لماذا التخوف من فشل الأحزاب العربية في انتخابات الكنيست ؟…
صالح لطفي باحث ومحلل سياسي..
تصاعدت في الأيام الأخيرة الكتابات والتصريحات سواء على صفحات التواصل الاجتماعي او المواقع الالكترونية المختلفة العربية والعبرية وتدخلت الحكومة بحملة إعلامية لرفع ودفع اعداد الناخبين العرب تحسباً من تراجع نسبة المصوتين الى حد يتجاوز نسبة ال50% باعتبارها راهناً الحد الذي بعبوره تصل القوائم العربية الى المعبد ” الكنيست ” خاصة في ظل دعاوي اليمين الإسرائيلي باطيافه المختلفة الداعية لرفع نسبة التصويت فيما بينهم . ووفقاً لاحاديث الغرف المغلقة فأنَّ النسبة المذكورة كفيلة ان تدخل الأحزاب الثلاثة الى المعبد ، بينما تشير الاستطلاعات الى ان النسبة اقل من ذلك بكثير .
طبعاً لكل من المروجين غايته وهدفه فالعرب هدفهم البقاء تحت سقف الكنيست والموالين من العرب للجمعيات الصهيونية بغض النظر عن مشربها الفكري والايديولوجي معنيين فضلاً عن تنفيذ الاجندة التي يُطالبون بتنفيذها على مدار العام الإبقاء على إسرائيل دولة ديموقراطية في الذهنية الغربية الأوروبية والأمريكية من جهة وتذويت ديموقراطيتهم في السيل العرم من المطبعين العرب المنبطحين على بوابات تل ابيب واشنطن وما كانت زيارة لبيد للناصرة الا من هذا الباب ، باب رفع نسبة التصويت بين العرب لإبقاء دولته ديموقراطية راسخة في الذهنية الغربية تحسباً في حالة عدم وجود عرب من تسليط الغرب الضوء على حقيقة ما يحدث لهذه الأقلية واختيار الناصرة له دلالاته السياسية الواضحة المتعلق بدولٍ خلف البحار . هذا الى جانب ان رئيس بلدية الناصرة صرح اكثر من مرة انه يقف الى حانب القائمة الموحدة ويدعو من اجلها ومن الداعين بقوة للمشاركة في التصويت وله تأثيره على دوائر معينة.
عملياً سقوط القوائم العربية المُشاركة في الانتخابات يعني فراغاً عربياً في الكنيست سيحدث لأول مرة منذ عام 1949 ولكن الأهم انه سيضع المشتغلين من العرب في الداخل الفلسطيني امام سؤال الوجود والمعنى السياسي ومن ثم سيكون المنتسبين للأحزاب والمحزبين والعاملين في السياسة امام حقيقة وجودهم السياسي والتفكير المَلي بمستقبلهم السياسي والبحث عن بدائل وجود سياسي داخل مجتمعهم الفلسطيني والمنظومة الاسرائيلية التي طالما عملوا معها وتحت سقفها بغض النظر عن المواقف السياسوية في كل امر من الأمور ( السياسوية المُراد منها في هذه المقالة : سياسويَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى سِياسة ، على غير قياس. ونقصد بهذا المصطلح النزع نحو المغالة السياسية في تغليب الطابع السياسي على كل أمر والمغالة فيه لتصل الى حالة من الاستبداد العائد للسياسة ، دون بيان لمباحث ومحايثات أخرى تؤثر في الحالة\الحدث) التي تتعاطاها المجموعات السياسية في الداخل الفلسطيني متجاوزين الخلفيات الفكرية لهذه الأحزاب .
