الموت المقنن (الموت الرحيم)..
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
منذ سنين طويلة وتحديدا بعد الثورة الفرنسية، والغرب يتغنَّى بحقوق الإنسان وبتطبيقه لهذه الحقوق في بلاده، بل ونصّب الغرب نفسه راعيا ومراقبا لتطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية عبر العالم من خلال جمعيات حقوقية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة. لذلك فقد اكتسبت الدول الغربية صورة نمطية ثابتة لدى الشعوب المقهورة والمضطهدة، تفيد أنها الملاذ الآمن لكل إنسان.
هذا وقد تميزت بعض الدول الغربية بتألقها في مجال حقوق الإنسان من خلال مستوى الدخل العالي للفرد فيها، والتعليم المجاني، والضمان الصحي وغيره من المتطلبات للحياة بكرامة، مما جعلها في مقدمة الدول، ومن هذه الدول المتميزة نذكر دولة كندا على سبيل المثال، التي تعتبر مثلا يحتذى به في مجال حقوق الإنسان وحريته، لكنها وقبل أيام قليلة وبالتحديد في 2022/11/10 تمت المصادقة على قانون كندي جديد بمثابة ضربة قاتلة وصفعة قوية بوجه كل صاحب ضمير حي من دعاة حقوق الإنسان، لأن تطبيق هذا القانون يعتبر دمارا شاملا يصيب البشرية إذا ما عُمِّم هذا القانون وسنَّته دول أخرى.
ويتمثل هذا القانون بالسماح للأطفال الكنديين دون سن البلوغ أن يضعوا حدا لحياتهم إذا أرادوا هم ذلك ودون موافقة الأهل!! فوفق هذا القانون المجرم يستطيع الطفل الذي يعاني من إعاقة أو اكتئاب أو مشاكل عاطفية أو صحية أن يذهب إلى أي طبيب أو مستشفى ويطلب إعطائه حقنة أو دواء يسبب له الموت الرحيم دون أن يشعر بأية آلام! نعم أيها السادة هذا القانون الإجرامي الذي وافقت عليه الحكومة الكندية لا أدري تحت أي مسمى أو أي حق من حقوق الإنسان يمكن إدراجه! فهل أصبح الموت حق من حقوق البشر يستطيع الفرد تحديد وقته وطريقة الموت متى أراد؟! والله إنه جرم كبير واستهتار بكل الشرائع السماوية.
ومن الجدير ذكره أن هذا القانون هو قانون مكمل لقانون كندي سابق تمَّ العمل به في كندا منذ العام 2016 تحت مسمى (القتل الرحيم) حيث يسمح هذا القانون بقتل المرضى الميؤوس من شفائهم أو من ماتوا إكلينيكيا (موت دماغي، سريري) وذلك إمَّا بموافقة المريض نفسه، أو أحد أفراد عائلته، أو طبيبه المعالج، وذلك بدافع الرحمة والشفقة على هذا المريض ممَّا يعانيه من آلام وأوجاع! وقد كان هذا النوع من القتل الإجرامي (الموت الرحيم) مثار جدل واسع بين مؤيد ومعارض في دول الغرب، إذ يعتبره الكثير أنه مناف للأخلاق وفيه تعد على حياة الآخرين، لأنَّ مصطلح الموت الرحيم ووفقا لمجلس اللوردات البريطاني اللجنة الخاصة بآداب مهنة الطب يعني: إجراء تدخل متعمد مع الإعلان عن النية في إنهاء حياة للتخفيف من معاناة مستعصية عن الحل.
وهنالك نوعان من الموت الرحيم: النوع الأول طوعي أي بموافقة الشخص نفسه وهذا ما نسميه في شريعتنا انتحار والعياذ بالله، والنوع الثاني القسري، ويوصف بأنه قتل متعمد. ولو رجعنا إلى جذور الموت الرحيم تاريخيا لوجدنا أن هذا المصطلح ذكر لأول مرة على لسان الفيلسوف اليوناني سوطونيوس الذي وصف موت الإمبراطور أوغسطس بسرعة ودون ألم أو معاناة لا بل وفي سريره في أحضان زوجته ليفيا إنه (موت رحيم) لكن كان استخدام هذا المصطلح في سياق طبي لأول مرة من قبل الطبيب الفرنسي فرنسيس بيكون في القرن السابع عشر للإشارة إلى وسيلة موت سهلة سعيدة دون معاناة حيث تكون مسؤولية الطبيب تخفيف المعاناة والألم البدني عن المريض. ولكن كما نرى أخذ هذا المصطلح في التوسع والتفرع حتى وصل بهم الأمر مساعدة الأطفال الضعفاء جسديا ونفسيا على الانتحار، وكأنهم بذلك يعملون على تطبيق النظرية الداروينية (البقاء للأقوى) أو نظرية المليار الذهبي من خلال تقنين الموت!
نعم أيها السادة، هذا هو الوجه الحقيقي للغرب المجرم الذي طالما صرعنا (بحقوق الإنسان) وتغنى بها، فها هو اليوم يظهر وجهه الحقيقي بابتكار وسائل قتل متحضرة وإلغاء الإنسان من حقوق الإنسان! وأخوف ما أخافه أن تمرر هذه القوانين إلى دولنا الإسلامية ليتم من خلالها قتل الآلاف، بل الملايين من المسلمين بذريعة الموت الرحيم!!
فأين أنتم أيها المبهورون بالغرب وحريته، هل هذا هو مفهومكم للحرية؟!! أم أنكم من فئة لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه؟! بالله عليكم عودوا إلى رشدكم، عودوا إلى حظيرة الإسلام السمحاء التي تعطي لكل ذي حق حقه دون نقصان أو تعد على الإنسان، وليعلم الجميع دون استثناء أن مفهوم القتل الرحيم غير موجود بتاتا في الإسلام وأنه يعتبره قتلا، لأن الإسلام قد حرَّم القتل بكافة أنواعه ومهما كانت أسبابه.