أخبار رئيسيةعرب ودولي

انتشار جرائم سرقة ونهب مثيرة في مصر.. هل مقدمة لثورة جياع؟

يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المصريون وتعجز حكومة رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، عن التعامل معها أو وقف امتداد تأثيرها قد تقود مصريين إلى مواجهة واقعهم الصعب بطرق احتيالية.

والخميس الماضي، قام 3 أفراد بينهم سيدة خلال 7 دقائق بالسطو على مكتب بريد مصري بمدينة دمياط الجديدة -صاحبة التاريخ في صناعة الموبيليا التي اندثرت الآن- والسطو على نحو 1.4 مليون جنيه (الدولار نحو 30.54 جنيه رسميا).

وعلى طريقة ما يحدث في السينما والدراما العالمية والعربية فقد قاموا بارتداء أقنعة واحتجاز 3 موظفين، ثم الفرار بعد تقييد فرد أمن شرطة، من المكان القريب جدا من قسم الشرطة، فيما جرى لاحقا توقيفهم.

القصة الثانية، من محافظة الدقهلية المجاورة لدمياط، حيث قام شخص (41 عاما) “مسجل جنائي سرقة” بالاستيلاء على مبلغ 112 ألف جنيه من محل تجاري بمدينة المنزلة، استخدمها لشراء عجلين وذبحهما ووزع لحومهما على فقراء قريته.

وذلك قبل أن يحاول سرقة 10 دجاجات من محل بيع طيور حية ملاصق للمحل التجاري، لكنه جرى القبض عليه لاحقا ليعترف أنه قرر التوبة بعد آخر سرقة، ولذا فإنه اشترى بالمبلغ عجلين وبعض الأرز والبطاطس لتوزيعها مجانا.

وهي الواقعة التي اعتبرها الإعلامي المصري أسامة جاويش، بمقال له، نسخة من رواية الكاتب الفرنسي موريس لبلان، والتي كتبها عام 1907، بعنوان “أرسين لوبين اللص الظريف”.

القصة الثالثة، اجتياح عشرات الأهالي لبعض مقرات معارض “أهلا رمضان” –تعرض بعض السلع التموينية بأسعار أقل من السوق- والحصول منها على السلع والهرب بها، في مشهد تكرر بمحافظتي دمياط والمنوفية (دلتا النيل).

“كانتفاضة 1977”

وفي حديث صحفي، قرأ الأكاديمي والمؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي دلالات تلك الحوادث، وأشار إلى خطورة لجوء المصريين لعمليات السطو والسرقة، واعتبرها مؤشرا على ثورة جياع محتملة.

وقال إن “تلك الحوادث تذكرنا بمظاهرات المصريين عام 1977، التي اندلعت احتجاجا على رفع سعر الأرز والدقيق والسكر والجاز، وساعتها قال السادات (الرئيس الراحل أنور السادات) عنها: إنها انتفاضة حرامية”.

“تحلل الدولة”

من جانبه، قال الكاتب والناشط المعارض حسن حسين: “تلك علامات على تحلل الدولة وعجزها وفقدان ثقة الشعب في قدرتها على القيام بدورها الدستوري”.

وأضاف: “وكذلك، اعتماد كل فرد على نفسه في الحفاظ على نفسه، ورعاية أسرته دون اللجوء لمؤسسات الدولة الفاسدة”، معتبرا أن هذا “ينبئ بقرب انهيار النظام وسقوطه”. لكن حسين، ومع ذلك يعتقد بأنه “لن تكون هناك ثورات”.

“واقع صعب”

ويعاني المصريون من أزمات اقتصادية كبيرة، مع تأزم اقتصاد البلاد الذي تفاقم خلال العام الماضي، مع استمرار سياسة الحكومة المصرية في الاقتراض الداخلي والخارجي لترقيع الموازنة العامة للدولة وسداد فوائد وأقساط ديون خارجية تربو على الـ150 مليار دولار.

وقد كان توجه الحكومة نحو إقامة مشروعات إنشائية وغير إنتاجية وخاصة ما يتعلق بالعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة والجلالة وغيرها، سببا في تراجع الإنتاج وبالتالي زيادة أسعار السلع والخدمات بنسب غير مسبوقة.

وبحسب البنك المركزي المصري، فإن معدل التضخم الأساسي في البلاد وصل 24.4 بالمئة على أساس سنوي في كانون الأول/ ديسمبر 2022، فيما انخفضت قيمة الجنيه خلال نحو عام بمقابل الدولار من نحو 15.60 إلى 30.54 جنيه.

“اختصار معنى الأمن”

الخبير المصري في الإدارة الدكتور هاني سليمان، قال إن “سرقة البنوك أو مكاتب البريد على طريقة السينما الهوليودية جريمة ليست معتادة بمصر، وكونها حدثت مؤخرا عندما اقتحمت عصابة مقنعة لمكتب بريد بدمياط وسرقة الأموال به، يعني في رأيي شيئين مهمين جدا”.

وفي تصريحات صحفية، أضاف: “الأول: هو ما قد يسببه الفقر ببلد يُعرف أنه (آمن) بشكل عام، فقد تجرأ اللصوص المسلحون على سرقة مكتب البريد، رغم وقوعه بجوار قسم الشرطة، أي أن العصابة لم تخش المخاطرة واحتمال فشل عمليتها المسلحة والقبض عليها، وتجرأت على القيام بالسرقة للحصول على غنيمة مكتب البريد”.

