أكثر أحياء القدس استهدافا بالاستيطان.. لماذا تعد عملية سلوان حساسة بالنسبة للإسرائيليين؟
في أقل من 24 ساعة ترجم المقدسيون غضبهم على المجزرة التي نفذتها قوات الاحتلال في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية واستشهد فيها 9 فلسطينيين، عبر عمليتي إطلاق نار، انتهت الأولى مساء الجمعة بمقتل 7 إسرائيليين وإصابة آخرين، في حين نفذ فتى يبلغ من العمر 13 عاما الهجوم الثاني في بلدة سلوان المجاورة للمسجد الأقصى.
وبينما كان القاصر المقدسي يتجول في المكان، ذكرت المصادر الأمنية الإسرائيلية أنه أشهر سلاحه تجاه مستوطنيْن، ووقعت العملية في حي وادي حلوة أكثر أحياء بلدة سلوان اكتظاظا بالمستوطنين، وأسفرت عن إصابة اثنين منهم بجروح وصفت بالخطرة.
بقوة الاحتلال
ويلاصق حي وادي حلوة السور الجنوبي للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك، ويمتد على مساحة 750 دونما (الدونم ألف متر مربع)، ويبلغ عدد سكانه نحو 6500 مقدسي، وفقا لعضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان فخري أبو ذياب الذي أشار إلى أن 1217 مستوطنا يعيشون في 56 بؤرة استيطانية في الحي ذاته.
وبالإضافة إلى المستوطنين الذين يقطنون بقوة الاحتلال في هذا الحي، فإن ألف مستوطن آخر يعملون موظفين في ما تسمى “مدينة داود” الاستيطانية، أو عمالا ومراقبين وحراسا في البؤر الاستيطانية التي يقيمونها على أنقاض بيوت الفلسطينيين وأراضيهم، ويقضون ساعات طويلة في الحي يوميا.
إلى جانب ذلك، تهدد الحفريات الإسرائيلية أسفل هذا الحي العديد من المنازل، وبسببها يقول أبو ذياب إن 128 منزلا باتت مهددة بالانهيار، بالإضافة إلى 5 منازل مهددة بالاستيلاء بذريعة “قانون أملاك الغائبين” الإسرائيلي، و11 أخرى تسلمت أوامر هدم بحجة “البناء من دون ترخيص”.
تغلغل استيطاني منذ عقود
وتعد “مدينة داود” أكبر وأخطر المشاريع الاستيطانية الجاثمة أعلى أراضي حي وادي حلوة، وهي مدينة استيطانية أُسّست عام 1986 على مدخل بلدة سلوان جارة المسجد الأقصى، وتتبع لجمعية “إلعاد” الاستيطانية التي تختص بسرقة العقارات وتشرف على حفر الأنفاق والسيطرة على ما فوق الأرض وأسفلها في هذه البلدة بالتحديد.
ووفقا للباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى رضوان عمرو، تتبع لهذه الجمعية فرق من المرشدين والأدلّاء السياحيين، وتشرف على سلوان، كما تسيطر على القنوات والأنفاق السفلية باتجاه المسجد الأقصى.
وتفتخر إسرائيل بأن “مدينة داود” تستقبل نحو مليون سائح أجنبي وإسرائيلي سنويا كمحطة أساسية خلال زيارتهم للقدس واقتحامهم الأقصى مرورا بحائط البراق.
وتروّج الجماعات الاستيطانية فكرة أن هذا الجزء من سلوان هو “مدينة داود”، وتُخلط الكثير من المسائل التاريخية من أجل تقديم الرواية اليهودية بعد تعمّد تدمير كثير من المراحل الإسلامية وتجاهلها بحثا عن طبقات تاريخية يهودية مزعومة.
ورغم أن أعمال الحفر مستمرة منذ سنوات طويلة حتى الآن، فإن الاحتلال لم يعثر على أي أثر يدل على “الهيكل” المزعوم الذي يدّعون أنه يشير إلى يهودية المكان.
وتُعد بلدة سلوان من أكثر بلدات القدس استهدافا بالاستيطان عبر المشاريع التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية مباشرة، أو عبر الجمعيات الاستيطانية وعلى رأسها “إلعاد” و”عطيرت كوهانيم”.
ووفقا للباحث في شؤون الاستيطان أحمد صب لبن، فإن البلدة مستهدفة بـ10 مشاريع استيطانية منها ما نُفّذ، ومنها ما ينتظر المصادقة عليه في دوائر التخطيط والبناء الإسرائيلية.
وتطرق الباحث إلى مشروع موقف “جفعاتي” للسيارات الذي يتكون من 6 طوابق ويضم أيضا مركزا تجاريا ضمن أعمال توسعة لمشروع “مدينة داود” الاستيطاني.
وسيتاخم هذا المبنى سور البلدة القديمة التاريخي ويتساوى معه في الارتفاع، وهو ما يخالف أطر التنظيم والبناء الإسرائيلية نفسها التي تمنع تشييد مبان ملاصقة للأسوار التاريخية تضاهيها في الارتفاع أو تفوقها وتحجب الرؤية عنها.
وكذلك مشروع آخر تسعى إسرائيل من خلاله لربط غربي القدس بشرقيها ويستهدف وادي حلوة، هو “القطار الهوائي” الذي سينقل السياح بين شطري المدينة ويؤثر بشكل أساسي على حيي وادي حلوة ووادي الربابة ببلدة سلوان.
جحيم الحياة بين المستوطنين
ومنذ بدء التغلغل الاستيطاني في حي وادي حلوة عبر الاستيلاء على عقارات المقدسيين، تحولت حياة أهالي الحي إلى جحيم بجوار المستوطنين الذين يضيقون وحراسهم فسحة العيش يوميا في هذا الموقع الإستراتيجي القريب من البلدة القديمة في القدس.
وتأتي عملية إطلاق النار التي استهدفت المستوطنين أمس السبت على بُعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى وساحة البراق التي يؤدي فيها اليهود صلواتهم وطقوسهم التوراتية، لتعمّق أزمة المؤسسة الأمنية بعد العملية في مستوطنة “النبي يعقوب” مساء الجمعة التي ما زالت تتصدر حديث وسائل الإعلام والمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي.
ولا يمكن فصل عملية إطلاق النار الأخيرة في سلوان عن استيلاء سلطات الاحتلال على “أرض الحمراء” الواقعة في نهاية حي وادي حلوة قبل نحو شهر، وعن محاولات السيطرة الكاملة على عين سلوان التاريخية قبل نحو أسبوع.
ويعيش في بلدة سلوان نحو 59 ألف مقدسي وفقا للناشط فخري أبو ذياب، ويحيط خطر التهجير القسري بنحو 7 آلاف و500 منهم يعيشون في 6 أحياء، وهؤلاء مهددون إما بهدم منازلهم بحجة البناء دون ترخيص أو بطردهم لمصلحة الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية.