أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

ليف طاهور.. اتجار بالبشر وجرائم جنسية داخل طائفة إسرائيلية متشددة أقسمت بولائها للمرشد الإيراني

يتسم مجتمع الحريديم، أو اليهود الأرثوذكس المتشددون دينيا، داخل إسرائيل وخارجها؛ بكونه مجتمعا شديد الانقسام والتنافر في أحيان كثيرة، وبسرية وغموض يكتنفان في الأغلب معتقدات طوائفه المتعددة وطقوسها وفكر قادتها وزعمائها الدينيين.

وتعد طائفة “ليف طاهور” (Lev Tahor) أو “القلب الطاهر”، إحدى أكثر هذه الطوائف إيغالا في التطرف بشهادة منتسبين للمجتمع الحريدي نفسه والسلطات الإسرائيلية التي شكلت مضايقاتها المتكررة وتعقبها للطائفة سببا في مغادرة عدد كبير من أعضائها إسرائيل صوب الولايات المتحدة مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم من بعدها إلى كندا وغواتيمالا ثم المكسيك.

وقد طفا اسم ليف طاهور إلى السطح مجددا نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بعد أن أعلنت السلطات المكسيكية مداهمة مجمع خاص بالطائفة ببلدة تاباتشولا النائية على الحدود المكسيكية الغواتيمالية، واعتقال أفراد منها بتهم تشمل الاتجار بالبشر والمخدرات وارتكاب جرائم جنسية “فادحة”.

وذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن من بين الموقوفين خلال العملية إسرائيليون وآخرون من كندا والولايات المتحدة وغواتيمالا، اثنان منهم يواجهان عقوبة سجنية قد تصل إلى 20 عاما، في حين سيطرد 5 آخرون من المكسيك بسبب وضعهم غير القانوني، ووضع الباقي في منشأة تديرها سلطات الرعاية الاجتماعية بمدينة ويكستلا جنوبي البلاد.

كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن مداهمة المجمع مكّنت أيضا من العثور على طفل يبلغ من العمر 3 سنوات وتم تسلميه إلى والده الذي فرّ قبل سنوات من الطائفة ووصلا معا إلى إسرائيل.

بداية القصة

بدأت قصة ليف طاهور في العام 1988 بالقدس المحتلة، حيث تأسست الجماعة على يد الحاخام “شلومو هيلبرانس” (Shlomo Helbrans)، ثم انتقل أعضاؤها في أوائل التسعينيات إلى الجيب الأرثوذكسي المتشدد “ويليامزبرغ” (Williamsburg) بحي بروكلين في نيويورك، ومن هناك إلى بلدة “مونسي” (Monsey) الواقعة شمالي الولاية.

ومنذ حوالي عقد من الزمان استقرت الطائفة في بلدة “سانت أغاث دي مونتس” (Sainte-Agathe-des-Monts) القريبة من مونتريال بمقاطعة كيبيك الكندية، وهي منطقة جبلية صغيرة تقدر ساكنتها بحوالي 10 آلاف شخص غالبيتهم من الناطقين بالفرنسية.

وقد أجبر تعرض الطائفة المتكرر للملاحقة القانونية، العديد من أفرادها في السنوات الماضية إلى التنقل بين بلدان عدة، حيث انتقل أعضاؤها مرة أخرى في العام 2014 من كندا إلى غواتيمالا إثر تقارير تحدثت عن تعرض أطفال الطائفة لسوء المعاملة بما في ذلك تزويج القاصرات، ثم عبر نحو 50 منهم عام 2017 من غواتيمالا إلى المكسيك.

وتشير مصادر إلى أن عدد أتباع ليفا طاهور، التي تصفها وسائل إعلام إسرائيلية بـ “طالبان اليهودية”، يقدر بالمئات، يضاف إليهم عدد من المؤيدين يعيشون بمناطق الحريديم في القدس المحتلة ومستوطنة بيت شيمش والولايات المتحدة، فيما ينضم إلى صفوف الطائفة سنويا عائلة أو عائلتان على الأقل.

وتعد ليف طاهور -برأي منتقديها- مجموعة دينية “خطيرة”، وينظر هؤلاء إلى زعيمها بوصفه معلما روحيا يمارس أسلوب غسل الأدمغة على أتباعه، كما يطلقون عليه اسم “المسيح الكاذب” أو “شبتاي تسفي العصر الحالي”، في إشارة إلى “شبتاي تسفي” (Sabatay Sevi)، وهو حاخام من القرن الـ17 ادعى أنه المسيح الموعود، لكن أبناء الطائفة عادة ما ينفون هذه الادعاءات ويعتبرونها محض افتراء من قبل السلطات ووسائل الإعلام.

ليف طاهور لها طقوس تعبدية خاصة تميزها عن غيرها من طوائف اليهود الحريديم (رويترز)

دولة حرام

تشترك ليف طاهور في بعض سماتها مع باقي الطوائف الحريدية الأخرى، حيث أن جميع هذه الطوائف لا تأتمر إلا لزعيمها الديني، ولا ترضخ للسلطة ولا تعيرها أدنى اهتمام، خاصة في ظل امتناع أتباعها عن استخدام الوسائل التكنولوجية ومشاهدة القنوات التلفزية والاستماع للإذاعات وقراءة الصحف.

كما يرون -وفق ما يؤكد عمر مصالحة الباحث بالديانة اليهودية والمجتمع الإسرائيلي- أن دولة إسرائيل لم تتأسس في الوقت الصحيح، وكان على السياسيين انتظار مجيء المسيح لإقامة الدولة وبناء الهيكل الثالث، لذا فإن الدولة الحالية بمنظورهم حرام وغير شرعية، ولولا صلاتهم ودعواتهم وحبهم للتوراة ما كانت دولة إسرائيل قائمة حتى الآن.

في المقابل، تتميز ليف طاهور عن هذه الطوائف بسمات وطقوس خاصة، حيث يُطلب مثلا من نساء الطائفة ارتداء عباءات سوداء طويلة تغطي أجسادهن بالكامل ما عدا الوجه، وهو زي يميزهن عن غيرهن من نساء المجتمع الحريدي. وتُجبر الفتيات على ارتداء هذه الملابس بمجرد بلوغهن سن 3 سنوات.

كما يتم حلق شعر الأطفال بالكامل مرة كل أسبوع بدءا من سن الثالثة، ولا يتم المساس باللحى عند ظهورها وبسوالف الشعر مدى الحياة.

ويقضي الرجال من أعضاء الطائفة معظم أيامهم في الصلاة ودراسة التوراة، وتعد صلواتهم الأطول على الإطلاق في مجتمع الحريديم، ويتم خلالها تلاوة المقاطع التلمودية ببطء وتركيز شديد، وغالبا مع الصراخ بصوت عال. كما تعتبر “الزيجات” بين الفتيات القاصرات والأعضاء الأكبر سنا داخل الطائفة أمرا شائعا.

أما نظامهم الغذائي فهو محدود للغاية، ورغم استناده إلى قوانين “الكشروت” (قوانين التغذية الموافقة للأحكام اليهودية) المألوفة، إلا أن تفسيرهم لهذه القوانين صارم للغاية، ولا يتناولون على سبيل المثال الدجاج والبيض، كما يصرون على ضرورة تقشير جميع الفواكه والخضروات، ولا يأكلون ورق الخس عدا مرة واحدة في السنة.

الشعلة الأخيرة

ويؤكد “شاي فوجلمان” (Shay Fogelman) مراسل صحيفة هآرتس -في تقرير مطول أنجزه عن الطائفة عام 2012- وكان الصحفي الوحيد الذي تمكن من دخول هذا المجتمع المنغلق، أن أعضاء ليف طاهور يعتقدون أنهم الوحيدون الذين يتبعون الطريق الصحيح، وأنهم المدافعون عن الشعلة الأخيرة المتبقية في العالم اليهودي، لذلك تجدهم يزدرون الفروع الأخرى من الحريدية ويرون أنها متساهلة بشكل مفرط و”حقيرة” و”منحطة”.

