الحلقة 11 من “هذه شهادتي” مع الشيخ رائد صلاح
في حلقة جديدة من “هذه شهادتي” مع الشيخ رائد صلاح:
- تسليط الضوء على محطات أخرى في مسيرة الصحوة الإسلامية والمهرجانات والنشاطات الدعوية
- الدور الفاعل لنخبة من المعلمين التحقوا بركب الصحوة
- اجتماع “الزكاة” الأول في أم الفحم لتوزيع المعونات المالية
- غياب المهرجانات الإسلامية في رمضان.. إيجابيات وسلبيات
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الحلقة (11) تحدث رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، عن نشاطات أخرى للصحوة الإسلامية في عدد من البلدات.
مهرجانات عكا وشفاعمرو وكفر قاسم
أكمل الشيخ رائد صلاح في هذه الحلقة، استعادة ذكرياته حول نشاطات دعوية ومهرجانات نظّمتها الصحوة الإسلامية- في بداياتها- على الصعيد القُطري قائلًا: “في تلك الأيام بدأ النشاط يأخذ البُعد القُطري على صعيد المثلث والجليل، وكنّا في أم الفحم في حالة استعداد دائم وفوري لاي نشاط أينما كان، وسافرنا إليه- في العادة- في حافلة كانت تقف في منطقة الميدان. في بعض الأحيان، كنّا نصل بيوتنا مع وقت السحور (بما أن النشاطات والمهرجانات كانت في رمضان). في إحدى المرات كنّا في مهرجان في كفر قاسم، نُظّم في ساحة مدرسة، وكان لي فيه كلمة وكان للمنشد علي الصالح فقرة مميزة، وكانت هناك مسرحية تتكرر وتتنقل في كل البلدات، تؤديها فرقة النور للمسرح والنشيد، وقد استمر المهرجان لساعات، ثم عدنا إلى بيوتنا إلى أم الفحم بعد منتصف الليل، وأذكر أنه في طريق العودة وكانت الطرق قديمة وبمسار واحد، ضربت مركبتنا طائرًا، فتوقفنا وذبحنا الطائر وكان من نصيب الشيخ صالح أشقر. هذه مشاهد لا تنسى”.
وأضاف: ” كنّا مرة في مهرجان في عكا بشهر رمضان، وقد أقيم في ساحة مسجد الجزار، صلّينا في المسجد قبيل الإفطار، ثمَّ خرجنا من المسجد باتجاه مكان الإفطار وسرنا في شوارع المدينة، وهذا المشهد لعل عكا حينها لم تشهده من بعد نكبة فلسطين. خرج الناس من منازلهم ووقفوا ينظرون إلينا على أطراف منازلهم وعلى الشرفات. شعرتُ أن هذا المنظر أعاد الروح لأهلنا في عكا وأحيا النفوس، وأظنُّ من عاش تلك الفترة من الأهل في عكا لا يزال يذكر هذا المشهد”.
وأذكر مشهدًا آخر، وكان ذلك في مهرجان بمدينة شفاعمرو- يضيف الشيخ رائد- “كان المهرجان بمثابة “فتوحات دعوية” في مسيرة الصحوة الإسلامية، إذ كان عدد الحضور كبيرًا جدًا، علمًا أنها المرة الأولى في حياتي التي أزور فيها مدينة شفاعمرو. سألنا عن مكان المهرجان، والبعض استغرب السؤال، فهو لا يعرف ماذا يعني مهرجان!!، أحد الإخوة دلّنا على موقع المهرجان ورافقنا بسيارته، وكان الأهل في انتظار حافلة أم الفحم، في ذاك المهرجان كانت كلمة للمرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش، وتحدث عن معنى كلمة “شفاعمرو” وأنها من مقطعين: شفا وعمرو، والمقصود عمرو بن العاص، حيث عسكر في تلك الأرض وكان مريضًا، فجاؤوا له بنبتة من المكان شربها فشفي، ومن هنا كان اسم المكان “شفاعمرو”. وأذكر أن نجم المهرجان في شفاعمرو كان الشيخ نصوح- تحدثنا عنه في حلقة سابقة- وسرد على الحضور قصة “الفتيات الجزائريات” اللواتي حاول الاستعمار الفرنسي ثنيهن عن دينهن ولباسهن وفشل في ذلك، وقد ضجَّ المكان بالحماس وتكبيرات المشاركين في المهرجان. كذلك شاركنا في المهرجان عدة مشايخ من الضفة الغربية- رحمهم الله- منهم الشيخ حامد البيتاوي والشيخ سعيد بلال والشيخ محمد فؤاد أبو زيد. فكانت الأجواء مهيبة مثل الأجواء التي تحدثت عنها بخصوص مهرجان عكا، فقد أحدث المهرجان في شفاعمرو صدى دعويا هز القلوب وكان له الأثر المبارك فيما بعد”.