في انتخابات عام 2021 ( الدورة ال24 للكنيست) كشفت النتائج النهائية عن تراجع كبير في نسبة المصوتين فقد وصلت الى 44.6% ووصلت نسبة المصوتين العرب للأحزاب الصهيونية الى 20% وتَحَصلَّ حزب الليكود على نصف مقعد من أصوات الناخبين العرب ، وفي قراءة لنسبة التصويت بين سنوات 1999 وحتى انتخابات 2021 سنجد تراجعاً مستمراً في نسبة المصوتين سوى استثنائان عامي 2015 و2020 ( انظر الجدول رقم 1)..وهذا التراجع قد بينَّا بعضاً من أستارهِ في مقالات سابقة .وما بين عام 2008 وحتى عام 2022 تراجع مستمر وصل حد ال40% .
التراجع المستمر في اعداد المصوتين دفع الأحزاب العربية الى سياسة طرق الباب وهي عملياً السياسة الأكثر تأثيراً في هذا الباب وتقوم الأحزاب الثلاثة بالعمل على إيصال نسبة الناخبين العرب الى سقف ال50% باعتباره ضامناً لوجودهم علما ان الموحدة تتحدث عن ان سقف ال40% ضامناً لدخولها المعبد . ومع ذلك فالقلق بات يساور كافة الأحزاب العربية دون بيانٍ لأدنى تفكير يتعلق باليوم التالي الذي يكونون فيه خارج الكنيست .
جدول رقم “1” .
المشاركة في انتخابات الكنيست والمقاطعة
السنة | 1999 | 2003 | 2006 | 2009 | 2013 | 2015 | ابريل 2019 | سبتمبر\2019 | 2020 | 2021 |
المشاركة% | 75 | 62 | 56.3 | 53.4 | 56.7 | 63.5 | 49.2 | 59.2 | 64.8 | 44.6 |
المقاطعة % | 25 | 38 | 44.7 | 46.6 | 43.3 | 36.5 | 50.8 | 39.8 | 35.2 | 55.4 |
المشاركة العامة في الدولة | 78.7 | 67.8 | 63.5 | 64.7 | 67.8 | 72.3 | 68.5 | 69.8 | 71.5 | 67.4 |
في الانتخابات السابقة للعام 2021 الدورة 24 حصلت القائمة المشتركة المكونة من التجمع والجبهة والعربية للتغيير على 212,583 من الأصوات بمعدل ستة مقاعد فيما حصلت القائمة الموحدة التي خاضت الانتخابات منفصلة عن المشتركة على 167،064 صوتاً بمعدل أربعة مقاعد وقد تساوت الأصوات العربية لكنيست في الدورتين 21 و24 بمتوسط 379 الف صوت .
تكمن أهمية هذه الأرقام والنسب المذكورة في بيان اهتمام الجهات الرسمية والعربية في تصويت الناخب العربي الذي يدير ظهره وفقا لاستطلاعات الراي لهذه الدورة وهو ما سيهدد الأحزاب والقوائم المشاركة في انتخابات الكنيست وهو ما يعني ان انتخابات 2022\\11 تحمل في طياتها مخاطر تهدد ذات الديموقراطية ” الإسرائيلية ” التي تتبجح بها أسرائيل محلياً وعالمياً ، فعدم وجود اقلية عرقية هي عملياً صاحبة البلاد شاركت في انتخابات الكنيست منذ عام 1949 ومشاركتها تعني اقراراً رسميا بالهزيمة وبالوجود الإسرائيلي تعني في المنظور السياسي الإسرائيلي والغربي ان قواعد سياسية ظنّ المستعمر الأجنبي انها راسخة أسست للوجود اليهودي على هذه البلاد وجعل منها مثالاً حياً تفتخر به الصليبية الدولية بصياغاتها الحداثية وما بعد الحداثية.
تجاوز نسبة المقاطعين حداً يخرج هذه الأحزاب من المعبد يعني اننا امام سياسات جديدة ومرحلة جديدة في الداخل الفلسطيني وفي منطقة الأوسط وهذه الحالة ستكون لها تداعيات محلية مباشرة فلسطينيا تستوجب النهوض للتعاطي مع هذه الحالة وتقع المسؤولية الأخلاقية-السياسية أولا وقبل كل شيء على دعاة المقاطعة وما في جعبتهم من طروحات سياسية ووطنية ولذلك من البديهي ان دعاة المقاطعة يحملون تصورات سياسية ووطنية لما بعد هذه اللحظة باعتبارها أجابات لما بعد الكنيست.
