على هامش يوم الطفل العالمي
أميَّة سليمان جبارين (أم البراء)
أطفالنا فلذات أكبادنا، رياحين قلوبنا، هم بعض الحاضر وكل المستقبل، هم أملنا وامتدادنا، هم فروعنا الغضَّة التي تحتاج لرعايتنا حتى تنمو وتقوى وتثمر. ببراءتهم نغسل هموم حياتنا وبحضنهم ننسى كل آلامنا، لذلك جعلهم الله عز وجل زينة الحياة الدنيا: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وهم هبة الله لنا (يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور). لذلك فقد أولى الإسلام أهمية كبيرة لهذه الفئة الضعيفة وكفلها بالكثير من الحقوق والرعاية. وإنني بهذه المقالة بصدد الحديث واستعراض بعض هذه الحقوق الخاصة بالطفل في الإسلام، فكما نعلم أنَّ الإسلام دين شمولي، فنجده حين يتطرق لأية قضية فإنه يعالجها من كافة الجوانب. فما بالنا بالنسبة لقضية مهمة كقضية الطفولة. لذلك نجد أن الإسلام قد اهتم بالطفل حتى قبل أن يولد، بل قبل الزواج وذلك من خلال التوجيهات النبوية للمقبلين على الزواج (تخيروا لنطفكم) و(إياك وخضراء الدمن)، ذلك أنَّ الإسلام يشدد على حسن اختيار الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة حتى ينشأ الطفل في بيئة سليمة ويتربى على الدين والأخلاق. وقد قال الشاعر: وأول إحساني إليكم تخيّري لماجدة الأعراق باد عفافها. دلالة على تفاخره أمام أبنائه باختياره لهم الأم الصالحة، كما واهتم بالطفل وهو جنين إذ جعل عدة المطلقة حتى تضع حملها وعلى الزوج رعايتها والتكفل بمصروفها حتى تلد. هذا أولًا، ثمَّ نجد أنَّ الإسلام قد حرَّم الإجهاض، حتى لو كان الحمل من الزنا وهذا ما عرفناه في قصة الغامدية التي جاءت للرسول صلى الله عليه وسلم تطلب إقامة حد الزنا عليها وكانت حاملًا. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لها اذهبي حتى تلدي، وهذا يعلمنا أنَّ الرسول تعامل مع هذا الجنين كمخلوق لا ذنب له ولا وزر في جريمة والديه: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). وفي ذات السياق، وفي موقف حصل مع الفاروق عمر- رضي الله عنه- إذ كان أميرًا للمؤمنين حيث أتى أحد الرعية ومعه طفل مولود وجده في مكان ما (لقيط) إلى عمر يسأله ما يفعل به؟ فقال له عمر- رضي الله عنه- اكفله بالرعاية وبيت مال المسلمين يكفله بالمال.
ومن حقوق الطفل في الإسلام، أنَّ يؤذن في أذنه اليمين وتقام الصلاة في أذنه الشمال، وحق تسمية الطفل اسمًا حسنًا، وحق ارضاعه حولين كاملين إن تيسر ذلك للأم، وله حق حضانته مع أمه إذا ما تمَّ الطلاق، وحق التعليم، وهنالك الحقوق النفسية والمعنوية والصحية يجب أن تكفل للطفل، كمعاملته بلطف ولين. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة بتعامله مع الصبيان، فقد كان يمازح الصبيان ويأكل معهم ويمسح على رؤوسهم ويُكنيهم وهم لا زالوا صغارًا (يا أبا عمير ماذا فعل النغير) وكيف كان الحسن والحسين يركبان على ظهره الشريف، وكيف كان يتعجل في الصلاة إذا ما سمع بكاء طفل في المسجد، وهنالك العديد من هذه الصور الراقية لتعامل رسولنا القدوة عليه الصلاة والسلام مع الأطفال، وهنالك الكثير والكثير من الحقوق للأطفال التي سنَّها الإسلام والمسلمون، فعلى سبيل المثال حق النفقة للطفل من خزينة الدولة (تأمين الأولاد) أول من سنًّه الفاروق عمر.
