المقدسي عبد اللطيف الحسيني.. أحد أفضل 100 ألف باحث في العالم

جمان أبو عرفة

“حياتي تدور حول محور واحد وهو الأمانة، فالعلم أمانة وأداؤها لا يكون إلا بنشرها، والتعليم أمانة، والطلاب أمانة من أضاعها أضاع مستقبل الأمة”، هكذا لخص الباحث المقدسي عبد اللطيف الحسيني حياته، وهو الذي صُنف ضمن أفضل الباحثين في العالم بمجال الصحة العامة وعلم الأوبئة، ويشغل اليوم منصب نائب رئيس جامعة بيرزيت للشؤون المجتمعية.

والحسيني (56 عاما) وُلد ونشأ في مدينة القدس المحتلة، ودرس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدرسة المطران، والثانوية في كلية الأمة، وهو متزوج ولديه 5 أبناء، وجدّ لحفيدين.

الرتب العلمية

بدأ الباحث المقدسي رحلته الجامعية بدراسة الطب المخبري وحصل على درجة البكالوريوس فيه من إحدى كليات المهن الطبية التابعة لجامعة القدس في فلسطين عام 1986، ثم نال الماجستير في علوم الحياة من جامعة إنديانا الحكومية بالولايات المتحدة الأميركية عام 1990.

وحاز بعدها الماجستير أيضا في الصحة العامة من جامعة ويلز بالمملكة المتحدة عام 1995، وختم بدرجة الدكتوراه في علم الأوبئة والطب الوقائي من جامعة أوسلو في النرويج عام 2002.

وتخصّص الحسيني في الصحة العامة مع تركيزه على علم الأوبئة، ومعظم أبحاثه المنشورة في المجلات المحكّمة تدور حول البُعد الوبائي للأمراض غير المعدية والعوامل المتعلقة بها، خاصة السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسمنة والتدخين. ويعمل أحيانا على أبحاث الأمراض المعدية الهامة، ولديه عشرات الأبحاث المنشورة (أكثر من 60)، وآلاف الاستشهادات العلمية منها.

الإنجازات

وتزامنا مع مشواره العلمي والأكاديمي، بدأ الحسيني حياته العملية محللا مخبريا في وزارة الصحة السعودية، ثم عمل في بنك الدم بمستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في القدس، ثم مشرفا على مختبر المركز الصحي العربي في المدينة ومديرا له لاحقا، ومدرسا للمختبرات الطبية في مركز تدريب المرأة بمدينة رام الله، ثم مدرسا في جامعة بيرزيت شمال رام الله، حيث تدرّج في الرُتب الأكاديمية كمحاضر، ثم أستاذ مساعد، ثم أستاذ مشارك، ثم أستاذ، وأخيرا أصبح نائبا لرئيس الجامعة للشؤون المجتمعية منذ يوليو/تموز الماضي حتى اليوم.

خارج فلسطين، أسهم الحسيني في مبادرات أخرى كالعمل لمدة 3 سنوات في جامعة قطر، حيث شارك في تطوير برنامج البكالوريوس في الصحة العامة، وكان مؤسسا رئيسا في إنشاء ماجستير الصحة العامة فيها، وكان له إسهام ملحوظ في إنشاء كلية العلوم الصحية هناك أيضا.

26 عاما في جامعة بيرزيت

امتدت مسيرة الحسيني في جامعة بيرزيت منذ نحو 26 عاما حتى الآن، تبوأ خلالها العديد من المناصب الإدارية، مثل مدير برنامج ماجستير الصحة العامة الذي شارك في تأسيسه عام 1996، ومديرا لمعهد الصحة العامة والمجتمعية وهو أحد أهم مراكز البحث الصحي في فلسطين والجوار.

ويقول في حديث معه إنه حظيّ بإشراف مباشر من رائدة الصحة العامة في فلسطين الأستاذة ريتا جقمان، التي أغنت بحثه وعمقت تجربته.

