الأردن وإسرائيل.. هل سيصنع التطبيع حدّا للمناكفات؟
– يرى مراقبون أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية خلال حكم نتنياهو، ستبقى رهينةً لمستوى التفاهمات والمشاريع الاقتصادية المحتملة بين البلدين..
– الأكاديمي وليد العويمر: سيكون التعاون طابع العلاقة بين عمان وتل أبيب في ظل شراكات اقتصادية..
– الباحثة السياسية أمل عاشور: ترتفع احتمالية التوتر بين البلدين مع عودة نتنياهو للحكم
– المحلل السياسي عامر السبايلة: لا أتوقع مزيداً من الاتفاقيات بين الطرفين دون بعد سياسي..
تسعة أيام هي المدة الفاصلة بين إعلانين أردنيين عن توقيع مذكرة تفاهم وإعلان نوايا مع إسرائيل في قطاع المياه، لكن توقيتهما جاء بالتزامن مع عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، وهو ذات الشخص الذي لم يخفِ تحدّيه للمملكة سنواتٍ طويلة.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وقّع الأردن والإمارات وإسرائيل “إعلان نوايا” للدخول في عملية تفاوضية للبحث في جدوى مشروع مشترك للطاقة والمياه.
وعلى هامش قمة المناخ بشرم الشيخ المصرية، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين الدول الثلاث في 8 نوفمبر الجاري للاستمرار في دراسات الجدوى الخاصة بمشروع مقايضة الماء بالكهرباء.
وينص “إعلان النوايا” على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمصلحة إسرائيل، بينما تعمل تل أبيب على تحلية المياه لمصلحة الأردن الذي يعاني من الجفاف ويحصل بالفعل على مياه من إسرائيل.
وفي نفس المكان، أعلن الأردن في الـ17 من الشهر الجاري، توقيع “إعلان نوايا” مع إسرائيل لإعادة تأهيل وتحسين بيئة ونظام المياه لنهر الأردن والبحر الميت.
وتؤشر خطوتا الأردن على أنّ عمّان تسعى فيما يبدو إلى تجنّب عداء نتنياهو المحتمل، خاصة أن الملك عبد الله الثاني وصف علاقة المملكة مع إسرائيل بأنها “في أسوأ حالاتها” في جلسة حوارية بالولايات المتحدة جرت في نوفمبر 2019.
وجاء حديث ملك الأردن آنذاك، بناءً على مناكفات إسرائيلية كثيرة وتعدّ واضح على دور المملكة خلال فترة تولي نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ما يعني أن “عامل التأزيم” عاد إلى الواجهة، لذلك أصبح لزاماً على عمّان محاولة تفاديه بشتى الطرق والوسائل، لكن هذه المرة من باب الاقتصاد لا السياسة.
خطاب الملك
وفي افتتاحه للدور الثاني للبرلمان في الثالث عشر من الشهر الجاري، تحدث ملك الأردن عن دور محوري لبلاده واستثمار موقعها الجيوسياسي “لبناء شراكات عربية وإقليمية واسعة تحقق المصالح المشتركة وتعزز المكتسبات الوطنية”.
ويشير خطاب الملك في البرلمان إلى أنه أراد أن يوصل رسالة للعالم بأنه منفتح على الجميع، بما في ذلك إسرائيل، لكنه في ذات الوقت أكد مواصلة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وأنه لا سبيل لتجاوزها “إلا بحل عادل وشامل يبدأ بانتهاء الاحتلال”.
وتابع الملك آنذاك إن “غياب أفق للحل السياسي ينبغي ألا يحول دون مواصلة العمل من أجل دعم الأشقاء الفلسطينيين اقتصاديا، لتعزيز صمودهم على أرضهم وتثبيت حقوقهم المشروعة”.
وأضاف: “ولأننا الأقرب إلى الأشقاء الفلسطينيين سنعمل على أن يكونوا شركاء أساسيين في المشاريع الإقليمية ولا نقبل بتهميشهم، ونجدد تأكيدنا على أن التمكين الاقتصادي ليس بديلا عن الحل السياسي”.
أكد الملك عبد الله الثاني اقتران الاقتصاد بالسياسة فيما يتعلق بالفلسطينيين، وشدد على وجودهم كعنصرٍ أساسيٍ في إطار مشاريع إقليمية محتملة، كما أعلن أن الأردن لن يكون طرفاً في اتفاقيات لا تعود بالنفع عليهم، سياسياً واقتصادياً في آنٍ واحد.
وبناءً على ما سبق، فإن مراقبين يرون أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية خلال حكم نتنياهو، ستبقى رهينةً لمستوى التفاهمات التي ستربط البلدين في مقبل الأيام، بما فيها مشاريع اقتصادية محتملة.
وما يدفع بذلك، إشادة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، في قمة المناخ بشرم الشيخ، بمشروع مقايضة الماء مقابل الكهرباء مع الأردن والإمارات، برعاية أمريكية، ودعوته إلى رفع التعاون الإقليمي الضروري لخلق شرق أوسط متجدد.
