هم ضحايا وليسوا مصوتين حقيقة
عبد الإله معلواني
لا شك أنَّ هناك الآلاف ممن أدلوا بأصواتهم لدعم إحدى القوائم العربية التي خاضت لعبة الكنيست الأخيرة رقم (25) قد أدلوا بأصواتهم من منطلق القناعة بدعم هذه القائمة أو تلك من بين هذه القوائم العربية، وسواء كانت الموحدة أم الجبهة أم التجمع، فكانوا مصوّتين عن قناعة، ولكن سائر جماهيرنا الكادحة والطيبة لم يدلوا بأصواتهم لدعم إحدى هذه القوائم الثلاث من منطلق قناعتهم بمن صوتوا له، بل كانوا ضحايا لمنهج دعاية انتخابية ديماغوجية حرصت على خداع هذه الجماهير الكادحة والطيبة، وعلى غسل أدمغتها، وعلى سحر عيونها حتى ترى السراب ماء، وحتى ترى الوهم حقيقة، وحتى تظن الشوك وردا، ولذلك فقد كانت هذه الجماهير المغرر بها ليست من المصوتين حقيقة في لعبة الكنيست الأخيرة، بل كانت من ضحايا هذه اللعبة، ما يدفعني أن أقول بلا تردد كانت ضحايا ولم تكن مصوتين!! والقرائن على ذلك كثيرة:
القرينة الأولى: كانت ضحايا لديماغوجية (القرعة والاستجداء والتوسل والاستغاثة والاستعطاف) التي لجأت إليها كل هذه القوائم الثلاث لإخراج جماهيرنا من بيوتها، ودفعها للتصويت، بدافع استثارة نخوتها وحميتها ومروءتها، فكان لسان حال هذه القوائم الثلاث يقول لجماهيرنا: أنقذونا قبل أن نموت سياسيا إذا ما فشلنا في لعبة الكنيست الأخيرة!! ارحمونا ولا تتركونا لوحدنا، رغم أننا خيبنا آمالكم ثلاثة وسبعين عاما!! ساندوا ضعفنا فمصيرنا- حاضرا ومستقبلا- مربوط بضرورة إنجاحنا في لعبة الكنيست، وإلا سنفقد المال والإعلام والوجاهة والمنبر الاحتجاجي والأداء المسرحي السياسي من على مسرح الكنيست!! يا جماهيرنا، ارحموا عزيز قوم فينا قبل أن نذل إذا خسرنا مقاعدنا في لعبة الكنيست!!
وهكذا تواصلت نداءات (الفزعة وأخواتها) من كل هذه القوائم الثلاث حتى الدقيقة التسعين من انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة، عبر الرسائل النصية في مواقع التواصل، وبواسطة سيارات مزودة بمكبرات صوت كانت تجوب شوارع بلداتنا في الداخل الفلسطيني، وتتشفع جماهيرنا بكل لغة رجاء أن تدلي بأصواتها لدعم واحدة من هذه القوائم الثلاث ولو في الدقيقة الأخيرة ما قبل إغلاق صناديق الاقتراع!! لدرجة أن البعض لجأ إلى مكبرات المساجد وراح يستغيث بالناس كي تخرج من بيوتها لدعم إحدى هذه القوائم الثلاث!! وهكذا سمح البعض لنفسه أن تتحول هذه المكبرات من مكبرات آذان الصلاة إلى مكبرات دعاية للعبة الكنيست!! وهكذا ولغ في الحرام من أجل لعاعة الكنيست!! ولا أدري هل كان يعلم أن ذلك حراما أم لا؟! فإن كان يعلم أنه حرام فتلك مصيبة، وإن كان لا يعلم أنه حرام فالمصيبة أعظم!! ولقد بلغ الأمر ببعض مرشحي هذه القوائم الثلاث أن غادروا مكاتبهم وراحوا يتجولون بين جماهيرنا ويتوسلون إليها كي تنقذ ماء وجوههم من الفشل في لعبة الكنيست!! وهكذا نزل هؤلاء المرشحون من أبراجهم العاجية، وكانت فرصة لجماهيرنا أن تراهم لأول مرة وجها لوجه بعد أن غابوا عنها سنوات طويلة!! وهكذا تحركت حماسة (الفزعة) في جماهيرنا الطيبة، وتراكضت الى صناديق الاقتراع بنية إنقاذ هذه القوائم الثلاث من الغرق، ليس إلا، وليس بدافع اقتناعها بأي من برامج هذه القوائم الثلاث، لا سيما وأن هذه القوائم الثلاث لم تعرض عليها- أصلا- أي برنامج انتخابي، وكل ما عرضته على جماهيرنا لا يتعدى كمشة شعارات طنانة رنانة ليس إلا!!