التركيز على البُعد العقائدي
يقول الشيخ رائد: إن التركيز في تلك المرحلة من بدايات الصحوة الإسلامية، كان على البُعد العقائدي، لأن النفوس- كما قال- “كانت في غربة، بعيدة عن الفهم والالتزام الإسلامي، ولكنها كانت غربة في قشرة رقيقة جدًا، وأي موعظة تخترق تلك القشرة بسهولة وتدخل القلوب. لذلك كان التركيز على البُعد العقائدي، ومضامين المهرجانات تناولت قصصًا من حياة الصحابة، وقصصًا روحانية، تستمطر دموع الناس. هناك منظر لا يمكن أن أنساه: في أحد المهرجانات في عكا، صعد بعض الأطفال إلى المنصة وأدّوا مسرحية بفطرة سليمة بدون مخرج ولا منتج ولا مؤثرات، وكان يجلس بجانبي رجل من شفاعمرو- لا يزال حيا- لم ينقطع عن البكاء طوال المسرحية، على بساطتها. هذا كان حال الناس، وهو ما جعل للمهرجانات آثارًا اجتماعية مباركة، وترك بصمة في كل بلد. فقد شكّلت الصحوة الإسلامية في مواقعها ومن خلال نشاطاتها صورة طيبة مبشرة بالخير لمجتمع بدأ يعود إلى هويته الإسلامية. كذلك، في أحد الأيام وتحديدًا في 29 رمضان، شاركنا في مهرجان بمدينة الطيبة، وكانت الطيبة في بداية صحوة إسلامية متواضعة جدًا، بدأ المهرجان وكانت لي كلمة فيه وكلمة للأخ حسني كتاني من باقة الغربية، وفجأة وإذ بتكبيرات العيد تصدر من مسجد الطيبة. ترك الناس المهرجان وذهبوا إلى بيوتهم. فاختصرنا المهرجان و”ظبينا العدّة”، حيث كنا نحمل معنا إلى المهرجانات السماعات المرافقة لفرقة النور، عدنا إلى أم الفحم لنجد فيها أجواء العيد”.
لماذا اختفت المهرجانات في رمضان؟
وحول الأسباب التي جعلت تنظيم المهرجانات- في مرحلة لاحقة- في غير شهر رمضان، مثلما كان في بداية الصحوة، يرى الشيخ رائد أن “هناك أسبابًا إيجابية وسأبدأ بها: أظنّ أنّ أحد الأسباب الرئيسية التي صرفت الناس عن المهرجانات في رمضان، كان إقبالهم وإصرارهم على شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان، وهي ظاهرة ربانية، جعلت العائلات وحتى تاركي الصلاة تتغير أحوالهم في رمضان، ويشدّون الرحال إلى الأقصى يفطرون هناك ويصلون المغرب والعشاء والتراويح، وما دام الحال هكذا فهذا جيد، حتى لو كان على حساب مهرجانات كبيرة. وسبب إيجابي آخر، لمّا تمَّ إحياء ما كان منسيًا قبل الصحوة الإسلامية وأقبل الناس على إحيائه، هذا الأمر استغرق وقتًا من حياتهم، لذلك في معظم البلدات التي لا يصلي الكثير من الناس فيها، تجدهم في رمضان يصلون ويذهبون لصلاة العشاء والتراويح في المساجد. كذلك الناس في رمضان يحيون صلة الأرحام وما يُعرف عندنا بـ “طبخات رمضان”. هذه أمور إيجابية أراها حدَّت من النشاطات الكبيرة التي كانت تقام في رمضان. أمّا نقاط الضعف-برأيي- فسببها فتور الهمم والتكاسل والضعف في باعث التطور.
في البدايات كان بضع شبان يرتبون كل الكراسي في مهرجان كبير جدًا، كانت همم عالية. وفي مسألة الهمم حدّثني مرة الشيخ صالح أشقر، أنهم في مهرجان الفن الإسلامي الذي أقيم في أم الفحم، كانوا يستعدون لاستقبال الآلاف لإطعامهم وتقديم التشريفات لهم، وقد نفد الخبز، ولم تكن هناك مخابز مثل اليوم باستثناء مخبز للشيخ يعقوب ادريس بالقرب من مسجد المحاجنة، فذهبوا- بحسب الشيخ صالح- إلى المخبز واشتروا كيسًا من الطحين وتداركوا بذلك نفاد الخبز من المهرجان. هذا- يكمل الشيخ رائد- يستوقف الإنسان ويعكس مدى قوة الهمم في تلك الأيام، بينما نلاحظ الآن فتور الهمم. وأذكر بهذا الخصوص قصة أخرى، بطلها الشيخ هاشم عبد الرحمن وكان موكلًا مع عدد من الإخوة لنصب خيمة في مهرجان الفن الإسلامي الثاني في ملعب كرة القدم (منطقة الباطن)، وبطبيعة الحال لم تتوفر في تلك الأيام الإمكانيات لنصب خيمة كبيرة جدًا، من حيث توفير القماش لبنائها، فبادر الشيخ هاشم والإخوة معه بالذهاب إلى المحامص في أم الفحم، وأخذوا ما تيسر من أكياس فارغة وقصوها وقاموا بحياكتها لتشكيل مساحة كبيرة من القماش لبناء الخيمة، ومن اللطائف أن بعض الأكياس كانت مستعملة وفيها بقايا سكر، ما أحدث هجومًا من النحل والصمل والدبابير وما إلى ذلك. المهم نصبت خيمة كبيرة جدًا بالكيفية التي تحدثت عنها وكان المهرجان ناجحًا جدًا تقاطر إليه الناس من كل الأرض المباركة. دعني أقول إن من أسباب انقطاع النشاطات كذلك، هو وهن في الإرادات والميل إلى الدنيا، وضعف بالاستعداد للتطوع، وكأن كل شيء بحاجة إلى مقابل. لا شك أنّ هذه نقاط ضعف انتشرت فينا وهي من الأسباب”.
