أخبار رئيسية إضافيةمقالات

يبزغ الخير من ثنايا الشر

ساهر غزاوي

 

هي صورة مشرقة تجلت للتلاحم والتكاتف والتعاضد في حملات استجابة سريعة، رسمية وشعبية، أمام هذا الحدث الجلل الذي تهتز له القلوب وتقشعر له الأبدان جرّاء ما أصاب البشرية من كارثة جغرافية خلفت عشرات آلاف القتلى والمصابين في لحظات، وهي صورة مشرقة لمعاني الإنسانية التي خيمت على الأجواء أمام حجم الكارثة الهائل والأرقام المفجعة عن الضحايا والمصابين والعالقين جرّاء الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وسوريا.

هذا التضامن الإنساني مع ضحايا الزلزال المدمر الذي تجاوز حدود العالم العربي والإسلامي، حمل العديد من الأوجه والدوافع واختلاط السياسي بالإنساني، وإن كانت نتيجته واحدة، غير أن ما يهمنا في هذا المضمار هو التضامن والتعاطف الإنساني من دافع الإيمان ومن دافع من يسكنه الشعور بالواجب الديني والإنساني تجاه المنكوبين والمتضررين من قساوة الكوارث والفواجع الطبيعية ومن قساوة الكوارث والفواجع التي يحدثها البشر، ومن دافع من يتحرك دون أي أجندات أو حسابات أخرى، ومن دافع التكامل الإنساني غير المجزأ والعابر للحدود الجغرافية والوطنية والقومية والعرقية، ومن دافع من ليس في قاموس مصطلحاتهم وأدبياتهم وأخلاقهم أن هناك جزءا يستحق التضامن وجزءا آخر يستحق الشماتة أو التجاهل والتعامي تجاه الكوارث التي تنتابهم!!

ربما يكون حجم المساعدات الدولية المقدمة لتركيا وسوريا يفوق بكثير ما تقدمه الجمعيات والهيئات الإنسانية الشعبية، غير أن الحضور الأبرز في مضمار سباق الدعم وتقديم مساعدات إغاثية عاجلة هو للجمعيات والهيئات الإغاثية من فلسطين المنكوبة ومن أراضي الـ 48 على وجه الخصوص، وهذه الهبّة الإغاثية السريعة والواسعة ليست جديدة على فلسطين عامة وعلى الفلسطينيين في الداخل خاصة، بالرغم مما يعانوه من تمييز ممنهج من ناحية قانونية واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية ومما يجابهوه، أفرادا وجماعات، من تمييز عنصري شامل في غالبية مجالاتهم الحياتية.

فلا عجب أن أول حملة إغاثية سريعة وعاجلة لتقديم المساعدات الإنسانية لشعب كوسوفو الذي تعرض لحرب التطهير العرقي في التسعينيات من القرن المنصرم، وصلت من مؤسسة إغاثية تابعة للفلسطينيين في أراضي الـ 48، ولا عجب أن العمل الإغاثي الإنساني في أراضي الـ 48 متقدم كثيرًا على غيره من المؤسسات والجمعيات الإغاثية في مختلف المناطق، وهو دائما في المقدمة ولا يتأخر عن تقديم المساعدة وتخفيف معاناة الشعوب، فمثل هذه الأعمال يصدقُ فيها قولًا وعملًا حديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام القائل: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). وقوله عليه الصلاة والسلام: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

هذا الدور المبارك لهذا الحراك الإغاثي الإنساني الرّحماني في فلسطين بهذا الزخم الكبير، هو امتداد تاريخي يعود لطبيعة هذه الأرض وفضائلها ودلالة البركة فيها التي تحيط بالمسجد الأقصى وذلك مثال لقوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير). مع الإشارة المهمة إلى أن البركة هنا تتحدث عن الأرض ذاتها ولا تمنح بالضرورة لسكانها وأهلها قدسية إلا لمن حرص على تلمس هذه البركة واستشعرها وعرفها وعمل وبذل في ذلك من وقته أو ماله أو جهده، فقد جاء أن “الأرض المقدسة لا تقدس أحدًا وإنما يقدس الإنسان عمله”.

في النهاية، فإنه كما قيل: “يبزغ الخير من ثنايا الشر”، فقد أظهر هذا الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا الأمل في خيرية الأمة في التكاتف والتعاضد الكبيرين، وأظهر أنها أمة حيّة لا تزال كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأظهر التحرك العاجل للضمير الإنساني العالمي، وقد أظهر رسوخ الإيمان في نفوس أهل الشام من خلال طلبهم العون من الله وحده وصبرهم على مصابهم الكبير، وأظهر الدور المبارك والبارز للشعب الفلسطيني في أراضي الـ 48 الذي يثبت مرة تلو الأخرى أنه عصي على الأسرلة والصهينة والانسلاخ من ثوابته ومبادئه وقيميه وأخلاقه وعصي على الانسلاخ من دوائر انتمائه الفلسطيني والعروبي والإسلامي، وأظهر هذا الزلزال حقيقة هذا الشعب الذي يسكنه الشعور بالمسؤولية والواجب الديني والإنساني ولسانه حاله يقول: إذا القوم قالوا مَن فتى؟ خلت أنني عُنيت فلم أكسل ولم أتبلَّدِ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى