وقفة مع الزلزال المدمر
ساهر غزاوي
أمام “فاجعة القرن” زلزال تركيا وسوريا المدمر، وأمام هول الموقف وفداحة الكارثة، وقد تخطى مجمل عدد الضحايا الذين سقطوا جرّاء الزلزال المدمر 11 ألف إنسان (حين كتابة المقال) وعشرات آلاف الجرحى، لا يسعنا في هذه المقام إلا أن ندعو الله العلي القدير أن يلطف بالشعبين التركي والسوري ويجبر كسرهم وأن يكون لهم عونا ونصيرا وأن يرحم موتاهم ويتقبل شهداءهم ويشفي مرضاهم ويدفع الله عنا وعنهم البراكين والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن.
مثل هذه الفواجع والكوارث المدمرة لا يمكن التنبؤ بها ولا توقعها، فهذا الزلزال المدمر الذي وصفته وسائل إعلام تركية بـ “فاجعة القرن”، والتي أشارت أيضًا إلى أن الكسر الأول في صدع شرق الأناضول تعادل قوته قوة 30 قنبلة ذرية، ما أسهم في دمار كبير في سوريا وشعرت به العديد من البلدان المجاورة.
الزلزال ظاهرة طبيعية ولا تسبقه أية أحداث تمهيدية على الإطلاق، ولا يمكن توقع وقوعه في أي وقت في المستقبل القريب، وأكثر ما يمكن فعله فقط هو حساب احتمال وقوع زلزال كبير في منطقة معينة خلال عدد معين من السنين، بحسب خبراء المسح الجيولوجي، لذا فإن البشر بكل ما يمتلكونه من قدرات وإمكانيات مادية وعلمية وتكنولوجية هائلة لا يستطيعون منع وقوع الزلزال ولا تجنب الدمار الأعمق من الدمار الإنساني والاقتصادي والحياتي الذي يحدثه الزلزال.
بَيْدَ أن دور البشر في مثل هذه الحالات، يبدأ ما بعد هذه الفاجعة الإنسانية وما يترتب عليها، ويبدأ في الالتفات الرحيم لحوائج الناس والمبادرات الخيرية وإيصال المساعدات وإرسال المعدات والفرق إلى مناطق الكارثة التي أحدثها الزلزال المدمر، إلى جانب تكاتف جهود المواطنين والدولة لتخطي هذه الظروف الصعبة وتضميد الجراح قدر الإمكان. وهنا يبرز دور الهيئات والجمعيات الإغاثية الإنسانية المحلية في أراضي الـ 48 إلى جانب العديد من الهيئات والجمعيات الإغاثية الدولية الأخرى التي هبّت جميعها لإطلاق حملات إغاثية عاجلة لتقديم الدعم بالاحتياجات اللازمة لمتضرري الزلزال.
هذه الهيئات والجمعيات في أراضي الـ 48 التي لها البصمات البارزة في حملات إغاثية عاجلة وضخمة نفذتها عبر سنوات طويلة، لا سيّما في المخيمات السورية، لإغاثة النازحين المتضررين من قسوة الشتاء والبرد في الشمال السوري، وإنهاء معاناة قاطني الخيام، معظمها تحظى بثقة كبيرة من أبناء مجتمعنا الفلسطيني. هذه الثقة مكَّنتها من الاستمرار والتواصل في القيام بالدور الإغاثي الإنساني العابر للحدود والجغرافيا والهوية الوطنية والقومية، وما كانت هذه الهيئات والجمعيات الإغاثية لتصل إلى ما وصلت إليه لولا أن مجتمعنا معطاء وكريم وصاحب نخوة وشهامة ومروءة ويناصر المظلوم ويحق الحق لصاحبه ويعرف عناوين أهل الثقة والوفاء والأمانة وأصحاب الأيادي البيضاء والرصيد الكبير في العمل الخيري والإنساني ليأتمن هذه العناوين على أمواله وصدقاته وتبرعاته لتصل إلى مستحقيها.
لذا، لا تستطيع أية جمعية أو هيئة إغاثية في أراضي الـ 48 أن تظن نفسها أنها لوحدها في هذا الميدان، فالواقع يقول غير ذلك، والواقع يقول إن هناك جمعيات لا تظن نفسها أنها وحدها في الميدان وأعمالها ومشاريعها الضخمة تتحدث عنها. وقد أسرَّني كثيرًا ذاك المسؤول في إحدى الجمعيات الإغاثية في مقابلة إذاعية معه حول ما تقوم به جمعيته من حملات إغاثية عاجلة لما قال: “جمعيتنا مع جهود جمعيات أخرى في الداخل الفلسطيني تبذل الجهود الكبيرة لإيصال المساعدات العاجلة لمتضرري الزلزال في الشمال السوري”. ولم يقل نحن حميدان الذي وحده في الميدان!!
ختاما، لا شك أن تركيا كدولة مؤسسات وقيادة وشعب لديها القدرات والامكانيات وقادرة على تخطي هذه الظروف المأساوية بأسرع وقت ممكن، وتركيا دولة خيرها سابق في تقديم الإغاثات العاجلة في المناطق والبلدان التي تعرضت لكوارث وفواجع طبيعية مدمرة، وتركيا دولة قوية تفرض احترامها فرضًا على المجتمع الدولي، لذا فإن عشرات الدول بما فيها أوروبية، هبّت بفرقها الطبية المتطوعين وبفرقها المختصة لمواجهة الكوارث والفيضانات للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ…الخ. وبما أن تركيا مشغولة بمصيبتها، وتبقى مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام السوري، مناطق تعاني من تردي الخدمات قبل وقوع الزلزال، وهي أكثر من يحتاج إلى المساعدات الإغاثية العاجلة. فمحنة السوريين المستجدة جرّاء الزلزال المدمر أضيفت لمحنتهم الطويلة في البحث مجددًا عن خيام تؤويهم بعد الدمار الواسع في المنطقة، كما أنَّ المدة المقدرة لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض مجهولة، نتيجة عدم وصول مساعدات إلى المنطقة وقلة فرق الإنقاذ قياسا مع حجم الكارثة… والله المستعان.