في “هذه شهادتي”: الشيخ رائد صلاح يتابع حديثه عن بدايات الصحوة الإسلامية..
- استحضار مواقف ومحطات منها الطريفة لكنها- وفق الشهادة- تميَّزت بالفهم الوسطي للإسلام والالتزام العملي في تطبيق الأركان والشعائر ومتطلبات النهوض بالمشروع الإسلامي
طه اغبارية، عبد الإله معلواني
تواصل صحيفة “المدينة” وموقع موطني 48 التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”.
في الحلقة الثامنة من “هذه شهادتي”، استأنف رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا في العام 2015 ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، حديثه عن بدايات الصحوة الإسلامية، مستحضرًا مواقف ومحطات منها الطريفة لكنها- وفق الشهادة- تميزت بالفهم الوسطي الواحد للإسلام والالتزام العملي في تطبيق الأركان والشعائر ومتطلبات النهوض بالمشروع الإسلامي.
بصمات مباركة
مجددًا، تطرق الشيخ رائد صلاح إلى دور- وصفه بالمبارك والمؤثر- عدد من الدعاة والمشايخ من الأراضي المحتلة عام 67، في بدايات الصحوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، مستحضرًا الاسم الأول لأحد الدعاة وهو “الشيخ نصوح” قال إنه ربما من قرية رامين بالقرب من مدينة طولكرم، وأشار إلى تأثير “الشيخ نصوح” على جمهور النساء في العديد من البلدات العربية فيما يخص الدروس التي ألقاها في المساجد عن اللباس الشرعي، هذا إلى جانب مساهماته على الصعيد الدعوي العام. كذلك ذكر أسماء كل من: الشيخ إبراهيم أبو سالم، والشيخ خضر سوندك، والشيخ بسام جرار، مشيدًا بجهودهم في بدايات العمل الإسلامي، علمًا أن الحديث هنا يدور عن حقبة السبعينيات.
الشيخ أحمد ياسين في أم الفحم
إلى ذلك، روى الشيخ رائد صلاح واقعة حصلت معه وكان لا يزال طالبًا في كلية الشريعة، وفيها التقى لأول مرة مع المرحوم الشيخ أحمد ياسين وكان ضمن وفد من قطاع غزة يزور أم الفحم.
يقول: “كنت في عطلة دراسية من التعليم في كلية الشريعة، ووصلني خبر أن وفدًا من قطاع غزة يزور أم الفحم وهم الآن في مسجد الجبارين، ذهبت إلى المسجد وحين دخلت وجدت عددًا من الإخوة من أم الفحم جلسوا مع الوفد، بدأت أصافحهم فردًا فردًا، حتى وصلت أحدهم ومددت يدي، إلا أنَّه في المقابل لم يمد يده ونظر إليّ مبتسمًا، وأنا من جانبي أكملت مصافحة الآخرين وكنت أتساءل، لماذا امتنع هذا الرجل عن مصافحتي، فلما سألت عن اسمه قيل اسمه “أحمد ياسين” وهو مشلول نتيجة حادث وقع له، حينها فهمت أنه لم يقوَ- بسبب مرضه- على مصافحتي واكتفى أن ابتسم في وجهي”.
وأضاف: “كانت هذه أول مرة يحضر فيها الوفد إلى أم الفحم، وكان معهم عدة كتب من بينها كتاب “قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله” وقد قرأته بعد ذلك بطبيعة الحال. ثمّ كانت زيارة للوفد برفقة الشيخ أحمد ياسين، وأذكر أنهم جاؤوا للمشاركة في عرس الشيخ أحمد فتحي خليفة، وكان الشيخ أحمد ياسين من ضمن المتحدثين، ولا زلت أذكر أن الشيخ سليمان “أبو سيف” حين نودي على الشيخ ياسين لإلقاء كلمته من قبل العريف- وكان الشيخ هاشم عبد الرحمن- ذهب إليه وحمله إلى المنصة لأنه كان مقعدًا على كرسي عجلات. بعد كلمة الشيخ أحمد ياسين- وكانت حول الفكر الإسلامي والمبشرات- تفاعل الناس مع الكلمة بالتصفيق، فما كان من الشيخ عبد الله نمر درويش الذي كانت كلمته هي التالية في حفل العرس، إلا أن أبدى ملاحظة على التصفيق وقال للحضور: “أرجو إن أعجبكم الكلام أن تقولوا “الله أكبر ولله الحمد”، لأن التصفيق- كما قال- لا يتناسب مع الفكر الإسلامي. بناء على ذلك- يضيف الشيخ رائد- بدأ الناس في الأعراس الإسلامية والمهرجانات يرددون التكبير بين الفقرات”.
