تجارة كاسدة
ليلى غليون
نحن لا نكشف سرًا ولا نفضح خافية عندما نقول أن دعاوى الانتصار لقضايا المرأة والدفاع عنها أصبح الشماعة التي يعلق عليها المتربصون بالإسلام أهدافهم ومآربهم. ونحن لا نأتي بجديد عندما نقول إنَّ الساحة مليئة بالمتصيدين بالمياه العكرة الذين لا ينفكون يبحثون عن منافذ وثغرات لبث حقنهم المسمومة على الإسلام.
ومعاذ الله أن يكون في الشريعة الإسلامية نقص أو منفذ أو ثغرة، ومعاذ الله أن تكون الرسالة الإسلامية الشاملة العادلة تحمل ولو مثقال ذرة من الظلم سواء للمرأة أو لغير المرأة، ولكنه الكيد والمكر لهذا الدين وأتباعه والسعي لاختراق أهم وأقوى حصونه ألا وهي المرأة، وذلك بتأليبها على دينها بادعاء أنه لم ينصفها ولم يضمن لها كامل حقوقها ولم يرع إنسانيتها.
وهناك الكثير من الأحكام الشرعية التي تخص المرأة وكأن أدعياء أنصار المرأة وجدوها منطقة تسلل يتسللون من خلالها للطعن في هذا الدين ولزرع بذور الشك في عقلية المرأة بأن الإسلام هبط بكيانها إلى مستوى الدون لتنطلق ألسنتهم السليطة وأقلامهم المسمومة لتبث في وعي المرأة مثل هذه الأوهام. ومن المتكآت التي اتكأ عليها المتطاولون على الإسلام وشرعه:
خلقت المرأة من ضلع أعوج، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه وإنك إن ذهبت تقومه كسرته وان كسر المرأة طلاقها فاستوصوا بالنساء خيرًا”.
إنها وصية متكررة خاصة بالنساء في خطبة الوداع بل عند وفاته صلى الله عليه وسلم، وإن هذا الحديث فيه من المعاني والتوجيهات في فهم طبيعة المرأة ومن ثم إدراك أساليب التعامل معها.
فعبارة: “المرأة خلقت من ضلع أعوج “تقول لك أيها الرجل إنَّ المرأة مختلفة في مصدر خلقتها، والاعوجاج هنا يدل على الاختلاف وليس على الفساد، (وإن أعوج ما في الضلع أعلاه) الذي يدل على الرأس أي طريقة التفكير والتي هي أكثر الأمور اختلافًا بين الرجل والمرأة.
فالرجل الذي يريد من امرأته أن تصبح قالبًا مبرمجًا ترى مثلما يرى وتفكر مثلما يفكر، فإنه حتما مخطئ وسيصطدم بالحقيقة التي تقول: إن للمرأة طريقة تفكير وفهمًا للأمور مختلفًا، وإذا أراد الرجل أن يلغي هذا الاختلاف كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: “وإنك إن ذهبت تقومه كسرته” أي فقد طبيعته، بمعنى أن المرأة تفقد طبيعتها والدور الذي خلقها الله تعالى من أجله، (وإن كسر المرأة طلاقها) وهنا يحذّر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يصرّ أن يقوّم المرأة ولا يراعي هذا الاختلاف ويتصور أنه يستطيع ذلك، فإن النتيجة حتمًا ستكون الصدام مع طبيعة المرأة ومن ثم الطلاق.
لذا فقد كانت وصيته صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث الوصاية بالمرأة وتقبلها باختلافها وطبيعتها واحتوائها كما هي.
إنَّ تُجار قضية المرأة ينظرون إلى هذا الحديث وكأنهم وجدوا صيدًا ثمينًا على اعتبار أن هذا النص يكرس دونيتها وحاشا لمعلم البشرية الذي علم الدنيا بأسرها فنون وأصول التعامل مع المرأة أن يمس أو يخدش كرامتها قيد أنملة.
نعم خلقت المرأة من ضلع أعوج، ذاك الضلع الذي يحمي القلب فهذا هو الدور والمهمة التي ستقوم بها وهي حماية القلوب، خُلقت من المكان الذي ستتعامل معه.
فهي ستتعامل مع العاطفة مع المشاعر لأنها ستكون الأم الحنون والأخت الرقيقة والبنت العطوف والزوجة الوفية، أرأيتم أمًا تحتضن أبناءها ويداها منتصبتان أم أنها تثني تلك اليدين لتبسطهما على الأبناء والبنات؟! أرأيتم أمًا ترضع وليدها وهي منتصبة القامة مرفوعة الرأس أم أنها تثني قامتها ورأسها وتكاد تلصق وجهها بوجه رضيعها لترضعه الحب والحنان قبل أن ترضعه الحليب؟! كذلك الزوجة الوفية تغدق على زوجها المحبة من هذه الطبيعة التي جبلت عليها.
ولقد أثبت الطب الحديث أنه لولا ذاك الضلع الأعوج الذي يحيط بالقلب لكانت أخف ضربة كفيلة بإيذاء هذا القلب فالله تعالى خلق ذاك الضلع الأعوج ليقوم بالمهمة العظيمة وهي حماية ورعاية ذلك القلب. فهل بذلك إهانة للمرأة أيها المتاجرون بقضية المرأة؟!
ناقصات عقل ودين، وهذه شماعة أخرى يعلق عليها تجار المرأة دعاويهم وأباطيلهم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن” رواه البخاري ومسلم. إنَّ من أوضح ما يدل عليه سياق الحديث كما ذكر الدكتور البوطي رحمه الله: (أنه صلى الله عليه وسلم وجه إلى النساء كلامه على وجه المباسطة التي يعرفها ويمارسها في كل المناسبات حيث جعل الحديث عن نقصان عقولهن تمهيدًا وتوطئة لما يناقض ذلك من القدرة التي أوتينها وهي ذهاب عقول الرجال الأشداء من أولي العزيمة والكلمة النافذة منهم، فهو كما يقول أحدنا لصاحبه مازحًا: قصير ويأتي منك هذا الذي يعجز عنه الآخرون، فالحديث لا يركز على قصد الانتقاص من المرأة بمقدار ما يركز على التعجب من قوة سلطانها على الرجال).
والحقيقة العلمية التي لا ينكرها حتى أصحاب الألسنة الطويلة على الإسلام، أن المرأة أقوى من الرجل عاطفة وأرهف حسًا وأضعف تفكيرًا، كما أن الرجل أقوى منها تفكيرًا وأضعف عاطفة وهي حكمة ربانية يجد كل من الرجل والمرأة في صاحبه ما يتمم نقصه لتكون المحصلة تكامل كلا الطرفين.
تقول الكاتبة الألمانية (استر فلاد): (إن المرأة لا تركن إلا إلى الرجل الذي هو أحدّ منها ذكاء وقد تبدو إلى جانبه ساذجة، إذ أن ذلك شرط لا بد منه لاحتمائها به وهي تبحث في الرجل عن الحماية والرعاية) وتقول أيضا: (إن الزوج الذي ابتغيه هو ذاك الزوج الذي باستطاعته أن يكون قادرًا على حمايتي وهو لن يقدر على ذلك إلا إذا كان أطول قامة وأقوى بنية وأشد ذكاء مني). ونعود للحديث الشريف وما المقصود بنقصان الدين. إن المقصود بذلك أيها المتاجرون بقضايا المرأة، هو نقصان أو قلة التكاليف الدينية وليس التقصير في الدين أو التهاون فيه وذلك بسبب العذر الشرعي الخارج عن إرادتها حيث أسقطت عنها بعض الواجبات الدينية في ظروف معينة تطرأ عليها، فهي لا تكلف بالصلاة ولا الصيام ولا بقراءة القرآن أثناء الحيض والنفاس، ولكن دون أن ينقص من أجرها شيء، والمرأة في هذه الحالة كما يقول الدكتور البوطي: (إنها توصف ناقصة دين أي ناقصة التكاليف الدينية ومعاذ الله أن يكون المعنى أنها مقصرة في دينها إذ ليس لها أي اختيار في أمر فرضه الله تعالى).
فالله تعالى هو الذي فرض الصلاة على الرجل والمرأة، والله تعالى هو الذي أسقط الصلاة عن المرأة في تلك الظروف، ولا شك أن استجابتها لأمر الله تعالى سواء بقيامها في فرض الصلاة أو إحجامها عن الصلاة في فترة الحيض كلاهما تحقيق لأمر الله وكلاهما عبادة لله عز وجل تؤجر عليها.
إنَّ هذا الغبار الذي يثيره المتطاولون على الإسلام لا شك أنه سيعفر وجوههم وقلوبهم، لأنه مردود عليهم، وأنهم من خلال ما يتظاهرون به من الدفاع عن المرأة، فإنهم لا يفعلون ذلك غيرة وحمية، بها، بل من حقد دفين مخفي ومعلن على الإسلام لا يزال وسيبقى. فمعركة الخير والشر مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.