هجمة عنصرية على المجنّسين السوريين في تركيا
الإعلامي أحمد حازم
أنا شخصيًا أقيّم أي دولة سياسيًا من خلال موقفها من القضية الفلسطينية ومدى دعمها لها في أروقة الأمم المتحدة، وأنا أيضًا مع الأقلام النظيفة النقية التي تدافع بوضوح عن قضيتي الفلسطينية بشكل خاص وعن الشعوب العربية (ولا سيما المظلومة المضطهدة) بشكل عام. ولذلك أقولها بصوت عال: أنا مع تركيا أردوغان شاء البعض أم لم يشأ، لأن مواقفه إزاء فلسطين وشعبها مواقف مشرفة على جميع الأصعدة، وكما ذكرت في مقال سابق (إن ابن الحرام اللي بنسى المعروف).
قد يقول قائل: إن أردوغان غيّر سياسته تجاه إسرائيل إيجابيًا، وأعاد معها كافة العلاقات والاتفاقيات، بمعنى أنه تصالح مع دولة “قانون القومية”. نعم هذا صحيح. من ناحية منطقية كل دولة لها خصوصيتها ونهجها السياسي، وممنوع التدخل فيه. الأهم هو سياسة الدولة التركية لم تتغير فلسطينيا، وهذا ما أعلنه الرئيس التركي عدة مرات. ليس من حق الفلسطيني أن يفرض على دولة أخرى نهجًا معينًا لأن كل دولة لها مصالحها وسياستها.
لكن المفروض بالدولة التركية، أن تراجع ما تنشره مراكز أبحاث تركية من تقارير مسيئة للشعب العربي وخصوصًا تقارير ضد اللاجئين السوريين في تركيا، والتي وصلت في مضمونها حد العنصرية. فالشعب السوري المضطهد من نظام دولته نظام آل الأسد، لا يجوز الكتابة عنه في تركيا أردوغان بشكل عنصري بغيض. نحن ضد كل أشكال التمييز العنصري بحق الشعوب أينما وجد هذا التمييز إن كان سياسة دولة أو مواقف أفراد أو في تقارير مراكز أبحاث. والغريب في الأمر أن نشم رائحة هذه العنصرية من مركز أبحاث في تركيا التي نحترمها ونكن لقيادتها وشعبها كل احترام.
صحيفة “اندبندت” البريطانية اختارت لرئاسة تحريرها باللغة التركية الصحفي التركي محمد زاهد جول مدير “مركز شرقيات للبحوث”. ونحن نعرف أن هذه الصحيفة لها توجهات غير مريحة للعرب بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، والتعامل مع هذه الصحيفة له شروط سياسية معينة، فما بالك إذا كان المنصب قي هذه الصحيفة هو منصب رئيس تحرير. على كل حال كان هذا مجرد إشارة، وليس من حقنا التدخل، لكن من حقنا أن نتدخل إذا كان الأمر يعود حول ممارسة العنصرية إزاء اللاجئين السوريين في تركيا.
الصحفي محمد جول، وجه سهام العنصرية في مقال له عن لاجئين سوريين حصلوا على الجنسية التركية. وقرار تجنيسهم هو بالتالي قرار القيادة التركية وبالتحديد قرار من الرئيس التركي أردوغان، الذي اتخذ هذا القرار بناءً على حسابات سياسية واقتصادية، لأن بعض السوريين حصلوا على الجنسية وليس كلهم. يعني بلغة الأرقام تجنيس 300 ألف سوري من مجموع ثلاثة ملايين ونصف المليون متواجدون على الأرض التركية.
يتحدث محمد جول في مقاله عن ظاهرة “الأتراك الجدد” أي مجموعة السوريين الذين حصلوا مؤخرًا على الجنسية التركية، حيث يعتبرهم الكاتب “خطرًا على المجتمع التركي”. جول يصف المجنسين السوريين بـ “الدواعش”. فكيف يمكن لدولة مثل تركيا أن تقبل بوجود دواعش في أراضيها؟ ويقول عنهم أيضًا انهم “خونة الأوطان، لو كان فيهم خيرًا لظهر خيرهم في أوطانهم”. ويدعو الله أن يحمي تركيا منهم. ما هذه العنصرية التي يتبناها جول؟
ما يقوله الكاتب هو تحريض مباشر ضد لاجئين عاشوا القهر والظلم في بلدهم ووجدوا الأمن والأمان في دول مضيفة لهم. كان من المفترض بالكاتب أن يتحدث عن القاتل وليس عن الضحية، كان من المفترض أن يوجه سهامه السامة إلى صدر النظام السوري الذي شرَّد هؤلاء وليس إلى المشردين.
ويصل جول قمة العنصرية في حديثه عن السوريين في تركيا بقوله: “إنهم ينقلون الأمراض التي يحملونها إلى مجتمعهم الجديد”. موقف عنصري فاشي بامتياز يطعن أيضًا في إجراءات الدولة في استيعابهم.
بقي علينا القول، إنَّ أفكار جول لا تليق أبدًا بدولة قانون ودستور مثل تركيا، وعلى المسؤولين فيها عدم السكوت على مثل هذه المواقف ووضع حد لما يسيء الى سمعة تركيا. وأنا أرفع صوتي لصوت جول في نقطة واحدة فقط وهي قوله “الله يحمي تركيا” لكن ليس من المجنسين السوريين، لكن من أعدائها.