قطر تفوز بالضربة القاضية..
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
بعيدًا عن الأحداث الكروية في مونديال قطر 2022 وبغض النظر عن الفائز أو الخاسر، لأن هذه الأمور خارج اهتماماتي، علمًا أنني أشعر بسعادة غامرة كلّما علمت أن فريقًا عربيًا مسلمًا قد فاز في مباراته، فربما هو شعور الاشتياق للفوز في مواقع أخرى، بعد سنوات عجاف ألمَّت بنا.
صحيح أنَّ المنتخب القطري قد خسر في مونديال كأس العالم 2022، لكنه فاز في مونديال من نوع آخر، وهو “مونديال تصحيح الصورة النمطية الخاطئة عن الإسلام “، والتي عمل الغرب جاهدًا- متمثلًا بالصهيوماسونية- على ترسيخها في العقل الغربي (الاسلاموفوبيا) من خلال سياسة القوة الناعمة. لكن دولة قطر استثمرت هذا الحدث الرياضي العالمي مستخدمة نفس أسلحة الغرب (القوة الناعمة) ووجَّهت هذه الأسلحة للدفاع عن الإسلام والمسلمين وخلق صورة إيجابية عن الإسلام لدى الزوار الوافدين للمشاركة بمونديال كأس العالم 2022، وذلك من خلال النشرات والجداريات وفي أرجاء الملاعب وقد دُوِنت عليها- باللغتين العربية والإنجليزية- الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تعرف الناس بالأخلاق الإسلامية السمحة وضرورة فعل الخير ونشره بين الناس.
منذ بداية هذا المونديال، تكاتفت كافة أبواق الغرب، واستخدمت كل وسائل الضغط لديها في سبيل نصرة قضية خارجة عن المألوف، وخارجة عن الفطرة السوية، ألا وهي قضية الشواذ، فرأينا كيف أن أغلب الدول الغربية المشاركة بهذا المونديال، وعلى رأسها ألمانيا هاجمت قطر لأنها رفضت تغيير موقفها الثابت النابع من فطرتها المسلمة السوية ضد الشواذ بل، ومنعت أية إشارة تدل على التماهي معهم أو دعمهم، ورأينا كيف أن قطر أعادت طائرة المنتخب الألماني لأنها تتشح بشارة الشواذ، ورأيناها كذلك كيف تعاملت مع الوزيرة الألمانية ومع بعض الزوار الذين تعدوا على القوانين الخاصة بهذا الأمر، وبذلك أثبتت قطر للقاصي والداني أنها دولة لها تقاليدها وثقافتها الخاصة. وكما قال اللاعب المصري محمد أبو تريكة- حامل حربة الهجوم على الشواذ-، لن نخسر ديننا من أجل كأس العالم.
إلى ذلك، حاولت بريطانيا الضغط على قطر اقتصاديًا، لثنيها عن موقفها الواضح من هذه القضية، وحظرت نشر إعلانات قطرية لمونديال 2022 بملايين الدولارات، فجاء الرد القطري قويًا وهو: أن قطر ستراجع حساباتها في استثماراتها في لندن والتي تقدر بمليارات الدولارات. وفقا لصحيفة “فايننشال تايمز”.
استثمرت قطر هذا الحدث العالمي في سبيل نصرة الإسلام والدعوة إليه، من خلال دعوة كبار علماء الأمة إليها لعقد محاضرات إسلامية للوافدين من شتى أصقاع الأرض، وعلى رأس هؤلاء العلماء الداعية ذاكر نايك الذي كان يلاحق ويمنع من السفر لوقف نشاطه في الدعوة إلى الإسلام فقدّر الله له أن يجمع له العالم في قطر ليدعوهم إلى الإسلام. هذا وأشارت العديد من التقارير إلى اعتناق المئات من الأجانب للإسلام خلال المونديال.
في الحملة الهوجاء التي تعرضت لها قطر، اتُهمت أنها دولة لا تحترم حقوق الإنسان، وأن مئات العمال الوافدين إليها قد لقوا حتفهم خلال عملهم في إنشاء الملاعب المخصصة لكأس العالم، والسؤال الذي نوجهه لمن يغرد بهذه الأباطيل، هل نسيتم كم عدد من قتلتم في العراق بسبب حربكم عليها؟!
وفي ذات السياق، اعتبرت قطر دولة معادية لحقوق الإنسان في قضية الشواذ وأنها لا تدعمهم وهي دولة لا تسمح بحرية التعبير فيها، وقد حاول المنتخب الألماني إيضاح هذا الأمر عندما وضع لاعبوه أيديهم على أفواههم كناية عن سياسة تكميم الأفواه التي تتبعها قطر! لكنهم تناسوا أنهم أقالوا اللاعب التركي مسعود أوزيل من المنتخب الألماني ومن فريق أرسينال الإنجليزي، لمجرد أن أوزيل انتقد قمع أقلية الأيغور المسلمة في الصين وساعد اللاجئين السوريين في الأردن وفي مخيمات اللجوء. أليست هذه ازدواجية في المعايير يا دعاة حقوق الإنسان؟!
“مونديال فلسطين”: هذا هو الاسم الثاني لمونديال كأس العالم 2022، ففلسطين كانت حاضرة بقوة في كل مكان رغم تغيبها كمنتخب. أينما تتحرك في هذا المونديال لا بد وأن تشاهد الأعلام الفلسطينية ترفرف خفاقة والشارات بالعلم الفلسطيني تعانق زنود الشباب والهتافات لفلسطين تصدح بها المدرجات وتهتف لحريتها مختلف الحناجر على اختلاف أجناسها وأعراقها. نعم، لقد وجَّه هذا المونديال صفعة قوية لكل المطبعين والمتخاذلين، لتظهر حقيقة واحدة، وهي أن فلسطين تسكن في سويداء القلوب العربية المسلمة، وأثبتت المشاهد الرافضة حتى الحديث مع الإعلام الإسرائيلي أنَّ الأنظمة المطبعة المتخاذلة في واد والشعوب الحرة في واد آخر.
نعم أيها السادة، هذا ما أثار انتباهي واهتمامي في مونديال قطر، فحفظ الله قطر وأهلها جميعًا، إذ أثبتوا فخرهم واعتزازهم بالإسلام فأعزهم الله، وكما قال الفاروق عمر- رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله في الإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.