لماذا التخوف …
لطالما نظَّرَ علماء السياسة من الإسرائيليين على اختلاف مشاربهم ان إسرائيل دولة ديموقراطية ومتعددة سياسيا وايديولوجيا وفيها اقلية لها تمثيلها في المعبد وتمارس حقها السياسي وانها دولة مواطنين والحقيقة ان إسرائيل فشلت في بناء مجتمع من المواطنين لا بين اليهود وطبعا ليس مع العرب فالبعد الأمني يرافقها منذ نشأتها وهذه المرافقة توطدت بل وتعمقت واضحت الدولة ” المدنية” رهينة الهاجس الأمني وبخروج العرب من معبدهم ستكون إسرائيل امام جملة من التساءولات الأممية من جهة وامام هاحس داخلي يتحسب من التحولات الجارية في الداخل الفلسطيني والمستقبل السياسي للداخلي ومباحثه المتجددة عن الذات السياسية التي تتموضع راهناً ضعفاً كبيراً في لجنة المتابعة وسؤال عودة الأحزاب الى جماهيرها تكمن ثنائياته في معادلات الوطن والوطنية والرابط بينهما ضمن قيم متجددة خارج مساحات وفضاءات المعبد ، والهوية باعتباره صيرورة ضامنة للبقلء الفلسطيني الممتد من قبل النكبة لحظات ما بعد الحداثة الإسرائيلية والليبرالية التي تناسل عنها في السياقات الإسرائيلية منظومات فاشية وعنصرية تقوننت وتعززت داخل المعطى الإسرائيلي الرسمي وفضاءاته الما بعد استعمارية .
وإسرائيل ومن هو معني بالانتخابات والتصويت مهتم بالهوية الوطنية للفلسطينيين في الداخل لكن لكل له قبلته التي يتوجه اليها في بناء هذه الهوية باعتبارها ضامناً حياً للوجود برسم انها تقاسمت كينونتها مع قيم الإسلام والعروبة وهم سكاناً للأغلبية العظمى لسكان الداخل.وبدخول الموحدة الى الحكومة الإسرائيلية تعرضت هذه الهوية الى حالة من القضم ستفضي الى انهيارات وطنية ودينية واخلاقية وقد لاحظنا ذلك بوضوح وبالانهيار يصبح كل شيء مُتاح ولذلك فأسرائيل الدولة والمؤسسات معنية جداً ببقاء تمثيل للعرب في المعبد خاصة بعد تجربة الموحدة التي كشفت عن إمكانية صيرورة سياسية في الداخل الفلسطيني تؤكد يهودية الدولة وديموقراطيتها المتعلقة بالداخل الفلسطيني بما يتناسل عن ذلك من مفهوم مشوه للمواطنة ومجتمع المواطنين ويحيل دون تأسيس جماعة وطنية ، وبخروج هذه المجموعات من المعبد ستحدث إمكانيات العمل على تأسيس مجموعة وطنية تفضي الى تحقيق الجماعة الوطنية التي من مستلزماتها الأخلاقية الهوية الوطنية بقسماتها المختلفة .واذا كان التماسك الهوياتي يحافظ على الوجود فأن قضايا الناس وهمومهم تلعب دوراً وظيفياً في ذلك البناء وبالتالي تتضاعف مسؤولية الأحزاب السياسية برسم مسؤوليتها وجملها لهذه الهموم وهو يتطلب ابداعاً في التفكير يعتمد التجربة التي اكتسبتها الأحزاب والأفكار التي تحملها مجموعات المثقفين المفضي الى تخطيط محكم يحقق للإنسان في الداخل وجود ذاتاً بهويته وموضوعاً بوجود على ارضه ورسوخه عليه متحدياً ومتجاوزا المفازات التي تواجهه.