عائلات بأكملها خلف القضبان.. الاعتقال الجماعي سلاح إسرائيل للتنكيل بالفلسطينيين
“غير ولادتهم، لم أشارك أبنائي طوال حياتي فرحتهم بأي مناسبة اجتماعية من نجاح في الثانوية العامة أو تخرج من الجامعة أو زواج أو غير ذلك، وبعضهم لم أجتمع به خارج السجن منذ 10 سنوات، بل إن لحظات الفرح في بيتنا تكاد تكون معدودة”.
بهذا الوصف الموجز اختصر الأسير الفلسطيني المحرر عدنان الحصري (أبو بكر) حكايته وأبنائه الذين يتناوب الاحتلال الإسرائيلي على اعتقالهم في سجونه، وهو حال تعيشه كثير من الأسر الفلسطينية بأكملها، والذي قد يطال 3 أو 4 أو كل أفراد العائلة أحيانا، وغالبا ما يكون الاعتقال إداريا (دون ملف اتهام ظاهر أو وقت محدد للإفراج) وهدفه تكدير عيش العائلة.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أفرج الاحتلال عن الحصري الأب (60 عاما) من اعتقاله الأخير الذي مكث فيه 14 شهرا، وقبل الإفراج بأيام اعتقل نجله مصعب (32 عاما) وحوّله للحبس الإداري الذي جدّده له دون سبب.
ويقول أبو بكر الحصري، بصوت بدا صلبا رغم حزن عميق يتملكه وعائلته “لقد بدأ مسلسل الاعتقال ولم يتوقف، والاحتلال لا يريدنا سويا خارج السجن بأي شكل”.
نحو 12 عاما قضاها أبو بكر الحصري في السجون الإسرائيلية بدأت عام 2004 كلها في الاعتقال الإداري، كما اعتقل نجله بكر (35 عاما) قبل أن يُبعده إلى الأردن الذي غادرها إلى السعودية بحثا عن عمل فاعتقل لسنة ونصف السنة فيها.
ثم أفرج عنه وأعيد إلى الأردن ثانية، ويهدده الاحتلال بالاعتقال حال قدومه للضفة الغربية التي يغيب عنها منذ 10 سنوات، أما شقيقه مصعب فقد اعتقل لأكثر من 7 سنوات، كما اعتقلوا الأبناء رفقة والدهم لدى أجهزة الأمن الفلسطينية وقضوا أشهرًا طويلة.
غياب الاحتفالات
وتحت وطأة عشرات الاعتقالات والاقتحامات للمنزل وتخريب أثاثه تعيش عائلة الحصري متحملة قهر الاحتلال وصلفه، ولم يعش الأب أي مناسبة سعيدة مع أولاده، ولم تجمعهم سويا أي فرحة، لدرجة أنه لم ير ابنته الصغرى بزي المدرسة (المريول) أو يرافقها صباحا لمدرستها كأي أب ولو مرة واحدة.
ويضيف أبو بكر الحصري: لقد توفي أبي وأمي وأنا بالمعتقل، كما أصبت بعدة أمراض مزمنة نتيجة الاعتقالات المتكررة، ناهيك عن معاناة العائلة اقتصاديا، حيث يتعمد الاحتلال اعتقال الأب أو الابن أو الاثنين معا، لكي ينصب جهدهم على “مصروف البيت” فقط، وكيفية تحصيله.
ولهذا تتناوب فدوى خضر وزوجها عدنان على العمل بمحل ملابس للأطفال وسط طولكرم لحظة غياب نجلهم مصعب الذي يقوم بالمهمة ذاتها عقب الإفراج عنه، إذ لا يكاد يجد وظيفة بشهادته الجامعية كمهندس بناء والتي استغرق سنوات طويلة لنيلها لكثرة اعتقاله.
وتقول فدوى إن كثرة الاعتقال أعياها وواجهت وحدها مهمات جساما، لأنها اعتادت تحمل مسؤولية بيتها وأولادها، والآن توسع العبء وصارت مسؤولة عن الأبناء وزوجاتهم وأبنائهم.
ويعزو أبو بكر الحصري اعتقاله وأبنائه والكثيرين إلى اعتقاد الاحتلال بأن اعتقالهم يعني “تغييبهم عن أي عمل وطني، وبالتالي ضمان الهدوء في الضفة الغربية لفترة طويلة”.
