الطفل السوري يزن غاضب في سرّه من النجاة… تعرفوا إلى قصته
رغم مرور أكثر من عشر سنوات على الحرب في سوريا، يندر سماع قصة موت كل أفراد عائلة في واقعة واحدة، باستثناء طفل كتب له مصير النجاة، لكن هذا ما حصل للطفل يزن إثر كارثة الزلزال، في قصة يتناقلها الناس الذين ذاقوا ما ذاقوا في مناطق شمال غربي البلاد.
يُمضي يزن محمد الشب البالغ أربع سنوات وقته ممدداً بلا حركة كبيرة على سرير في مستشفى إدلب الجامعي، ويشرد في استخدام هاتف خليوي يحمله بيده غالباً. ومن ينظر إليه قبل أن يسمع قصته ويتفاعل معها يشاهد طفلاً يشبه بقية الأطفال في حركاته وتصرفاته، لكن من يسمع قصته لا يتمالك نفسه عن الجلوس فوراً أمامه لمعرفة أدق تفاصيلها.
نجا يزن من زلزال 6 فبراير/ شباط الذي ضرب تركيا وسورية، لكنه كان الوحيد الذي كُتبت له الحياة بين أفراد عائلته الذين قضوا تحت ركام منزلهم في مدينة حارم بريف إدلب (شمال غرب). ونجح عناصر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في الوصول إليه بعد تنفيذ مهمة إنقاذ بين الأنقاض تواصلت لمدة 25 ساعة.
وُلد يزن في مدينة حارم حيث عاش مع أهله الذين دفنت كارثة الزلزال أحلامهم وأجسادهم تحت ركام منزلهم في بناء انهارت طوابقه على رؤوس السكان، وهو ما حصل لأبنية كثيرة تداعت في مدينة حارم التي تأثرت بالزلزال المدمر أكثر من غيرها، علماً أن الجهات المعنية بشؤون المدينة أحصوا تهدم أكثر من 392 منزلاً فيها، واستشهاد نحو 500 شخص وجرح 1140.
يقول محمد، وهو ابن خال يزن الذي يرافقه في المستشفى : “وجد عناصر الإنقاذ يزن في أحضان والده الذي قد يكون ساعده في الصمود لمدة 25 ساعة، بينما قضى والده ووالدته وأخواه. وأصيب يزن برضوض عدة، أخطرها في قدميه المهددتين بالإصابة بالتهابات في حال عدم تنفيذ تدخل جراحي.
ويضم مستشفى إدلب الجامعي أكثر من 360 من الناجين الجرحى الذي أنهك ضغط الركام أجسامهم، ومعظمهم كانوا ينتظرون دورهم للخضوع لعمليات جراحية، وأحدهم يزن الذي توضح الكدمات على وجهه حجم المعاناة التي عاشها قبل أن تصل إليه فرق الإنقاذ، في حين تخبر عيناه الغاضبتان حكايات أخرى لا يمكن فهمها.
وخلال وجوده في المستشفى لم ينشغل يزن بالألعاب التي فوق سريره والتي بدا أنها لا تعني شيئاً له، ربما لأنه يريد أن يخبر محيطه بأنه أكبر من أن يتلهى بألعاب الصغار، أو لأنه لا يشعر بحجم الفقدان حالياً لأن عمره الصغير لا يسمح باستيعابه ما حصل.
وربما يقول يزن في سرّه أيضاً أنه لو نجحت فرق الإنقاذ في إخراجه مع أفراد عائلته في اليوم الأول من الزلزال لتواجد أهله قربه، وأنهم تخاذلوا لساعات طويلة، كما تخاذلت التدخلات والمساعدات الأممية والدولية التي ظلت بلا أي أثر لأيام عدة في المناطق المنكوبة شمال غربي سورية.
ولدى اقتراب شخص من يزن تتغير نظراته فوراً، وتخبر بأنه شخص غير مرغوب به. وقد يفكر الزائر بأن يزن أصابته فوبيا من عدسات الكاميرا، أو بان الوقت الطويل الذي قضاه تحت الأنقاض غيّر طباعه وتصرفاته في شكل جذري بعيداً عن تلك الاعتيادية للأطفال المليئة بالحركة والفرح.
وقد يسرح خيال هذا الزائر إلى الإحساس الذي واجهه يزن حين كان جسده محاطاً بالركام تحت الأنقاض، وبرودة المكان وعتمته وقساوة الحجارة وحديد البناء، علماً أن هذا الإحساس قد يخنق حتى من يفكر به، لكن الأهم في قصة يزن حالياً أنه حي.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع عدة لأطفال جرى إنقاذهم من تحت الركام، وترافق إخراجهم مع فرح عارم وصراخ وهتافات تكبير، كأنهم وُلدوا للتو لكن بطريقة مختلفة من رحم الركام وليس من رحم الأمهات.
وقد فقد عشرات الأطفال من ضحايا الزلزال، ذويهم أو أفراداً في عائلاتهم، ما سيعرضهم لتحديات عدة في حياتهم القادمة، وتعطي الإحصاءات الأولى لأعداد القتلى والمصابين صورة أولية عن حالة آلاف الأطفال الذين سيواجهون مستقبلاً صعباً إذا لم تتحرك منظمات إنسانية وجهات دولية لرعايتهم.
وتقول المسؤولة في المجلس الدنماركي للاجئين سماح حديد: “نعلم من خلال كوارث مماثلة، أنّ الأطفال عرضة لخطر نفسي شديد بسبب حجم الصدمة”. وتوضح أنّه “من الشائع جداً أن يعاني الأطفال في هذه المرحلة من كوابيس متكررة، والمهم الآن أن يتواصل هؤلاء الأطفال مع أحبائهم ويحظوا بحماية ودعم”.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تأثر أكثر من 7 ملايين طفل بينهم 2,5 مليون في سورية بالزلزال، و”بالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد، فقد العديد من الأطفال أهاليهم، والرقم سيكون مرعباً”.