كيف تنعكس بطولة كأس الخليج على العراق بعد غياب 43 عاما؟
أثارت بطولة “خليجي25” التي تستضيفها مدينة البصرة جنوب العراق، العديد من التساؤلات حول انعكاس هذا الحدث الرياضي الأضخم للدول المطلة على الخليج العربي، على الجوانب السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية في العراق بعد غياب دام 43 عاما.
انطلقت بطولة كأس الخليج بنسختها الـ25 في 6 كانون الثاني/ يناير الجاري، من مدينة البصرة العراقية بمشاركة ثمانية منتخبات مثلت كلا من (العراق، السعودية، الإمارات، قطر، سلطنة عمان، الكويت واليمن) والتي ستستمر حتى الـ19 من الشهر نفسه.
فرصة ذهبية
وتعليقا على ذلك، رأى الخبير في الشأن السياسي العراقي، علي البيدر، أن “هذه البطولة بوابة لاستعاد مكانة العراق إقليميا على أقل تقدير وعليه أن يستثمر هذه الفرصة في المجالات كافة، خصوصا بعدما أثبت البلد قدرته على تنظيم هذا الحدث”.
ورأى البيدر أن “الحدث الرياضي ييمكنه تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن العراق من الأطراف الخليجية، وكذلك فهو يجعل العراق يعيد النظر في علاقاته مع العرب على اعتبارهم الأقرب من الجميع سواء من الناحية الجغرافية أو في الجوانب القومية”.
وأكد الخبير العراقي، أن “مجرد قبول المشاركة في البطولة، يدل على حسن نوايا البلدان تجاه العراق، ورغبتهم في استعادته إلى الحضن العربي بعد فترات من القطيعة نتيجة سياسات النظام السابق أو حكومات ما بعد 2003 التي كانت لها موافق سلبية ومتشنجة أو متحفظة مع المحيط العربي سواء بسبب ظروف الاحتلال أو النفوذ الإيراني”.
واعتبر البيدر أن “هناك اليوم فرصة ذهبية للتواجد ثانية ضمن المنظومة الخليجية من خلال نافذة كأس الخليج، فالتخوف الذي كان لدى المنطقة الإقليمية بشكل عام والخليجيين خصوصا جرى تبديده من خلال التجربة العملية بعد زيارة الوفود والجماهير الخليجية وحتى عناوين نخبوية، ومنها استثمارية، والتي رأت أن الواقع العراقي مختلف تماما عن الصورة المنقولة، وأن البصرة مدينة قادرة على احترام مشاريع استثمارية وتنموية”.
وأكد البيدر أن “جلب الاستثمار هو أمر يتوقف على قدرة الحكومة العراقية على توفير بيئة استثمارية مناسبة وتوفير حماية المستثمرين وأموالهم التي سوف تحضر وحتى العاملين والخبراء الأجانب”.
وأشار إلى أنه “إذا نجحت حكومة البصرة بالتعاون مع الحكومة الاتحادية حتى من خلال ترويض السلاح والتشنج العشائري والعمل على الحوار الجاد مع تلك الأطراف الخارجة على القانون، فممكن أن نشهد واقعا استثماريا مختلفا خصوصا بعد ما لمسته الأطراف الخليجية داخل البصرة أثناء تواجدها بشكل حضوري مباشر”.
وتابع: “حتى من يحمل السلاح عندما يكون أمام مسؤولية تمثل منعطفا أخلاقيا أو وطنيا فقد نجده يغير رأيه في هذا الجانب، لذلك يفترض أن تعمل الحكومة منذ اليوم على تجاوز الكثير من العقبات التي رسمت صورة مغايرة عن البصرة في ذهنية الآخرين”.
ولفت البيدر إلى أن “الدور اليوم ملقى على عاتق مؤسسات البلاد الإعلامية أيضا، في أن تنقل الوجه المشرق للبصرة وكل مدن العراق بعيدا عن عمليات التسقيط الممنهجة ومحاولة فرض إرادة معينة عن طريق البرامج ونشرات الأخبار والتقارير التي تصنع صورة مشوهة عن البلاد ومدنها المختلفة”.
بداية ترويجية
وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي العراقي نبيل العلي إن “هذه المناسبة لها أبعاد عديدة، وقد يكون البعد الاقتصادي واحدا من أهم الأبعاد، إذ جرت البطولة بعد قطيعة العراق اجتماعيا وسياسيا امتدت إلى ثلاثة عقود، لم نشهد فيها نوعا من الزيارات المتبادلة خصوصا على المستوى الاجتماعي”.
وأضاف العلي أن “هذه المناسبة الرياضية يمكن أن تساهم في كسر الصورة النمطية عن العراق ومدنه والأوضاع الأمنية فيه، ومدى تقبل العراقيين لإخوانهم العرب وغيرها من القضايا التي شوهتها الدعاية المتقابلة خلال العقدين الماضيين”.
وأكد الخبير الاقتصادي أن “البطولة يمكن أن تفتح آفاقا جديدة، وخصوصا على المستوى الاقتصادي والتعاون الاستثماري، من خلال جذب الاستثمارات الخليجية، إذ من الممكن أن يعيد المستثمرون الخليجيون النظر في التقدم نحو العراق، لأن رأس المال يبحث عن أرضية مناسبة وبيئة آمنة، ويمكن أن تحققها مدن العراق وعلى رأسهم البصرة”.
وعن العائدات المتوقعة من كأس الخليج25، قال العلي: “حتى الآن لا توجد أرقام تقريبية بخصوص مردود البطولة، لكننا نتوقع أن ليس لها أثر اقتصادي واضح، لأن بضعة آلاف من الزائرين قد لا يمثلون شيئا إذا ما قارناها بحجم الإنفاق الذي أنفقته الحكومات على البنى التحتية في البصرة وإنشاء المدن الرياضية وغيرها من القضايا”.
وأعرب العلي عن اعتقاده بأن “الأثر الاقتصادي للبطولة سيكون في قادم الأيام، لأن ما جرى هو أشبه بالعملية الترويجية لجذب الاستثمارات وزيادة العلاقات الاقتصادية وحتى السياسية والاجتماعية، فاليوم الزائرون من بلدان الخليج فرحون ومنبهرون بأوضاع المدينة وترحيب أهالي البصرة بهم”.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن “تسهم هذه البطولة في كسر العزلة التي عاشها العراق منذ حرب الكويت في تسعينيات القرن العشرين، والتي لم تكن فقط مع دول الخليج، وإنما مع الدول العربية الأخرى، حيث لم نكن نشهد تبادلا في الزيارات بين العراقيين وباقي شعوب هذه الدول”.
وهذه هي المرة الأولى، التي ينظم فيها العراق دورة كأس الخليج، منذ تنظيمه النسخة الخامسة للبطولة في عام 1979، قبل أن يحرم البلد من استضافة مباريات كرة القدم الدولية بسبب غزو الكويت والأحداث الأمنية في مرحلة ما بعد عام 2003.