سلاح التشتيت
نفس المعاناة واجهتها عائلة عيسى حمدان من قرية الشواورة بمدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية باعتقال الاحتلال أبناءها السبعة ووالدهم، وقضوا أكثر من 30 عاما مجتمعة بسجونه.
معاناة العائلة ترجع لسبب أخبرهم به ضابط المخابرات الإسرائيلية صراحة ولأكثر من مرة بقوله “لا نريدكم مع بعضكم، داخل السجن وخارجه، فأنا غير مرتاح لهدوئكم أو اجتماعكم سويا”، كما يقول الأسير المحرر محمد حمدان للجزيرة نت.
وحتى داخل السجن لم يسمح الاحتلال باجتماعهم سويا منذ أن بدأ باعتقالهم قبل عقدين، إلا مرة واحدة عام 2015.
وبهذه الاعتقالات تفاقمت معاناة الأشقاء وعائلاتهم، وتكدر عيشهم ولم تصف حياتهم بفرح، وترتب عليهم عمل (حالة طوارئ) تقوم على التناوب برعاية عوائل بعضهم.
وهذه مهمة “شاقة” يضيف حمدان وتحتاج لجهد كبير خاصة إذا اجتمع أكثر من معتقل في آن معا، كما هو الحال الآن، حيث يعتقل الاحتلال 3 منهم الآن وأفرج عن الرابع منذ وقت قصير.
واعتقلت إسرائيل، وفق بيان لمؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، 7 آلاف فلسطيني خلال عام 2022، بينها 882 حالة اعتقال للأطفال و172 للنساء.
أطفال بلا أب وأم
كما غيَّب الاحتلال عائلات بأكملها في سجونه أو اعتقال مجموعة من أفرادها فقط، كما هي حال عائلة الأسير نضال أبو غلمي وزوجته لينا من قرية بيت فوريك شرق مدينة نابلس اللذين اعتقلا قبل أشهر وتركا طفلتيهما نايا ونتالي (8 أعوام) تصارعان قسوة العيش وحدهما.
وأوكلت مهمة رعاية الطفلتين إلى خالتهم وجدتهم لأبيهم، ورغم تكرار هذا المشهد جراء تعدد الاعتقالات للزوجين وقضائهم سنوات عدة بات يصعب وصفه خاصة مع أول أيام الدراسة، حيث يودع الآباء أطفالهم أو يوصلونهم بمركباتهم للمدرسة، كما يقول يوسف أبو غلمي عم الطفلتين للجزيرة نت، ويضيف “هذا تدمير للعائلة وتفريق شملها”.
ويعتقد الاحتلال أن التركيز على عائلات بعينها باعتقالها أو التضييق عليها بمختلف الوسائل يمكنه من ضبط أي عمل مقاوم ضده كون أن النشاطات النضالية تنبثق عنهم بالدرجة الأولى.
ويقول علاج الأعرج، وهو باحث بشؤون الأسرى وأسير محرر، إن الاحتلال استخدم فعلا الاعتقال الجماعي للأسرة ككل أو لمجموعة من أفرادها معا أو بالتناوب كنوع من الانتقام والعقاب للمجتمع أو الأسرة أو حتى المنطقة الجغرافية.
كما يتخذ الاحتلال من الاعتقال الجماعي وسيلة للضغط على الأسير خاصة بمرحلة التحقيق، فقد يعتقل والدي الأسير أو أشقاءه وأبناءه.
ويرى الأعرج أن الأخطر هو ما يمارسه الاحتلال داخل السجن بأن يعاقب العائلات المعتقلة بعزلها عن بعضها، ويقول إن ما كان عشوائيا قبل عملية الهروب من سجن جلبوع (نفق الحرية) عام 2021 أصبح منظما، حيث اتخذت إدارة السجون الإسرائيلية بتوجيه الشاباك قرارًا بمنع الأشقاء وأفراد العائلة المصغرة من الالتقاء داخل المعتقل، سواءً في المعيشة داخل قسم واحد، أو في الالتقاء أثناء زيارة الأهل، بل ويمنع المعتقل من الزيارة في حال السماح لشقيقه بها.