رب اجعل هذا البلد آمنا
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
كثيرة هي النِعَم والمطالب التي نتمنى على الله تحقيقها لنا، وقد تقسم هذه الأمنيات إلى قسمين، قسم خاص بالشخص نفسه وقسم عام يعم جميع البلد، فقد يتمنى أحدنا أن يرزقه الله مالا وفيرا من حيث لا يحتسب، ويتمنى آخر حكمة وذكاءً خارقا، وآخر بيتا كبيرا وزوجة جميلة، وقد يتمنى آخر فوزا مبهرا لدولته في أي نوع من التحديات وقد يتمنى آخر تحريرا ونصرا لوطنه المحتل وأرضه السليبة ويتمنى كل فرد بما يهمه.
ولكن يجب علينا أن نعلم أنَّ هنالك نعمة من أعظم النِعَم العامة التي تطلبها كل المخلوقات، ألا وهي نِعمة الأمن التي بدونها لا يمكن تحقيق أية نعمة أخرى والاستمتاع بها، فكيف لنا أن نستمتع بأموالنا على سبيل المثال والأمن مفقود في البلد وقطاع الطرق في كل مكان- قطاع الطرق يتمثلون في يومنا هذا بآخذي الخاوة، واللصوص- وكيف لنا أن ننعم بأنفسنا وقد يخرج أحدنا من بيته ليعود مقتولا بالخطأ أو بغير الخطأ تحت ذرائع إجرامية بحتة لأن قتل النفس قد حرمته جميع الشرائع إلا بالحق. وكيف لنا أن ننعم بالاستقرار والهدوء المجتمعي ومروجي المخدرات يملؤون الزوايا لبيعها لأبنائنا وتدمير جيل كامل وإدخالهم في بؤر المخدرات والحشيش. وكيف لنا أن ننعم بأسر دافئة متآلفة وشبح مخاطر “السوق السوداء” يهدد استقرار أسرة من تعاطى مع السوق السوداء وأسر أقربائه.
هذه بعض الصور التي تهدد الأمن على المستويين الشخصي والعام. ومن خلال هذه الأمثلة يتضح لنا أنَّ الأمن أكبر وأعظم نعمة يحتاجها الإنسان، لذلك فقد كانت مطلب الأنبياء على حد سواء. فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام عندما جعل أهله بواد غير ذي زرع دعا الله قائلا: رب اجعل هذا البلد آمنا وأرزق أهله من الثمرات، فبدأ مطلبه بالأمن ذلك أن وجود نعمة الأمن أساس لوجود باقي النعم، فلا يعقل لبلد غير آمن ومستقر أن يكون مكانا مناسبا لحياة مزدهرة ومتطورة أو حتى مناسبا لنمو وتطوير هذا البلد، فالأمن يحقق الاستقرار والازدهار. وهذا نبينا محمد صلوات ربي عليه وسلامه يخبرنا: (من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا). وهنا يقدِّم رسولنا الهادي كذلك نعمة الأمن على الصحة والطعام لما للأمن من أهمية في تسيير أمور حياتنا.
ونحن بدورنا علينا أن نبذل قصارى جهدنا في تحقيق الأمن على المستوى الشخصي والعائلي والمجتمعي، من خلال عودتنا لتحكيم شرع الله وتطبيق منهاجه في كافة أمور حياتنا، وإنكار هذا الظلم وهذا التعدي على حدود الله وحدود الإنسان، وأن يتحمل كل فرد منَّا مسؤوليته في تغيير هذا الواقع المرير، بشتى الطرق والوسائل المتاحة (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). فإنَّ ما نعانيه اليوم من فقدان للأمن والأمان ما هو إلا نتيجة ذنوبنا ومعاصينا، وقد ضرب لنا الله عز وجل العديد من الأمثلة عن أمم وأقوام كانوا ينعمون بالأمن والاستقرار والخيرات لكنهم لعصيانهم أوامر الله عاقبهم الله: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ). وفي المقابل فمن يؤمن بالله ويعبده حق عبادته فإن جزاءهم الأمن والرزق الكثير: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
ولكن مع كل ما نعانيه من فقدان للأمن إلا أن بشرى رسول الله صلى الله عليه سلم تهدئ من روعنا وتطمئننا أن هذا الحال سيتغير بإذن الله إذا ما عدنا إلى رشدنا وهدينا حيث قال: (وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
نسأل الله أن يتحقق هذا الأمر وننعم بنعمة الأمن والأمان ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين كان يستقبل كل بداية شهر فيدعو هذا الدعاء: اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.