من أفضل الباحثين في مجالاتهم

وأظهرت قاعدة بيانات حول تقييم الإنتاج العلمي للباحثين، التي أعدتها جامعة ستانفورد بالتعاون مع مؤسسة (إلسفير) العالمية للنشر، تصنيف الباحث الحسيني إلى جانب أكاديميين آخرين من جامعة بيرزيت ضمن أفضل 100 ألف باحث في العالم، ومن أعلى 2% من الباحثين في مجالاتهم الفرعية، وجاء تصنيفه هذا أكثر من مرة آخرها في سنة 2021.

يقول الباحث المقدسي “بالنسبة لي، أهمية هذا التصنيف محدودة، وأعتبر مساهمتي البحثية الأكبر في نجاحي بدراسة الأمراض غير المعدية في فلسطين والعالم العربي، ثم نجاحي بنشر مقالين عن الأمراض المعدية في فلسطين كمؤلّف أول، وفي العالم العربي كمؤلف مشارك بإحدى أهم المجلات الصحية والطبية في العالم وهي مجلة لانست (The Lancet). والأهم من ذلك كله اللحظة التي يخبرني بها أحد طلابي أنه فهم مسألة، أو أدرك مفهوما بعد نقاشي معه”.

من عائلة عريقة

ينحدر الباحث من عائلة الحسيني، إحدى أعرق العائلات في مدينة القدس، وجده لأبيه هو عبد اللطيف بن ممتاز الحسيني، الذي ولد إبان العهد العثماني عام 1906، وكان من رواد التربية والتعليم في فلسطين والأردن، وتتلمذت له أجيال عديدة، كما أسس مكتبةً شخصية في القدس تضم أقدم المخطوطات وأثمن الكتب، إلى جانب أن قائد معركة القسطل الشهيد عبد القادر الحسيني كان من أصدقائه المقربين.

يتحدث الباحث الحسيني عن عائلته بافتخار قائلا “ساهمَت في الدفاع عن القدس وفلسطين بإرثها الحضاري العربي الإسلامي المسيحي، وبتاريخها النضالي الوطني والقومي والإسلامي، وقد ورثتُ حب العلم والتعليم من أجدادي الأولين؛ فكانت في بعضهم مشيخة المسجد الأقصى، وفقهاء ومفتو القدس ومن أبرز أشرافها، واشتغل والداي في التعليم سنين طويلة، ولكن قد يكون الأثر الأكبر لجدي -عبد اللطيف- الذي سميت باسمه”.

“كان رحمه الله صاحب رسالة مؤمنا بأن التعليم هو السبيل الأمثل لردم الهوة بين الشرق والغرب، فبذل فيه جهده وعمل على الوصول به إلى المستوى الأفضل، فغرس ذلك في نفسي. ولا أنسى حرصه على توجيهي للجمع بين حب الوطن والشغف بالعروبة والانتماء للإسلام، في تناغم فطري”.

“بوصلتي القدس”

لا يقتصر اهتمام الباحث الحسيني على تخصصه وعمله، بل يهتم أيضا بدراسة التاريخ وعلوم الفقه والتفسير، وكل ما يتعلق بالقدس وحضارتها وناسها وأنسابها وأوقافها وحجارتها.

كما أسهم بشكل فاعل في العمل المجتمعي المقدسي، عبر المجالس والأندية والمدارس والجمعيات. ويصف نفسه قائلا “بالمختصر أنا مقدسي من الجذر إلى الرأس، ومن ظاهر الجلد إلى نخاع العظم”.

وبلغة فصيحة وكلمات مبينة، يعبّر الحسيني عن مكانة القدس والعلم في قلبه، قائلا “القدس تعني لي الدنيا، وهذا مما تعلمته من جدي رحمه الله، فحياتي تدور حول محور واحد وهو الأمانة، فالعلم أمانة وأداء هذه الأمانة لا يكون إلا بنشرها، وفلسطين -وعلى رأسها القدس- أمانة، فبوصلتي تشير إلى القدس دائما أينما حللت وارتحلت، وكل بوصلة لا تشير إلى القدس خاطئة”.

وأضاف “أردد قول الشاعر أبي سلمى:

أجلْ إنّي من القدسِ

وفيها قد نما غرسي

عريق المجدِ والأنساب

مشدودٌ إلى الشمسِ

بها أختالُ في الدنيا

وأمشي رافع الرأسِ”.

المصدر : الجزيرة