والثاني، بحسب سليمان: “هو موضوع (البلد الآمن)، فقد تأكدت العصابة أن الأمن العام منعدم، لدرجة أنها قامت بسرقة مكتب بريد بجوار قسم شرطة، فالمواطن العادي الآن يشعر أن الأمن كله قد اُختزِلَ ليصبح (أمنا سياسيا) فقط”. وتابع: “أي أمن يسعى فقط للحفاظ على بقاء النظام الحاكم ومطاردة المعارضين”.

“مقدمة لثورة جياع”

وعن اجتياح أهال لبعض مقرات معارض “أهلا رمضان” والحصول منها على السلع والهرب بها، قال سليمان: “هو أيضا لم يكن شائعا بالمجتمع المصري، ويؤكد النقطة الأولى التي ذكرتها، وهي انتشار الفقر الذي دفع الناس لسرقة معارض عامة تباع فيها سلع ضرورية وبأسعار معتدلة”.

ويرى أن المعنى هنا أن “هؤلاء الناس أصبحوا غير قادرين على دفع ما يمكن أن نسميه أسعارا معتدلة، لكنها بالنسبة لهم أصبحت غير معتدلة بل أصبحت غير محتملة”.

ويعتقد، أن “قيام شخص بالاستيلاء على مبلغ كبير من محل تجاري، ثم قيامه بشراء بقرتين بالمال المسروق وذبحهما وتوزيع لحومهما على فقراء قريته، فهذا يعكس محاولة ساذجة من السارق لنشر ما يعتقد أنه عدالة اجتماعية بين أبناء قريته”.

ولفت إلى أنه “بالتأكيد شعر بفقر وحاجة هؤلاء القرويين، فهداه تفكيره الساذج للقيام بما قام به، ولم يردعه حذر ولا خوف من القيام بالسرقة، وهذا ربما يؤكد أيضا على مفهوم انعدام الأمن العام وقسره على الأمن السياسي”.

سليمان، يرى أن “الحوادث كلها تعكس التدهور الاقتصادي الذي يحدث لمصر بوتيرة متصاعدة، وهذا أمر خطير جدا، ليس فقط لأنه ينذر أو يهدد بثورة جياع لا تُبقي ولا تذر، لكنه يعني أيضا أن هؤلاء الجياع لن يخيفهم بعد الآن أمن أو شرطة أو جيش”.

وأضاف: “وهم قد لا ينتظرون قيام ثورة أو انتفاضة كبيرة، بل ربما لو قامت بعض المظاهرات والتي قد تكون قليلة العدد ويمكن السيطرة عليها أمنيا، لكن هؤلاء الجياع سينتهزونها ويستخدمونها بالسرقة والسلب والنهب وربما التخريب والتدمير”.

ويرى أنها قد تكون، “نكاية في النظام الذي أفقرهم وذلهم، بل حتى قد لا ينتظر هؤلاء الجياع تلك المظاهرات ليقوموا بما ينوونه، وبالتالي فعلينا توقع انتشار عمليات السرقة والنهب والتخريب والتدمير بمناطق مختلفة من مصر، دون خوف من أمن أو نظام أو سلطة”.

“دليل العجز والإفقار”

وفي تقديره لتلك الأوضاع، قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري، في حديث معه: “للأسف يمر الأغلبية العظمى من المصريين بأوقات اقتصادية صعبة عند البعض ومريعة عند البعض الآخر”.

وأكد أن “مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بصرخات ربات البيوت واستغاثات أرباب الأسر، ونجحت سياسات الإفقار في دفع الأغلبية الصامتة من المصريين للتعبير عن عجزهم في توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة”.

ولفت إلى أن “التضخم والفقر والبطالة والانهيار الاقتصادي أصبحت سمة المرحلة”، مشيرا إلى أنه “ومع القبضة الأمنية الباطشة لأي احتجاجات سياسية أو اقتصادية، تفشت ظاهرة الانتحار، وزادت جرائم السرقة والاختلاس وسلب المال”.

وأوضح أنه “رغم سيطرة الدولة على وسائل الإعلام والتنبيه على غض الطرف والتخفيف من إبراز الجرائم الجنائية ذات البعد السياسي والاقتصادي، إلا أن ذلك لم يمنع من زيادة حدة جرائم وظواهر سلبية جديدة تعكس الأوضاع المتدهورة للأسر شديدة الفقر”.

“المحزن والخطير”، من وجهة نظر فخري، أن “تلك الجرائم مرشحة للزيادة والارتفاع والتكرار طالما بقى النظام بسياساته الاقتصادية التي تدير ظهرها لأغلبية المصريين وخصوصا الطبقة الدنيا”.

وفي النهاية لا يرى أن “الأمر سيؤدي إلى ثورة يقودها جياع، ولكن إذا حدثت ثورة سيلحق بها الجياع والمطحونين والمقهورين والمظلومين وستكون مزلزلة تحدث قوة تدميرية ودوى وتغيير من الصعب تصوره”.

“جرائم مماثلة”

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، رصد بعض النشطاء والمعارضين المصريين بعضا من مواقف السطو والسرقة المثيرة للجدل في الشارع المصري، وبينها ما نشره السياسي والمحامي الحقوقي عمرو عبد الهادي، عبر صفحته بـ”تويتر”.

وأشار إلى واقعة هروب 3 شباب من مطعم دون دفع فاتورة طعامهم البالغة نحو 800 جنيه.

واستعرض البعض مقطع فيديو لبعض الأهالي يتعاركون على كرتونة بها بعض المواد الغذائية. وأيضا واقعة لشخص يبدو أنه من الطبقة الوسطى حيث يمتلك سيارة، لكنه ومع ذلك فقد قام بسرقة 24 كيلو لحوم من أحد الجزارين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى