مشاهد مؤذية في الشارع العربي.. عندما تنعدم الأخلاق فماذا بعد؟
الإعلامي أحمد حازم
أحيانًا أجد نفسي مضطرًا لإعادة كتابة مقال كنت قد عالجت مضمونه سابقا، والسبب يعود إلى تكرار سلوكيات سيئة لبعض الأفراد والتي لا بد من تناولها تحليلًا. ورغم التوجهات العديدة للناس الابتعاد عن كل ما يسيء لمجتمعنا، والعودة إلى صوت العقل والأخلاق، إلًا أن البعض يصر على مواصلة تصرفات مسيئة. وعندما يفتقر الانسان الى العقل والأخلاق فماذا بعد؟
أعتز وأفتخر بإسلامي وبفلسطينيتي، فتاريخنا الاسلامي والفلسطيني مليء بالأحداث التي تدعو فعلًا إلى الاعتزاز بها، والتاريخ لا يكذب، لأنه مرجع لكل بني البشر عربًا وغير عرب. وقد تعلمنا من تربيتنا الإسلامية أن تكون سلوكياتنا لائقة وحسنة مع الآخرين ومع البيئة التي نعيش فيها، لأن السلوكيات هي بالدرجة الأولى تربية في الأساس. لكن هناك وللأسف سلوكيات لمواطنين عرب، نعيشها كل يوم، كما لاحظتها في الشارع العربي، هي وللأسف سلوكيات فوضوية استهتارية، لا تدعو الى الافتخار، بل إلى الاشمئزاز.
أمام بيتي محطة حافلات، ذات يوم أردت الذهاب إلى وسط البلد، فرأيت في هذه المحطة منظرًا يثير الاشمئزاز والسخط، إذ أقدم صاحب سيارة على ركن سيارته أمام المحطة، لدرجة أنَّ الأشخاص، منتظري الباص، لا يستطيعون الجلوس على المقعد المخصص لهم في المحطة بسبب السيارة.
عرفت من أحدهم اسم صاحب السيارة ورقم هاتفه، فاتصلت به وقلت له، بأدب، إنَّ ما فعله منافٍ لكل السلوكيات واختراق للقوانين، وانه ليس من المنطق إيقاف السيارة بهذا الشكل. كنت أتوقع من صاحب السيارة الاعتذار على فعله، لكنه كان في منتهى الوقاحة وقلة الأدب، حيث أجابني: “أنا بدّي أصف سيارتي وين ما بدّي وما حدا إلو عندي إشي”. نعم، هكذا كان رد صاحب السيارة، ضاربًا بعرض الحائط كل معايير الأخلاق والتصرفات اللائقة.
حادثة أخرى مماثلة، عشتها في ساعات صباح يوم آخر أمام مخزن كبير، فقد رأيت سائقًا شابًا يوقف سيارته في المكان المخصص لباصات البلد، وكنت وقتها أنتظر الباص الذي يقلّني إلى بيتي. ذهبت إلى السائق الشاب ونصحته بعدم إيقاف سيارته في مكانها، لأن الموظفين الذين يحررون المخالفات لن يتركوه وشأنه، وهم منتشرون في الشارع. لكن بدلًا من أن يشكرني على نصيحتي، نظر إليّ مستغربًا، وقال: “يا عمّي انت ما بتعرف أنا مين.. اللّي بعملو المخالفات بعرفو السيارة وصاحبها، واللّي بكتب مخالفة بتنكسر إيدو”! شكرت هذا الشاب على “المعلومة المهمة” التي سمعتها منه، واعتذرت منه على عدم معرفتي به وبسيارته وبعائلته، ولحسن حظي وصل في تلك اللحظة الباص الذي كنت انتظره.
مشهد آخر من مشاهد انعدام الذوق والأخلاق، عشتها في الناصرة العليا. فقد كنت مع أحد الأشخاص لإتمام معاملة في دائرة رسمية، وفي طريق العودة، أكمل الشاب شرب ما تبقى من علبة عصير كانت معه، وظلت العلبة الفارغة في يده، حتى وصلنا الناصرة العربية، ففتح النافذة ورمى بالعلبة على الشارع. سألته: لماذا لم تفعل ذلك في الناصرة العليا؟ فقال بكل برودة أعصاب: “يمكن حدا يشوفني… وهاي بهدلة وفيها مخالفة”! تصوّروا أنَّ هذا الشاب أخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يتعرض للمحاسبة، وحسب ألف حساب للمحيط اليهودي، ولذلك تصرّف خوفًا وليس احترامًا للقوانين. والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا: لماذا لا نتصرّف نحن العرب- أو بعضنا- في محيطنا العربي، مثلما نتصرّف في المناطق اليهودية؟! المفروض منطقيًا وأخلاقيًا أن نحافظ أيضًا على بيئتنا واحترامنا للقوانين فيها.
الرسول الكريم- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “إنَّما بُعِثت لأتمِّم مكارم الأخلاق”. وأثنى الله سبحانه وتعالى على الرسول الكريم بالقول: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”. والإنسان يتمّ تقييمه من خلال سلوكياته وأخلاقه، ولا يمكن أن يكون المرء محبوبًا بين الناس إذا كانت أخلاقه سيئة. فبحسن الخلق يرتقي المرء إلى قلوب الناس. فلنحسن أخلاقنا وسلوكياتنا أينما كنّا. ولكل الذين يمارسون سلوكيات مرفوضة، أقول: “عيب… والله عيب”.