تقرير: مجلس النواب الأميركي يشكل لجنة خاصة بالصين.. هستيريا أم مخاوف مشروعة؟
رويدا رويدا تتصاعد أزمة العلاقات الأميركية الصينية وتتخذ أبعادا جديدة، أحدثها مساء أمس الثلاثاء حين تابع الأميركيون عبر شاشات التلفزيون -على الهواء مباشرة- أعمال لجنة جديدة في مجلس النواب تركز حصريا على التحدي الإستراتيجي الذي تمثله الصين، وذلك خلال ذروة المشاهدة في الفترة المسائية، واستمر البث لمدة 3 ساعات كاملة.
ويستند عمل اللجنة إلى فرضية مفادها أنه بعد سنوات من محاولة دمج الصين سلميا في النظام العالمي بوصفها منافسا وليس عدوا، ينبغي للولايات المتحدة التحول إلى موقف أكثر صرامة، إذ إن الجيل الجديد من القادة الصينيين يحاول تفكيك النظام العالمي الحالي والقانون الدولي.
وتعمدت قيادة مجلس النواب ذات الأغلبية من الجمهوريين اختيار اسم “لجنة الحزب الشيوعي الصيني”، كي تبرز تمييزها بين الشعب الصيني والحزب الشيوعي الحاكم.
ولقى تأسيس اللجنة ترحيبا نادرا من الحزبين، إذ إن العداء تجاه الصين يجمع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في الوقت الذي تختلف فيه مواقفهما جذريا بشأن سائر قضايا السياسات الخارجية والداخلية.
ويترأس اللجنة النائب الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، مايك غالاغر، وتتكون من 13 عضوا جمهوريا و11 ديمقراطيا، في حين يترأس النائب الديمقراطي ذو الأصول الهندية راجا كريشنامورثي الأقلية الديمقراطية باللجنة.
وافتتح النائب غالاغر أعمال اللجنة بالقول إن “التهديد للولايات المتحدة يأتي من الحزب؛ ليس لدينا خلاف مع الشعب الصيني، وغالبا ما يكون الشعب الصيني الضحية الرئيسية لقمع الحزب الشيوعي الصيني”.
في حين ركز كريشنامورثي على ما وصفها بالفرضية الخاطئة التي حكمت العلاقات مع بكين، وقال إنه “على مدى العقود الثلاثة الماضية، قلل كل من الديمقراطيين والجمهوريين من شأن الحزب الشيوعي الصيني، وافترضوا أن التجارة والاستثمار سيؤديان حتما إلى الديمقراطية ومزيد من الأمن في المحيطين الهندي والهادي، ولكن -بدلا من ذلك- حدث العكس”.
أبرز التهديدات الصينية
وأدلى مستشار الأمن القومي السابق إتش آر ماكماستر ونائبه السابق ماثيو بوتينجر بشهادتيهما، وكلاهما خدم في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وتحدثت أمام اللجنة كذلك تونغ يي الناشطة الصينية المنشقة التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، ورئيس التحالف من أجل التصنيع الأميركي سكوت بول.
وركز المتحدثون على إبراز التهديدات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي تمثلها الصين على الداخل الأميركي، وعلى المصالح الأميركية حول العالم.
وتعهدت اللجنة بالتركيز على المخاوف مما وصفته بالعدوان الصيني المتزايد على تايوان، وذلك بعدما عاد منذ أيام أعضاء بمجلس النواب من زيارة سرية إلى تايوان.
ولم تركز الجلسة بشكل خاص على ما تسرب مؤخرا بشأن تقييم وزارة الطاقة الأميركية -بثقة منخفضة- أن جائحة كوفيد-19 نشأت إثر تسرب من مختبر في مدينة ووهان الصينية.
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) كريستوفر راي إن “الوكالة قيّمت أن أصل جائحة كوفيد-19 كان على الأرجح حادث مختبر محتملا في ووهان”. وقال راي لشبكة “فوكس” (Fox) الإخبارية -أمس الثلاثاء- إن عمل مكتب التحقيقات الفدرالي على تحديد مكان نشأة الوباء مستمر، لكن العديد من التفاصيل المتعلقة بالتحقيق لا تزال سرية.
من ناحية أخرى، تشير تقديرات مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن التجسس التجاري الصيني كلف الولايات المتحدة ما بين 225 و600 مليار دولار سنويا، إذ يفتح المكتب تحقيقا جديدا عن التجسس الصيني كل 12 ساعة، وأن معدلات محاولات التجسس ارتفعت بأكثر من 7 أضعاف مقارنة بالسنوات السابقة.
مخاوف من “مكارثية” جديدة
لا تتمتع لجنة الصين الجديدة التابعة لمجلس النواب بسلطة تشريعية، لكن يمكنها إصدار مذكرات استدعاء وعقد جلسات استماع.
وصممت لجنة الصين لإجراء تحقيقات رفيعة المستوى في معظم جوانب العلاقات بين أميركا والصين، مثل مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان، والاستثمارات الأميركية في الصين، والملكية الصينية للأراضي الزراعية داخل أميركا، وتطبيق “تيك توك” (TikTok) وغيره من القضايا التكنولوجية، فضلا عن عمليات النفوذ السياسي للصين داخل الولايات المتحدة، ودور الصين المزعوم في إنتاج مخدر الفنتانيل ونشره.
ويمكن للجنة أن تجعل من الصعب على إدارة جو بايدن إدارة العلاقات مع الصين. وعلى الرغم من أن إدارته لا تُظهر أي علامة على تليين موقفها بشأن القضايا الرئيسية مثل تايوان أو تجارة التكنولوجيا، فإنها لا تريد الصدام مع الصين في كل المجالات.
وتخشى إدارة بايدن من أن تفتح جلسات استماع لجنة الصين -التي تبث تلفزيونيا- الباب أمام تأجيج أعمال العنف وجرائم الكراهة ضد الأميركيين من أصول آسيوية.
لذلك، يخشى بعض المؤرخين أن تدفع أعمال وجلسات اللجنة إلى إحياء إرث إلقاء الاتهامات، وتهيئة المجتمع الأميركي لخلق هستيريا تشبه الهستيريا التي عُرفت باسم “من خسر الصين”، وذلك بعدما نجح الحزب الشيوعي الصيني في السيطرة على مقاليد الحكم في بكين عام 1949.
وخلص تحقيق، أجرته آنذاك اللجنة الفرعية للأمن الداخلي في مجلس الشيوخ، إلى إلقاء اللوم على الأكاديميين والدبلوماسيين ذوي الميول اليسارية، وهو ما أسهم في تأجيج صعود السيناتور جوزيف مكارثي، لتبدأ حينها فترة من المطاردات والاغتيالات المعنوية لمن اعتبروا متعاطفين مع الصين على مدار الخمسينيات من القرن الماضي، وهو ما يعرف باسم “المكارثية”.