كما يعتبرون باقي التيارات في العالم الأرثوذكسي المتطرف غير جديرة بالمرة، خاصة تلك التي تتمتع برعاية دولة إسرائيل، ومن بينها الصهيونية الدينية التي لا تُعد برأيهم أصلا حركة يهودية.

تجسس وعنف
في أغسطس/آب 2018، سلطت قناة “سي بي إس نيوز” (CBC News) الكندية المزيد من الضوء على عالم ليف طاهور الخفي -من خلال فيلم استقصائي بعنوان “حاخام القلوب النقية” (Rabbi of the Pures Hearts)- كشف عن ممارسات عنيفة بين أبناء الطائفة من قبيل الإجبار على الصيام وتجريد الأمهات من أطفالهن.

وخلال البرنامج، استعرض أحد الهاربين من ليف طاهور، ويدعى آدم بروديفسكي (28 سنة)، معلومات صادمة كانت وراء إطلاق تحقيق جنائي عنها في كندا ومغادرة أعضائها في وقت لاحق صوب غواتيمالا.

وتحدث بروديفسكي في شهادته عن توجيهات شخصية من زعيم الطائفة شلومو هيرلبرانس لجميع الأعضاء نساء ورجالا وأطفالا للتجسس بعضهم على بعض، وأخرى تأمر بضرب الأطفال المخالفين وتعنيفهم جسديا باستخدام أسلاك حديدية.

كما سرب بروديفسكي وثائق داخلية تظهر عقود زواج لفتيات قاصرات تم تزويجهن قسرا، وحينما حاول هو وزوجته مغادرة المجموعة اشترط عليه تطليق زوجته وتوقيع وثيقة يشهد فيها بأنه يعاني من إضرابات نفسية في الشخصية، في محاولة استباقية من قادة ليف طاهور لتفنيد أي تصريحات قد يدلي بها بعد رحيله.

كما كشف البرنامج أدلة على أن هيلبرانس ومعاونوه يعملون على التحكم نفسيا في المريدين من خلال إجبارهم على تعاطي عقارات وأدوية تستخدم في العادة مضادات للاكتئاب.

ضرب وتجويع

تفاصيل أخرى عما يجري في ليف طاهور ظهرت للعلن في تقرير نشره موقع “تايمز أوف إسرائيل” (Times of Israel) في ديسمبر/كانون الأول 2020، عن قصة فرار الحاخام إلعازر رومبلر (46 عاما)، وهو عضو في الطائفة فر من إسرائيل بعد أن اتهمته المحكمة المركزية بالقدس بالاعتداء على أطفال وإساءة معاملتهم نفسيا وجسديا بين عامي 2009-2011، حينما شغل منصب مدير مدرسة لليف طاهور في كندا.

ونقل الموقع عن عضو سابق في الجماعة الدينية قوله إن رومبلر، الذي كان مسؤولا عن نظام “الكشروت”، كان يقوم بتجويع الأطفال ويمنعهم من تناول أي شيء تقريبا. كما أنه منعهم من تناول الأدوية -حتى عندما كانت هناك حاجة ماسة لذلك- بدون الحصول على موافقة خطية منه.

وفي إحدى الحالات، وفقا للائحة الاتهام، قام رومبلر بتجريد طفل من ملابسه وربطه وضربه لعدة ساعات للاشتباه في أنه سرق نقودا من صندوق أموال خيري. وفي حادثة أخرى، طَلب من معلمين آخرين تثبيت طفل وقام بضربه بشكل متكرر بدعوى أنه كذب.