موقف مؤثر للشيخ درويش
وفي موقف آخر من المواقف الدّالة على الالتزام الدعوي، وكان صاحبه المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش، يتابع الشيخ رائد: “في مرة من المرات في يوم جمعة، كنَّا في أم الفحم على موعد مع الشيخ عبد الله نمر درويش لخطبة الجمعة في مسجد “قباء” (مسجد الشيكون)، وخشينا يومها ألا يحضر الشيخ عبد الله للمسجد، فقررنا زيارته ليلة الجمعة، في كفر قاسم، للتأكيد على الموعد، وكنت في تلك الزيارة برفقة الشيخ رشاد ووالده رحمه الله، وصلنا إلى منزل الشيخ عبد الله، فأخبره الشيخ رشاد عن سبب الزيارة في هذا الوقت من الليل وأنه أحضر معه والده كي يحثه على القدوم إلينا في الغداة، فتأثر الشيخ عبد الله كثيرًا لمَّا رأى والد الشيخ رشاد، الرجل الكبير في السن، وقال لنا: “سامحكم الله أحضرتم الوالد معكم حتى آتي؟! لو طلبتم أحد أبنائي لأعطيته لكم. لا شك- يكمل الشيخ رائد- كان لهذا الموقف من المرحوم الشيخ عبد الله دلالات كبيرة جدًا، وهي تذكرة لكل أبناء المشروع الإسلامي في كيفية التعاطي مع المشروع في كل مسيرة حياتنا”.
مَعالِم البدايات
تميزت بدايات الصحوة الإسلامية- وفق الشيخ رائد- بمعالم مشرقة ساهمت في ترسيخ المشروع والفكر الإسلامي في الوجدان الشعبي، ووصف تلك المرحلة بأنها كانت “مرحلة استماع والتزام وتنفيذ”، موضحًا: “كما تحدثنا في حلقة سابقة عن إقبال النساء على اللباس الشرعي فور إلقاء الدروس والمواعظ عن الموضوع، كذلك الأمر في باقي المسائل، فمثلًا في مرة من المرات خطب الجمعة عندنا في أم الفحم الشيخ عبد الله نمر درويش قبل أسبوع من عيد الأضحى المبارك، وتحدث عن سُنّة إقامة صلاة العيد في مصلى وميدان خارج المسجد، وفعلًا بعد الخطبة دعونا إلى صلاة العيد في الملعب القديم (منطقة الباطن)، صحيح أن عدد من شاركوا في صلاة العيد خارج المساجد كان قليلًا، لكن هذه السُّنّة باتت دارجة لاحقًا وجمعت كل أهالي أم الفحم وانتشرت في كل البلدات. مثال آخر- يتابع الشيخ رائد- بالنسبة لمسألة الالتزام، كان فيما يخص حرمة الربا وويلاته حيث قام الإخوة في بدايات الصحوة الإسلامية من فورهم بالذهاب إلى البنوك وسحب أموالهم وأوقفوا معاملاتهم معها. كذلك في مسألة العقيقة، كنت تجد مع كل مولود إقامة العقائق لإحياء تلك السّنّة. وأيضا في مسألة صلاة التراويح التي كانت متروكة ولا تقام في المساجد في شهر رمضان، فلمّا حث الدعاة على إحياء هذه السّنّة في بدايات الصحوة، امتلأت المساجد لصلاة العشاء والتراويح في رمضان. ركن الزكاة كان معطلًا وكذلك صدقة الفطر، لكن بعد التعرف على حكم الزكاة وصدقة الفطر، أقيمت أول نواة للجنة الزكاة في أم الفحم في عام 1976، كان الاقبال في البدايات متواضعًا، لكن بحمد الله تعالى ازداد مع السنوات إقبال الناس في كل الداخل الفلسطيني على إخراج زكاة أموالهم والصدقات مع تشكيل لجان الزكاة، وقد كان أثرها ولا يزال رائعًا ومباركًا. كما لا أنسى من ضمن معالم بدايات الصحوة الإسلامية، عملية ترميم وبناء المساجد، ففي أم الفحم- على سبيل المثال- كانت هناك أربعة مساجد في الحارات الأربع، ومع بداية الصحوة الإسلامية بُني مسجد “قباء” (الشيكون)، ثمّ بُني مسجد الخلايل وهي مناسبة لنترحم على الحاج أحمد مصطفى شريم الذي كان صاحب التمويل الأول لبناء مسجد الخلايل. بعد ذلك ازدادت المساجد في كل الحارات وهي تتجاوز اليوم الـ 30 مسجدًا في أم الفحم. في منطقة النقب كان في البدايات يوجد 4-5 مساجد في كل النقب واليوم يزيد عددها على الـ 120 مسجدًا”.