علاقات معقّدة
توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة “مؤتة” الأردنية (حكومية) وليد العويمر، أن “العلاقات السياسية والأمنية بين الأردن وإسرائيل خلال المرحلة المقبلة ستكون شائكة ومعقدة، في ظل حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو”.
وأضاف العويمر: “لأن علاقة الأردن مع إسرائيل لا بدّ منها بحكم اتفاقية السلام والجغرافيا، ولأن الملك عبدالله الثاني منفتح على الإقليم والعالم ويولي المصلحة الأردنية والفلسطينية الاهتمام الأبرز، اتجهت المملكة لبناء شراكات اقتصادية مع الإقليم وإسرائيل مثل مشروع الماء مقابل الكهرباء”.
وتابع: “سيكون لهذا المشروع ولغيره من المشاريع الاقتصادية والتجارية مع الجانب الإسرائيلي الطريق البديل الذي يوثق ويطور العلاقات الثنائية بين البلدين”.
واستدرك: “سيساعد ذلك ليكون الأرضية الصلبة التي يُعتمد عليها لحل كثير من المشكلات السياسية والأمنية بين البلدين، وتحقيقاً للمصالح الفلسطينية من خلال البوابة الأردنية”.
ولفت العويمر إلى أن “مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية سيكون ذا طابع أكثر تعاونا وإيجابية في ظل الشراكات الاقتصادية والتجارية الثنائية والمتعددة مع الإقليم”.
مدّ وجزر
ومن جانبها، قالت الباحثة في الشؤون السياسية أمل عاشور إن “العام المقبل ربما يشهد انفراجا في العلاقات بين الأردن وإسرائيل”.
وأرجعت عاشور ذلك إلى عدة أسباب، من أهمها “ارتفاع مستوى التعاون في مجالات الطاقة والغاز والمياه، ومواجهة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، والحفاظ على استقرار نسبي في فلسطين، خاصة في ظل ظروف إقليمية وعالمية صعبة تتطلب التنسيق والتعاون من الجميع”.
وأضافت: “الأردن وإسرائيل يتشاركان بمخاوفهما من التهديد الإيراني بالمنطقة وهو ما يدفع إلى تعاون أمني فيما بينهما”.
لكن عاشور اعتبرت أن “عدم التزام إسرائيل بالمواثيق والمعاهدات واحترامها للمواثيق والقانون الدولي، يهدد مستقبل أي اتفاق مع الجانب الأردني خاصة المياه والغاز”.
ورجحت الباحثة الأردنية أن تكون العلاقات بين عمان وتل أبيب في مجملها “بين مدّ وجزر كما كانت عليه منذ عقود لكن احتمالية التوتر قد تكون أكبر خاصة مع عودة نتنياهو لقيادة الحكومة الإسرائيلية، وما يُعرف عنه بأنه عنصر تأزيم”.
واقعية سياسية
وأوضح المحلل السياسي عامر السبايلة أنه “بلا شك أنه كلما زاد عدد الاتفاقيات التي توسع دائرة المصالح المشتركة بين الأردن وإسرائيل تقلّ مساحات الضغط السياسي”.
وأضاف السبايلة: “كل هذه الاتفاقيات لا يمكن أن تمنع الجانب الإسرائيلي من القيام بخطواتٍ أحادية، أو محاولة فرض رؤى معينة أو أجندات إقليمية”.
واستطرد: “الأردن يفضل قطعاً التعامل مع إسرائيل بلا نتنياهو خاصة مع زيادة اللقاءات الرسمية المصرح بها من عمان بعد مغادرته المرة الأخيرة”.
وتابع: “من باب الواقعية السياسية فإن الأردن مضطر للتعامل مع نتنياهو والأهم أن مسار الأمور في إسرائيل يحوّله لشخص أقل تطرفاً مقارنة بحلفائه السياسيين”.
وأردف: “لهذا يكون التعامل مع نتنياهو في هذه المرحلة يمثل مصلحة لاحتواء أي تصعيد كبير من أطراف يمينية متطرفة”.
وزاد: “لا يمكن أن يتحدث الأردن عن القضية الفلسطينية بعيداً عن حل سياسي، لكن البرنامج الاقتصادي أصبح أولوية لجميع الأطراف، ويتم الحديث عن الاقتصاد وعدم التطرق إلى السياسي الذي لم يعد حتى الإسرائيلي يتحدث عنه”.
واختتم السبايلة: ” لا أتوقع مزيداً من الاتفاقيات دون بعد سياسي” في إشارة منه إلى أن معظم الاتفاقيات تم تسويقها من جانب تجاري اقتصادي.
وخلال حقبة نتنياهو السابقة، ازدادت الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ما اعتبرته عمّان تعدّياً واضحاً على أدوارها.
واحتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية “وادي عربة” للسلام، التي وقعها مع إسرائيل في 1994.
وفي مارس/ آذار 2013، وقع العاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.