ممَّا ذُكر أعلاه يتضح لنا مدى اهتمام الإسلام بتوفير البيئة الجيدة والسليمة لإنشاء الطفل، لأنَّه إذا ما نشأ الطفل نشأة سوية وتربى على القيم الدينية والأخلاق الفضيلة، نشأ مجتمع سليم متألق لا يعاني من أية أزمات، لأنَّ الطفل هو مستقبل الأمة وأملها وامتدادها وإرثها الحضاري والديني. لكن إذا ما نشأ هذا الطفل وتكوَّن وسط بيئة فاسدة لا تقيم للدين أو الأخلاق وزنًا، نشأ مجتمع فاسد بكل المعايير، وهذا ما يعمل لأجله أعداء الإسلام تحت مسميات جميلة ناعمة ومطالب حق أريد بها باطل!! كصندوق اليونيسف الذي يهتم بشؤون الأطفال على مستوى العالم والذي تم إنشاؤه في 20 نوفمبر 1959 فبدلًا من تكريس جهود ومقدرات هذا الصندوق الأممي في مساعدة الأطفال المشردين نتيجة الحروب في بلدانهم وتوفير المسكن والمأكل والتعليم لهم، كأطفال سوريا والعراق، وبدلًا من حماية أطفال الإيغور وأطفال مينمار الذين يتم قتلهم وتصفيتهم على أساس ديني وعرقي على مرأى العالم وسمعه، نجد هذا الصندوق قد انحرف عن بوصلته واتجه إلى منحى آخر يخدم فيه الماسوصهيونية في سبيل تحقيق مخططاتها بإقامة نظام عالمي جديد بلا ديانة أو أخلاق، يقوم على فلسفتين لا ثالث لهما، الفلسفة الأولى، المادية في الفكر، فهي لا تقيم لله تعالى ولا للدين ولا للآخرة أي وزن. والفلسفة الثانية الإباحية في السلوك وإطلاق الغرائز والشهوات بلا ضابط أو رادع.
ومن هذا المنطلق وبحجة حق الطفل وحريته تطالب جمعيات حقوق الأطفال المتمثلة باليونيسف، بحق الطفل اختياره لدينه، فمن حق الطفل أن يخرج على دين والديه، وتطالب كذلك بحرية اختياره الجنس الذي يريده حسب ميوله الجنسية (التحول الجنسي) دون موافقة الأهل، وهذا ما يُعمل به في دول أوروبا. أضف إلى ذلك، سنُّ قوانين تسمح للطفل بوضع حد لحياته، إذا وُجد سبب مقنع لذلك- كعاهة مستديمة، مرض لا شفاء منه، مشاكل عاطفية، اكتئاب- تحت مسمى الموت الرحيم. ويكفي أنَّ هذه الجمعيات تسمح بالإجهاض دون أي سبب، وفي المقابل فهي تسمح بالزنا بجيل 14سنة وفي بعض الدول 13 سنة. وهي نفسها تمنع الزواج المبكر وتحاربه في دولنا الإسلامية وتعقد المؤتمرات والندوات للحد مما يسمى الزواج المبكر وتصفها بالتخلف ومن صور الوصاية الإجبارية على المرأة، مما يسبب انتقاصًا من قيمة المرأة! والمفارقة العجيبة، أنَّ الغرب يُعرّف جيل الطفولة ما دون الـ 18 سنة، فكيف بدول تدّعي التقدم والرقي الحضاري تسمح لأطفالها بممارسة الزنا والشذوذ؟! ومع هذا فقد وقع الكثير من أبناء جلدتنا وصدَّق زيفهم وتضليلهم وعام على عومهم كما يقولون، وأصبح بوقًا ينعق من أجل دمار مجتمعنا المسلم تحت شعار الطفولة المسلوبة، مع العلم أنَّ الطفولة منهم براء! لأن أطفالنا حين نالوا حقوقهم كاملة وعاشوا في بيئة إسلامية، وجدنا أنَّهم قد حفظوا كتاب الله وقادوا المعارك وحققوا انتصارات هائلة، أضافت رصيدًا للحضارة الإسلامية.
لذلك على جميع الدعاة والمربين أن يعملوا على نشر التوعية لدى الأهل في كيفية التعامل مع أطفالهم، ونشر ميثاق لحقوق الطفل في الإسلام وتوزيعه على كافة المؤسسات التي تعنى بالأطفال وتربيتهم والتعامل معهم، سواء داخل الأسر أو المدارس أو مراكز تحفيظ القرآن، حتى ننهض من جديد ونخرج جيلًا متوازنًا فخورًا بإسلامه يعرف أهدافه ويسعى إلى تحقيقها في حاضنة الإسلام. هذه مقارنة مقتضبة بين حق الطفل في الإسلام وحقه في القوانين الدولية.