عن معالم البدايات تابع الشيخ رائد قائلًا: “هناك أكثر من صفة يمكن أن أطلقها على تلك البدايات، أولًا: أن النفوس كانت مستعدة للالتزام والتنفيذ، فرغم العلم الشرعي القليل والثقافة الإسلامية المتواضعة حينها، إلا أن الالتزام العملي كان كبيرًا إلى جانب العطاء والتضحية والإخلاص، ولهذا كان أثره الكبير على بداية إضفاء أجواء إسلامية على مسيرة الفرد والمجتمع في تلك الأيام. ثانيًا: كان مصدر التلقي واحدًا شكّلته الصحوة وفق خطاب الوسطية وفهم الإسلام والقرآن والسّنّة، بالتالي لم يتشوش الناس، بل كانوا يسمعون خطابًا واحدًا مكن لهم سلامة الفهم للموقف الإسلامي الواحد الذي كان سائدًا في كل مناطق الداخل الفلسطيني، لم تكن هناك بذور اختلاف وانشقاق وتعدد الآراء والجدل الساخن، لأن الصحوة الإسلامية اجتهدت أن تعيش آلام وآمال الناس، أحزانهم وأفراحهم وطموحاتهم، فحملت كل هذه الأوضاع التي عاشها مجتمعنا واحتضنتها وسارت بالأهل إلى بر الأمن والأمان، وأوجدت الحلول للعديد من المشاكل التي كانت ترهق مسيرة مجتمعنا، فكانت هناك مساهمات لجان الزكاة والمكتبات الإسلامية وصناديق دعم الطلاب ومعسكرات العمل الإسلامي للمساهمة في إعمار بلداتنا. بالتالي فإن كل هذه المعالم لبدايات الصحوة الإسلامية كان لها أثر راسخ في مسيرة المشروع الإسلامي وتمدده في كل أنحاء الداخل الفلسطيني”.
“عرفتك من لحيتك”
يروي الشيخ رائد موقفًا طريفًا حدث معه ومع الشيخ سليمان أبو شقرة “أبو سيف”، حين زارا في مرة من المرات قرية زلفة لإلقاء درس في مسجدها، وبعد الدرس أرادا العودة إلى أم الفحم ولم تتوفر حينها مواصلات عامة فاضطرا للسير على الأقدام حتى مفرق اللجون، وكان ذلك اليوم يوم سبت وأغلب السيارات المتجهة إلى أم الفحم ليهود في طريق عودتهم من يوم استجمام، وبعد طول انتظار دون أن تتوقف لهم سيارة، يقول الشيخ “قررنا السير على الأقدام حتى أم الفحم، وما أن باشرنا السير عدة أمتار حتى توقفت إحدى السيارات على جانب الطريق وكان مَن فيها مِن أم الفحم، وإذ بأحد راكبيها يخرج رأسه من السيارة وينادي الشيخ سليمان باسمه، فلمَّا ركبنا قال له: “عرفتك من لحيتك”.
في اللد
في سياق المواقف الطريفة المرتبطة بطبيعة العمل الإسلامي في بداياته وجهود حامليه، يكمل الشيخ رائد صلاح ويتحدث عن موقف آخر يوم زار مع الشيخ إبراهيم عبد الله والمرحوم إبراهيم بيادسة (أسير سياسي سابق) من باقة الغربية والمحامي عبد المالك دهامشة من كفر كنا (أسير سياسي سابق)، مدينة اللد، للمشاركة في مهرجان إسلامي بناء على اقتراح بيادسة التواصل مع الأهل في اللد ضمن جهود العمل في بدايات الصحوة الإسلامية. يضيف الشيخ رائد: “كان شهر رمضان، وصلنا اللد، وكانت هذه أول مرة أزور فيها مدينة اللد، دخلنا المسجد الكبير، ولم نجد أحدًا، فقلنا لعل الناس يأتون إلى المسجد، بعد الإفطار، ولأننا نريد أن نفطر لم نعرف ماذا نفعل غير أنَّ الشيخ إبراهيم عبد الله أحضر معه طعامًا هو عبارة عن خبز وبطاطا مقلية، فأفطرنا بعد صوم على مائدة الشيخ إبراهيم. بعدها انتظرنا الناس حتى أتى بعض الإخوة من اللد، وقلنا لهم: لقد جئنا للمشاركة في المهرجان. فردّوا علينا أن المهرجان غدًا وليس اليوم!”.
في “الشيخ دنون”
في واقعة أخرى، يضيف الشيخ رائد: “دعينا مساء يوم جمعة إلى بلدة “الشيخ دنون” بالقرب من مدينة عكا، لإلقاء موعظة في إحدى القاعات، وصلنا إلى القاعة مكان اللقاء، ولم نجد إلا شخصًا أو اثنين بانتظارنا!! سألنا أين الناس، فقال لنا الإخوة: نعتذر منكم لأن الناس في هذا الوقت يشاهدون “الفيلم العربي” الذي تبثّه كل يوم جمعة القناة الإسرائيلية (التلفزيون الإسرائيلي)، ولكن بعد انتهاء الفيلم سيأتي الناس، وفعلًا انتظرنا ثم قدم الناس وامتلأت القاعة، وألقينا الموعظة”.
التحريض الإسرائيلي على الصحوة
يؤكد الشيخ رائد صلاح أنه مع بدايات الصحوة الإسلامية، لفتت انتباه الإعلام الإسرائيلي، وكتبت مقالات عن الصحوة من باب التحريض، حيث نُعتت بمصطلح “الخمينيين” نسبة إلى الخميني في إيران، رغم أنه- يضيف- لم يكن هناك أي ارتباط بين الصحوة وبين إيران كما توهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية، فالصحوة سبقت ما حدث في إيران عام 1979. غير أن الإعلام العبري تبنى مصطلح “الخمينيين” كخطاب تحريضي على الصّحوة وهي في مهدها”.
شاهد الحلقة هنا