ولاء للمرشد

الممارسات الخفية في عالم ليف طاهور قد تكون صادمة ومثيرة للاهتمام بالنسبة لكثيرين، لكن موقفها المعلن من الثورة الإيرانية والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يبقى بلا منازع الموقف الأكثر إثارة للدهشة والاستغراب، فقد تقدمت الجماعة في العام 2018 بطلب رسمي للجوء السياسي في إيران، وفق ما أظهرت وثائق قُدمت إلى محكمة فدرالية أميركية عام 2019.

كما أعلنت الجماعة ولاءها للمرشد الأعلى الإيراني، مشيرة إلى أنها تواجه الاضطهاد أينما حلت -سواء داخل إسرائيل أو خارجها- بسبب مواقفها المناهضة للصهيونية، حيث إنها لا تعترف بدولة إسرائيل وترى أنه لا ينبغي أن تكون هناك أصلا دولة يهودية قبل ظهور المسيح المنتظر.

وقد أكد مصدر مطلع العام الماضي لموقع “تايمز أوف إسرائيل” أن عدة مجموعات صغيرة من أعضاء الطائفة غادروا بالفعل غواتيمالا متوجهين إلى الشرق الأوسط، في محاولة لدخول إيران عبر حدودها مع كردستان العراق.

وقال المصدر إن الجماعة كانت تخطط في البداية للانتقال إلى منطقة أربيل الكردية المتاخمة لإيران، والتي يؤمن أبناء الطائفة أنها بابل التوراتية.

لكن جهود السلطات في كل من إسرائيل والولايات المتحدة وكندا نجحت في تأخير خطط سفر الجماعة مؤقتا، حيث وصل بعضهم إلى المطار في غواتيمالا واكتشفوا أن جوازات سفرهم قد رفضت، في حين اعتقل آخرون يحملون الجنسية الأميركية بطلب من واشنطن.

وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” (Yedioth Ahronoth) الإسرائيلية -في موقعها الإلكتروني- إلى أن أقارب إسرائيليين لأعضاء في الطائفة اتصلوا بوزارتي الخارجية والعدل في تل أبيب وطلبوا منهما الاتصال على وجه السرعة بنظرائهم الغواتيماليين لمنع العائلات من المغادرة، كما قدم أقارب أعضاء أميركيين في الطائفة طلبات مماثلة للخارجية الأميركية.

 

ورقة مساومة

وذكر الأقارب -وفق ما نقل الموقع- أن “الوصول إلى حدود إيران-كردستان قد يتسبب بحدث سياسي وأمني ضخم” وأن “صفقة شاليط ستبدو كلعبة أطفال مقارنة بذلك”، في إشارة إلى صفقة تبادل الأسرى التي توصلت إليها إسرائيل مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2011، وأطلقت في إطارها سراح 1027 أسيرا أمنيا فلسطينيا مقابل الجندي جلعاد شاليط، الذي كان محتجزا منذ 2006.

ويبقى التخوف الكبير للسلطات الإسرائيلية في هذا الإطار -وفق موقع “ياشيفا” (Yeshiva) المتخصص في الشؤون اليهودية- أن تستخدم طهران أعضاء الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة بعد دخولهم إيران كورقة مساومة، وهي مخاوف أكدتها صراحة الخارجية الإسرائيلية.

ويرى مراقبون إسرائيليون أن وصول عناصر ليف طاهور إلى إيران ستكون له “انعكاسات غير متوقعة”، وأن وجودهم في عهدة السلطات الإيرانية يجعل منهم “رهائن محتملين” حال نشوب أي أزمة بين إسرائيل وإيران أو حتى إسرائيل والولايات المتحدة.

ويستشهد هؤلاء بحادثة الرهائن الأميركيين الشهيرة عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حيث جرى اقتحام السفارة الأميركية بطهران في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام واحتجز 52 مواطنا أميركيا لأكثر من عام، أفرج عنهم مطلع العام 1981 بموجب صفقة توسطت فيها الجزائر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى