من النساء من أبلت بلاء حسنا في حسن تعاملها وقدمت أروع النماذج، مع زوجها، أبنائها، مجتمعها، وكم من النساء من كانت وبالًا على أسرتها بل وعلى المجتمع برمته، وتسببت في دمارها وخرابها، فالقضية ليست قضية امرأة ولا قضية رجل، وليست في هذا التقسيم البغيض رجل وامرأة، وليست في الذكورة ولا في الأنوثة، ولكنها في حجم ما يحمله كل واحد منهما من الإنسانية وروعتها وقيمها ومبادئها.
وبرأيي أنه إن كان هناك قضية تستحق البحث والمعالجة فإنها قضية الموروثات البالية التي لا زلنا نتناقلها رجالًا ونساء، والتي هي جزء من قضايا مجتمعنا المتراكمة، كما لا يمكننا التغاضي أن المرأة ذاتها في كثير من الأحيان تكون هي الجلاد على بنات جنسها!
وليس أدلّ على ذلك من اعتراض أم (والتي هي بالطبع أنثى) على زواج ابنها من مطلقة أو أرملة ولو كانت هذه المطلقة أو الأرملة تملك من الأخلاق والقيم والتعامل الحسن الشيء الكثير!
أليست هي من لا تسعها الدنيا فرحتها عندما تعلم أنها ستكون جدة لمولود ذكر بينما تبتسم على امتعاض عندما تًبشر بالأنثى؟
أليست هي من قد تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما تعلم بتدليل ابنها لزوجته وأنه يساعدها في البيت وفي الأولاد لتتهمه بعدم الرجولة، بينما لو وجدت ذلك عند زوج ابنتها فرحت واستراح بالها وقالت: (الله يرضى عليه ما منقص على بنتي اشي حتى فنجان القهوة بحضرلها اياه) والأمثلة كثيرة والمجال لا يتسع.
وللأصوات النسائية الصاخبة أقول: معركة طواحين الهواء أو المعركة الندية التي تدفعن بها المرأة لخوضها لن يكون الخاسر فيها المرأة والرجل فقط بل الأسرة بل المجتمع بأسره، وإن كانت المرأة بحاجة للتحرر، فإنه التحرر من منظّرات قضية المرأة اللواتي يوهمنها أن الرجل عدوها الأوحد، فالمرأة بحاجة للتحرر من وهم الحرية المزيفة التي تنادين بها وترسمن للمرأة للوصول إليها بكل ثمن، ولو كان هذا الثمن ضياعها وخراب بيتها والمجتمعات برمتها وزجها في معركة التحدي الأعمى مع الرجل، تلك المعركة الوهمية التي تذكرني بمعارك دون كيشوت.