بري يتراجع عن دعوته إلى حوار لاختيار رئيس “توافقي” للبنان
سقطت محاولة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إجراء حوار نيابي واسع للوصول إلى رئيس جمهورية توافقي، وذلك بعدما لاقى اعتراضاً من جانب كتلتي “القوات اللبنانية” (برئاسة سمير جعجع)، و”التيار الوطني الحر” (برئاسة النائب جبران باسيل)، في وقتٍ ترى فيه أوساطه أن “الطاولة إما تكون جامعة لكلّ المكوّنات السياسية لتؤتي ثمارها، أو لا داعي لها”.
واختار بري بعد فشل البرلمان للمرة الرابعة بانتخاب رئيس جديد للبلاد في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الدعوة لحوار نيابي واسع في مقرّه في عين التينة، كبديلٍ عن الجلسات التي عبّر صراحةً أنها باتت مسرحية فاشلة لا طائل منها، خصوصاً أنه من المتمسّكين بمقوله إنه لو اجتمع المجلس النيابي عشرات المرات، فسنبقى بالدوامة ذاتها، ولن ينتخب رئيساً، لأن التوافق السياسي أساس لوصول أي مرشح لسدّة الرئاسة.
ويُتهم بري و”حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، و”تيار المردة” برئاسة سليمان فرنجية، بالدرجة الأولى، بتعطيل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أنهم يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كلّ جلسة إلى إفقاد نصابها، ولا سيما بالدورة الثانية منها، ويكررون مشهدية خروجهم من القاعة، حتى فرض مرشح بالتسوية السياسية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه “المجموعة” لم تختر مرشحها رسمياً حتى الساعة، باعتبار أن فرنجية الذي أعلن نفسه مرشحاً، يواجَه برفضٍ من باسيل، كما أن حظوظ قبول القوى السياسية من الجبهة الأخرى به مستبعدة، بينما باسيل الذي يتريث في إعلان ترشحه، يعد من المرشحين الاستفزازيين والمرفوضين من بري بشكل أساسي وغالبية الكتل النيابية.
وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب، اليوم الأربعاء، بياناً أعلن فيه أنه بعد استمزاج الآراء حول الدعوة للحوار بين الكتل النيابية للوصول إلى رئيس توافقي، يعتذر نبيه بري عن السير قدماً بهذا التوجه نتيجة الاعتراض والتحفظ لا سيما من كتلتي “القوات” و”التيار”.
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من بري لـ”العربي الجديد”، إنّ “رئيس البرلمان تمهّل في الدعوة إلى حوار نيابي وتريث حتى جمع آراء كل الكتل، وهو يرى أن لا طائل من طاولة حوار لا تضمّ كل المكونات السياسية، خصوصاً تلك المتباعدة والمختلفة لتقريب وجهات النظر في ما بينها”، لافتاً إلى أن “بري سيستأنف الدعوة لجلسة انتخاب إذا وجد إمكانية للتوافق، كما أنه يحدد التوقيت الذي يراه مناسباً”.
وفي مقابلة تلفزيونية مساء أمس الثلاثاء، قال باسيل إنه يؤيد الحوار بين اللبنانيين، لكن لا “أستطيع أن أذهب لدى أحد شتمني” والموضوع يجب أن يعالج، والرئيس بري هزم اللبنانيين ولم يهزمنا.
كما قطع باسيل الطريق على بعض المرشحين الرئاسيين، يتقدّمهم المرشح “الطبيعي” قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي يرى مطلعون سياسيون أن حظوظه ترتفع في حال السير بتسوية سياسية محلية خارجية، فاعتبر أنه “كان متفرجاً على انقلاب 17 تشرين”، وأيضاً المرشح الذي أعلن ترشحه، رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ويحظى بتأييد كبير من كتلة بري، بالدرجة الأولى.
تحذير أوروبي من الفراغ الرئاسي في لبنان وعودة التلويح بالعقوبات
وقال باسيل إن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، “قدّم فكرة استراتيجية بأن لديهم ثقة بي وبسليمان فرنجية، ولم يطلب مني شيئاً، موجهاً في المقابل الدعوة للتوافق حول مرشح ثالث”، معرباً أيضاً عن أنه مع فكرة وصول رئيس توافقي، لأن فكرة التحدي لن تنجح.
من جهته، أعلن رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في وقتٍ سابقٍ بعد اجتماع تكتله النيابي، أنه “تخوفاً من أي محاولة تعطيل أو تمرير للوقت لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية، سنتجاوب مع الدعوة، من خلال اقتراح أن يدعو الرئيس بري إلى عقد جلسة بأسرع وقت، شرط ألا تكون صورية، يمكن أن يتخلل في إطارها الكلام، إن وجد، بين الكتل أو ممثليها في موضوع رئاسة الجمهورية، على أن تستغرق الجلسة وقتها الكافي، أي بمعنى آخر، تكون جلسة مفتوحة لا تنتهي إلا بعد انتخاب رئيس”.
ويقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” شارل جبور، لـ”العربي الجديد”، إنّ “جعجع دعا الرئيس بري لأن يكون الحوار انطلاقاً من الآليات المحددة بالدستور، فانتخاب الرئيس ليست مسألة حوارية”، لافتاً إلى ضرورة عقد جلسات بدورات مفتوحة بما يشكل عامل ضغط على النواب لانتخاب رئيس، وكل من ينسحب من الجلسة يتحمّل المسؤولية أمام التاريخ، على أن تتخلل الدورات لقاءات وحوارات ثنائية من أجل الوصول إلى المرشح الرئاسي المطلوب.
تبعاً لذلك، يرى جبور أن إلغاء الحوار بالصيغة التي كانت مطروحة أمرٌ جيّد، داعياً الرئيس بري إلى تلبية دعوة جعجع بتطبيق الآليات الدستورية لانتخاب رئيس، مؤكداً أنهم ما زالوا يتمسّكون بالنائب ميشال معوض كمرشحهم للرئاسة، وأرقامه حتماً ستزداد عند عقد الجلسات، بينما الفريق الآخر يتخبّط بين صفوفه من دون أن يكون لديه أي مرشح.
وعقد البرلمان اللبناني جلسته الرابعة قبل أسبوع من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وقد شارك فيها 114 نائباً، فبلغ التصويت للورقة البيضاء 50 صوتاً، مقابل 39 صوتاً للنائب ميشال معوض، وهو مرشح الأحزاب المعارضة، أي “القوات”، “الحزب التقدمي الاشتراكي” (يرأسه وليد جنبلاط)، و”الكتائب اللبنانية” (يرأسه النائب سامي الجميل)، وبعض النواب المستقلّين، بينما نال النقابي والمؤرخ عصام خليفة 10 أصوات، وشعار “لبنان الجديد” 13 صوتاً، مع اعتبار ورقتين بحكم الملغاتين.
وشهدت الجلسة الأخيرة تشتتاً في أصوات “النواب التغييريين” الذين عانوا من انشقاقات في صفوفهم، فكان منهم من صوّت لخليفة، وآخرون لشعار “لبنان الجديد”، مع التصويت أيضاً لصالح معوض، الذي كان قد عبّر غالبية نواب التكتل عن رفض ترشيحه كونه يمثل المنظومة السياسية.
وتأتي خطوة إلغاء الدعوة للحوار مع ما تحمل من مؤشرات بتوسع رقعة الانقسامات الداخلية في لبنان، وإطالة أمد الفراغ الرئاسي، في وقتٍ تمسك فيه حكومة بحالة تصريف أعمال زمام الإدارة في البلاد، مع خلاف سياسي حادّ حول صلاحياتها ونطاق عملها، بينما يترقب الخارج الأحداث اللبنانية، مع عودته لرفع نبرة التحذيرات بضرورة انتخاب رئيس بأسرع وقتٍ ممكن، ملوحاً مرة جديدة بعصا العقوبات على المعطّلين.
ميقاتي يدعو أمام القمة العربية لـ”إنقاذ لبنان”
في سياقٍ آخر، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في الكلمة التي ألقاها باسم لبنان في القمة العربية في الجزائر، إنّ “لبنان الذي تعرفونه قد تغيّر، المنارة المشرقة انطفأت، ومرفأ بيروت الذي كان يعتبر باب الشرق انفجر، والمطار الذي يعتبر منصّة للتلاقي تنطفئ فيه الأنوار لعدم وجود المحروقات”.
وأضاف ميقاتي: “نحن في دولة تعاني اقتصادياً وحياتياً واجتماعياً وبيئياً، ونحارب الأوبئة بأقلّ الإمكانات، حتى وصلنا إلى اللحم الحيّ، فنحن نواجه منذ سنوات عدة أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخنا، نالت من سائر المؤسسات ووضعت غالبية اللبنانيين تحت خطّ الفقر، وتسببت بهجرة الكثير من الطاقات الشابة والواعدة وخسارة الوطن خيرة أبنائه”.
وأشار إلى أن “لبنان نجح أخيراً في التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية الجنوبية لمنطقته الاقتصادية الخالصة”، آملاً في أن يكون ذلك بداية مسار يقود إلى ازدهار لبنان ورخاء اللبنانيين والتوافق على انتخاب رئيس جديد يلمّ شمل اللبنانيين.
وعوّل رئيس الوزراء اللبناني على مساعدة العرب للبنان وعدم تركه وحيداً، مستذكراً اتفاق الطائف الذي “أرسى معادلة الحكم في لبنان”، مؤكداً “التزامنا التام به وعدم التساهل مع أي محاولة للمسّ بجوهره”.
وأشار ميقاتي إلى “الأعباء المترتبة على وجود اللاجئين على أراضيه”، رغم أن لبنان تلقى الكثير من المساعدات من بوابتهم، ويحاول النأي بنفسه عن ممارسات سياسية أدت إلى ترهّل الدولة وبناها التحتية برميها على هؤلاء.