وهكذا تحوَّلت جماهيرنا إلى ضحايا لنهج (الفزعة وملحقاتها) وما كانت من المصوتين بدافع أدنى قناعة!! ثمَّ العجب كل العجب أن يطل علينا قادة هذه القوائم الثلاث فاتلين عضلاتهم السياسية علينا ومدعين: أنَّ نسبة ما حصلوا عليه في انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة تعكس مدى قوتهم في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني!! ولا أدري ما الفرق بين منهج هذه القوائم الثلاث في تعاطيها مع جماهيرنا وبين الحكام العرب (أصحاب الفخامة والمعالي والجلالة!!) في تعاطيهم مع شعوبنا العربية المطحونة التي باتت على المرض والجوع والتخلف والظلم والقهر تنام، وعلى حزمة هذه المعاناة تستيقظ!! نعم لقد سجلت هذه القوائم الثلاث إيجابية غير مسبوقة في هذا المشهد، فقد أدخلت كلمة (فزعة) إلى قاموس اللغة العبرية والإعلام العبري!!
القرينة الثانية: هناك من وراء البحار ومن أرض العم سام (أمريكا) التي قال عنها الرسام الفلسطيني ناجي العلي ذات يوم: (أمريكا هي الطاعون) من هناك هبَّت صناديق مالية صهيونية أمريكية تغدق الملايين من الدولارات على هذه القوائم الثلاث لدعم ما تحتاج إليه من ميزانيات مالية لدعم دعايتها الانتخابية!! وكم بلغت هذه الملايين؟! يعلم الله أن الذي يعلم الرقم الحقيقي لهذه الملايين هو سامر سويد بالإضافة إلى أهل الكرم الحاتمي أصحاب هذه الصناديق الذين جادوا بهذه الأموال!! وكأنها خالصة مخلصة لوجه الله تعالى!! وكأن لسان حال أصحاب هذه الصناديق يقول: (لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا)!! وهكذا ومثل زخ المطر بدأت لافتات هذه القوائم الثلاث المدعومة من هذه الصناديق الثلاث، تسقط على كل بلداتنا بغض النظر عن عدد سكانها!! وهكذا انتشرت لافتات عملاقة على مداخل كل بلداتنا لم يحظ بمثلها لبيد ولا غانتس ولا نتنياهو خلال أيام الدعاية الانتخابية التي سبقت انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة!!
وهكذا أصبحت جماهيرنا المعذبة ضحايا لهذه اللافتات الخدَّاعة!! فهي لافتات عملاقة تُرى من بعيد!! ليلا ونهارا!! في مدخل كل بلدة من بلداتنا!! وفي أزقتها ومن على جدران بعض بيوتها وعلى أسوار المدارس وعند مداخل صناديق المرضى والمطاعم ومكاتب المحامين ومحطات الحافلات!! وهكذا بدأت هذه اللافتات تتصيد بكامل حريتها جماهيرنا الضحايا!! وراحت تقدم لهم صور المرشحين في هذه القوائم الثلاث!! وراحت تداعب مشاعر هذه الضحايا بشعارات موهومة ملغومة!! ولدت ميتة، وتبخرت قبل أن ينتهي فرز الأصوات في انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة!! وهكذا كانت جماهيرنا ضحايا لهذه اللافتات المدعومة من صناديق صهيونية أمريكية!! وهكذا خرجت على جماهيرنا لافتات أخرى لا يدري من يقف وراءها، راحت تقول لجماهيرنا: (مهما كان الحال صوت)!! وهكذا راحت هذه اللافتات المجهولة تصدر لجماهيرنا هذا الادّعاء الموهوم!! وكأنه صكوك غفران تدخل صاحبها إلى الجنة!! وكأن هذه اللافتات المجهولة أرادت أن تقول لجماهيرنا المنهكة: من أدلى بصوته في انتخابات لعبة الكنيست دخل الجنة!! وهكذا انتشرت الرشاوي المالية وشراء الذمم ويشهد على ذلك قائمة طويلة تؤكد أنها دفعت الأموال الطائلة لإرضاء زيد أو لإسكات عمرو أو لتنشيط هذا الإعلامي أو ذاك، كي يدعو الجميع إلى تحريض جماهيرنا الضحايا للتصويت!!
القرينة الثالثة: كأنه ما كان في يوم من الأيام صهيوني متطرف اسمه شارون أو اسمه رفائيل وآيتان أو اسمه رابين أو بيرس أو نتنياهو، وكأن الذي كان يحكم المؤسسة الإسرائيلية حتى الآن رف من حمائم السلام، وكأنه فجأة نبت المتطرفون الصهاينة قبيل أيام من انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة، وفي مقدمتهم بن غفير وسموترش، وكأننا الآن والآن فقط أصبحنا في خطر، وكأننا قبل ذلك كنَّا في أمن وأمان وبحبوحة من العيش، وهكذا قامت هذه القوائم الثلاث بافتعال هذا الهلع وصناعة هذا الخوف تحت شعار: يا ويلنا من اليمين المتطرف!! يا ويلنا من بن غفير وسمرتوش!! وهكذا وقعت جماهيرنا المرهقة ضحية لصناعة أجواء هذا الرعب كي تندفع إلى صناديق الاقتراع.
القرينة الرابعة: أصر البعض من أبواق القوائم الثلاث أن يواصل بث الإشاعات الديماغوجية المتخلفة، فراح البعض يقول لجماهيرنا المأزومة: إذا لم تصوت فسيذهب صوتك للأحزاب الصهيونية!! أو إذا لم تصوت فستساعد على فوز اليمين المتطرف!! أو إذا لم تصوت فأنت في معسكر نتنياهو!! وهكذا انتشرت كل هذه الإشاعات المتخلفة، وراحت تلوكها الألسن، ثم تنتقل من لسان إلى لسان بوعي مفقود!! وكاد البعض أن يقول إذا لم تصوت فأنت خائن!! وهكذا وقعت جماهيرنا تحت طائلة هذه الإشاعات الدونية لكي وعيها ودفعها إلى صناديق الاقتراع!!
لكل هذه القرائن فقد كانت جماهيرنا ضحايا لهذه الديماغوجيات وليسوا مصوتين حقيقة!!
ثم ماذا؟! بعد كل هذا السيل من هذه الأساليب القمعية التي أباحت لنفسها تحويل جماهيرنا إلى قطيع (وحاشا له أن يكون كذلك) بهدف جره كالمضبوع الأعمى إلى صناديق الاقتراع، وإذ بأكثر من 50% من جماهيرنا الصابرة تقاطع انتخابات لعبة الكنيست، وهذا يعني إذا ما طرحنا من النسبة العامة المصوتة من جماهيرنا نسبة من صوت للأحزاب الصهيونية!!
هذا يعني أن انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة أثبتت أنَّ أكبر حزب في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني هو حزب الرافضين للعبة الكنيست الذين قاطعوا الانتخابات الأخيرة في لعبة الكنيست.