إسرائـــيل الرابعة..
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
يذهب العديد من الباحثين العرب والإسرائيليين والغربيين إلى أنَّ إسرائيل مرَّت في مرحلتين، المرحلة المبامية ومرحلة اليمين الليكودي. ويذهب كاتب هذه المقالة إلى أنَّ إسرائيل مرَّت في أربع مراحل، بدأت نواياتها الأولى في الغزو النابليوني وما أحدثه من مجازر في يافا، وحربه الضروس مع المكون الفلسطيني على أرض مرج ابن عامر واستجلابه في ذلكم الغزو الاحتلالي، يهودًا لتوطينهم وبناء دولتهم المتخيلة آنذاك ضمن رؤيته الاستعمارية للمنطقة ولآسيا والهند تحديدًا. وانتهت هذه المسيرة الاستعمارية التي بدأت عام 1798 ومرَّت بتعرجات هائلة وكبيرة بقيام إسرائيل، ليكون قيامها إعلانًا بَيِنًا لانتصار الحضارة الغربية على الإسلامية واستمرار وجودها بيان ثانٍ لاستمرار هذا الانتصار. ومن تعرجات هذه المرحلة الطويلة نسبيًا، الامتيازات التي تحصلت عليها الدول الاستعمارية في الأرض المقدسة ووصايتها على الطوائف المسيحية واليهود، ونشوء الحركة الصهيونية في محاضن الحضارة اللاتينية، ومن ذلك الاحتلال البريطاني لفلسطين بعد خسارة الدولة العثمانية للبلاد وصدور وعد بلفور وتكليف بريطانيا بتنفيذه وصولًا لعام 1948. وبدأت المرحلة الثانية مع قيام إسرائيل كثمرة من جهود الحركة الصهيونية وتحالفاتها مع المنظومة الاستعمارية الغربية وقيادتها عبر الحركة الصهيونية ممثلة بالمباي. وانتهت هذه المرحلة عام 1977 بفوز الليكود، أي بفوز الحركة التصحيحية الجابوتنسكية.
لقد استمرت هذه المرحلة بما فيها من تعرجات سياسية في الفعل السياسي الإسرائيلي وما نجم عنه من تداخلات سياسية انتهت راهنًا بهذه الانتخابات التي كشفت عن حجم قوة اليمين الديني الصهيوني واليمين الفاشي والمحافظ مقابل العلماني، وتخرج من هذه المحايثة السياسية -الاجتماعية الإسرائيلية المجتمع الحاريدي وخاصة الاشكنازي بكل مدارسه، وتعتبر في نظر كاتب هذه السطور هذه الانتخابات لحظة فاصلة في التاريخ الإسرائيلي، أنهت مرحلة وشرعت ببدايات مرحلة جديدة، تكشَّفت فيها نهائيًا ماهية المجتمع الإسرائيلي وهويته وهواه مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الضخ الإعلامي والسياسات الترويجية والإعلامية التي اعتمدها نتنياهو ومن دار في فلكه على المستويات الداخلية لمكونات المجتمع الإسرائيلي للوصول إلى هذه اللحظة، وحجم التماهي الشبابي مع البن غفيرية كظاهرة اجتاحت الشارع الإسرائيلي متجاوزة الأيديولوجيات والعرقيات اليهودية.
هذه المرحلة يقودها اليمين الديني واليمين الفاشي وحتى إن فشلت حكومة نتنياهو التي سيشكلها في الاستمرار، فنحن عمليًا دخلنا مرحلة جديدة على مستوى العلاقة مع الداخل الفلسطيني وعموم الشعب الفلسطيني، وأخال أنَّ هذه المرحلة ما يميزها ليس الطيف السياسي كونه يمينيًا أو دينيًا، بل المجتمع الإسرائيلي بإبراز هويته اليمينية والدينية المتطرفة بصيغتها الشوفينية الكارهة للآخر المسلم والعربي والفلسطيني، وهو ما سينعكس على كافة شؤون الحياة في جدل العلاقة القائم مع هذه الدولة.
لم تكن اعتراضات الإدارة الأمريكية ولا الدول الأوروبية الراعين والحامين عمليًا للوجود الإسرائيلي باعتباره بيانًا للمسألة اليهودية على الانتخابات ولا على نتائجها، بل على أن يكون اليمين الديني الفاشي وكذلك التيار الديني الصهيوني في مفاصل أساسية في الحكومة، أي أن تكون بين أيديهم وزارات سيادية تمكنهم من تنفيذ سياساتهم التي وعدوا بها ناخبيهم، فتدخل هذه الدول التي أمست بأمس الحاجة إلى العالم العربي رغم ترهله في متاهات قد تعيد الربيع العربي بأكثر عنفوانًا مما كان، ويدمرون سنوات من العمل الدؤوب دفعت نحو تمكين إسرائيل في المنطقة، ومن ثم تأجيج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليدمر عملية التطبيع التي فُعِلت على العقل الفلسطيني والعربي لجعل الوجود الإسرائيلي جزءًا من الشرق الأوسط خاصة في ظلال المرحلة الإبراهيمية، حيث الطمع بدفعها لتكون النبراس الذي تستمد منه شعوب المنطقة القيم والأخلاق والسلوكيات الجديدة المؤكدة على الحق الصهيوني على الأرض المقدسة.
الفاشية هي الوصفة الصحيحة للشروع بتفعيل الساعة الحضارية لعد أيام أي نظام كان، مهما كانت أيديولوجيته برسم الممارسات والسياسات التي سيُعملُ بها والمنبثقة من منظومة القيم التي يعتقدها، المبنية على تعظيم الدولة وتقديس العرق وإضعاف الآخر وتدمير المكتسبات الديموقراطية (لاحظ كيف النظرة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية من طرفهم) وما نسمعه من مصطلحات وخطاب من عموم اليمين الإسرائيلي ونخبه الأكاديمية والمجتمعية، تؤكد حجم التطرف في الخطاب من جهة، والجماعات المستهدفة. دخول إسرائيل مرحلتها الرابعة بهذه الوصفة، يعني انها دخلت مرحلتها الأخيرة ولن ينفعها عمليًا الدعم الغربي والعربي ولا اللوبيات الصهيونية المنتشرة في أصقاع الأرض، باعتبار أنَّ ممارسة الفاشية (لنتذكر الفاشية الإيطالية والإسبانية في أوروبا) تعني أنَّ النّظام قد دخل طوره الأخير وستكون العسكرة والبوليسية والمخابراتية والقوة والمليشياواتية من أهم أدواته في محاصرة وضرب وتدمير الآخر، والذي ليس بالضرورة العربي والفلسطيني، وهو ما يحدث في الضفة الغربية تحت سمع وبصر المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية، وهو يدفع للسؤال: هل كانت إسرائيل حتى هذه الانتخابات دولة نصف فاشية، لتكتمل الصورة بعدها؟.