معلمون.. وأدوارهم المباركة في الصحوة
توقف الشيخ رائد صلاح عند دور عدد من المعلمين والمربين في بدايات الصحوة الإسلامية، ليقول: “لا شك أنه قدر رباني أن الأساتذة الذين سأتحدث عنهم كانوا يعلمون في المدارس في مختلف البلدات العربية، والحمد لله رب العالمين، أكرمنا الله أن يكونوا جزءا من الصحوة، وهم معلمون في مدارسهم على الصعيد الابتدائي والثانوي، حيث لم يكن هناك بعد نظام الإعداديات. كان هؤلاء الإخوة رسلًا وسفراء للصحوة في مدارسهم، وقد مُنع الكثير منهم من التعليم، والبعض فصلوا بسبب الملاحقات السياسية الإسرائيلية”.
وأضاف: “من حصلوا على تثبيت في الرسميات، بقوا في المدارس وكان لهم الأثر المبارك على قطاع التعليم والمدارس، منهم: الأستاذ أحمد بدران من جت، والأستاذ محمد عارف وتد من جت، والشيخ هاشم عبد الرحمن كان له دوره المؤثر، والشيخ أحمد فتحي خليفة، وهو صاحب الفتوح الدعوية في كل النقب ولا يمكن أن ينسى فضله أحد، والأخ عمر صرصور من كفر قاسم، والشيخ كامل ريان، وغيرهم. إذن كانت نخب بأعداد كبيرة وكان لهم آثار طيبة، رغم ما تعرضوا له من ملاحقة وتضييق من السلطات. مثلًا الأستاذ محمد عارف وتد، كان يدرّس في مدرسة للبنات وهي مدرسة “الزهراء”، كان مديرها المرحوم الأستاذ أبو خليل، وفي حينه الأستاذ محمد عارف- ومن أثر تدريسه- أن الكثير من البنات التزمن باللباس الشرعي، وانتقلن إلى الثانوية وتخرجن منها، وبعضهن التحقن بالجامعات. ومن الآثار أنه في البدايات الأولى اجتهدنا أن نقيم حلقات للجيل الصغير في المساجد، فمن شجع الطلاب للالتحاق؟! إنهم هؤلاء الأساتذة من أبناء الصحوة. بعض الأخوات التحقن بركب الصحوة وكنّ معلمات، وبدأ لهن الدور المطلوب في مسيرة الصحوة، منهن: الحاجة عطاف جبارين، والمعلمة جهاد (أم سامح). بالتالي وجود هؤلاء الإخوة والأخوات في ركب الصحوة الإسلامية ساهم بالخير الكثير الذي امتد إلى كل بلداتنا بدون استثناء”.
“الزكاة” في أم الفحم والجلسة الأولى
وتطرق الشيخ رائد صلاح إلى مشهد فيه الكثير من الدلالات الدعوية والاجتماعية في أم الفحم، وهو بداية عمل لجنة الزكاة في البلدة، يقول: “ما دمنا نتحدث عن إضاءات في تاريخ الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، فإنني أسجل في هذا المقام مشهدًا تاريخيًا يتعلق بأول جلسة اجتمعنا فيها لتوزيع أول دفعة زكاة في تاريخ كل لجان الزكاة في الداخل. كانت الجلسة في بيت الأخ عبد اللطيف حماد- البيت القديم- واجتمعت كل اللجنة في تركيبتها الأولى برئيسها الحاج مفيد أحمد، وكان من ضمن العاملين المرحوم الحاج مفضي والمرحوم الحاج محفوظ، والحاج محمد النمر، والحاج عادل البرغل، والحاج عادل الخالد، والحاج زياد الأمين. وكان وقت اجتماعنا بعد صلاة التراويح، وضعنا المبالغ المالية التي نريد توزيعها على العائلات المتعففة في مظاريف، وقد استلم كل واحد قائمة بالأسماء التي سيوزع على أصحابها المظاريف، ثم انطلقنا وقمنا بتوزيع الأموال على مستحقيها في كل الحارات، وعدنا- بحسب ما اتفقنا عليه- إلى بيت الأخ عبد اللطيف حماد قبل موعد السحور، وكانت الزوجة الفاضلة أم محمد (زوج الحاج عبد اللطيف) قد هيأت مكان لقائنا وأعدت لنا السحور. هذا اللقاء وتوزيع الأموال أحدث ردود أفعال إيجابية مباركة في كل أم الفحم، ولم يخل الأمر من بعض منتقدين ممن تعثّر لسانهم”.
شاهد الحلقة هنا