ما موقف الأردن من التصعيد الإسرائيلي في القدس والضفة؟
يثير توتر الأوضاع في القدس والضفة الغربية، وتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، تساؤلات حول الموقف الأردني إزاء ذلك، في ظل استمرار الزحف الاستيطاني، وتزايد الانتهاكات في المسجد الأقصى، واقتراب انتخابات الكنيست الإسرائيلي، والحديث عن التحضير لمرحلة ما بعد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وشهدت الضفة الغربية في الآونة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في أعمال المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، فخلال أيلول/سبتمبر الماضي سُجل 833 عملا مقاوما؛ تنوعت بين إلقاء الحجارة، والطعن أو محاولة الطعن، والدعس بالسيارات، وإطلاق النار، وزرع أو إلقاء العبوات الناسفة، وفق مركز المعلومات الفلسطيني “معطى”.
ويفرّق المحلل السياسي هشام البستاني بين الموقفين الشعبي والرسمي في الأردن تجاه التصعيد الحاصل بالضفة، مؤكدا أن الشعب الأردني متعاطف ومتضامن مع المقاومة الفلسطينية، ويتمنى لو يتمكن من دعمها بكل إمكاناته.
وأضاف: “أما الموقف الرسمي؛ فلا يخرج عن إصدار الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية بيانات الإدانة للاقتحامات والانتهاكات، مع أن الواجب أن يدين نفسه وحكومته التي تدعم الإرهاب الصهيوني من خلال دعمه المباشر عبر عدة آليات”.
وأوضح أن “الأردن الرسمي يموّل الاحتلال بمليارات الدولارات بمقتضى اتفاقية الغاز الموقعة بين الجانبين، ويرهن أمن الأردن ومستقبله عبر الربط العضوي لبلدنا ومقدراتنا ومواطنينا مع الكيان الصهيوني من خلال احتياجات أساسية كالكهرباء والمياه، والمشاريع الاقتصادية المشتركة، كبوابة الأردن وغيرها”.
الأردن والمقاومة
وقال البستاني إن “حل الدولتين” يمثل خيارا أساسيا لأي حكومة أردنية، “لأنه في حال تلاشى هذا الحل؛ فإنها ستفقد المساحات المتاحة لها إقليميا، وجزءا من وظيفتها على الصعيد الدولي، وبالتالي فإن كبح أي تطور للمقاومة يمثل هدفا لكل من يطالب بهذا الخيار”.
ولفت إلى أن الأردن “فقد أدوات الضغط على المقاومة، بعد أن دخل في شراكة استراتيجية مع الاحتلال، وتخلى عن علاقاته مع حركات المقاومة”، مؤكدا أن السلطات الأردنية “باتت غير قادرة على التعامل مع خطر الكيان الصهيوني، ووضعت نفسها تحت رحمته”.
وتعقيبا على زيارة وزير الخارجية الأردني مازن الفراية لرام الله الأحد الفائت، ولقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؛ بيّن البستاني أن ثمة تنسيقا أمنيا بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، فيما تضمنت اتفاقية وادي عربة الأردنية الإسرائيلية بنودا تؤكد على أهمية التنسيق الأمني بين الجانبين، “وبالتالي كل هذا يصب في خانة مواجهة أي نزعات مقاومة”.
ورأى أن الأردن حريص على عدم حدوث تصعيد في الضفة خوفا من تزايد حظوظ نتنياهو بالفوز بانتخابات الكنيست الإسرائيلي في 1 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مؤكدا أن هذا دليل على عدم امتلاك عمّان إمكانات سياسية للتعامل مع الواقع، إذ إن المشروع الصهيوني مستمر في المنطقة، سواء فاز نتنياهو أو لم يفز، والمستوطنات تتوسع، والانتهاكات في القدس مستمرة.
وحول نظرة الأردن إلى المرحلة الانتقالية ما بعد “عباس”؛ أوضح البستاني أن الدولة الأردنية حريصة على بقاء نهج السلطة الفلسطينية الحالي؛ لأنه يلائم اتفاقيات السلام، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة الأسنان، مشيرا إلى أن “المرحلة القادمة منوطة بآليات المقاومة وما تحققه من انتصارات، فمن سيأتي بعد عباس سيكون أضعف منه بكل تأكيد”.
المملكة والتوجهات الأمريكية
ووفق مراقبين؛ فإن الحكومة الأردنية تسعى لخفض التصعيد في الضفة عبر الضغط على سلطات الاحتلال لوقف الانتهاكات في المسجد الأقصى، والتوقف عن إطلاق العنان للمستوطنين لارتكاب المزيد من الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة.
ويرى المحلل السياسي حازم عياد، أن الأردن معني بدرجة كبيرة بتحقيق الاستقرار في الضفة الغربية، ودوام عمل مؤسسات سلطة رام الله، حتى يتمكن من التعامل مع الحالة الفلسطينية بشكل مؤسسي.
وقال، إن “حالة الانهيار الأمني في الأراضي الفلسطينية، وتوسع المواجهات مع الاحتلال، سيلقي المزيد من الأعباء الأمنية على الأردن، خصوصا أننا شهدنا في الأشهر الأخيرة ارتفاعا في وتيرة تهريب السلاح باتجاه الأراضي المحتلة عبر الحدود الأردنية، باستخدام تقنيات حديثة”.
ولفت إلى أن عمّان تتبنى التوجه الأمريكي الذي يهدف إلى خفض التصعيد من خلال مسار اقتصادي، وتترجم ذلك بتكثيف التعاون الاقتصادي والربط الكهربائي بينها وبين السلطة الفلسطينية، وتحسين عملية التنقل بين الجانبين، وزيادة حجم التجارة البينية، والضغط على إسرائيل لرفع العوائق أمام تطوير العلاقات الاقتصادية بما يخفف الأعباء على سلطة رام الله، ويمنع انهيارها.
وأضاف عياد أن خفض التصعيد هو البوابة الأساسية بالنسبة للأردن للتمهيد لمرحلة انتقالية لما بعد الرئيس عباس، مضيفا أنه رغم عدم انخراط المملكة بجهود المصالحة الفلسطينية التي بذلتها تركيا ومصر والجزائر، إلا أنها معنية بتحقيق الحد الأدنى لهذه المصالحة، على قاعدة تسمح بالتعاون مع السلطة بما تمثله من مرجعيات سياسية.
وتابع: “لذلك؛ ينظر الأردن إلى المرحلة الانتقالية كمرحلة حساسة، فهي لا تحدد مستقبل العملية السياسية وحسب، إنما إضافة إلى ذلك الواقع الأمني والاقتصادي في الضفة الغربية واتجاهاته، والذي قد يفضي إلى سيطرة مطلقة لنهج جديد يتمثل بضرورة مواجهة الاحتلال والصدام معه، وهو ما تتبناه المقاومة”.
أعباء المقاومة
وأشار عياد إلى أن الأردن يجد صعوبة كبيرة بتحمل أعباء نهج المقاومة، ولذلك يفضل انتقالا هادئا يقود إلى تواصل المسار السياسي، بمرجعياته المتمثلة باتفاقيات أوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد، ومحاولة إيصال الصراع إلى أدنى مستويات التصعيد.
وأوضح أن “الضغط على إسرائيل بات شبه مستحيل، في ظل حالة السيولة والفوضى الموجودة في الساحة الإسرائيلية، والتي تنبئ بمزيد من صعود اليمين المتطرف، في مقابل عدم اليقين بقدرة الإدارة الأمريكية على إدارة الملف الفلسطيني، في ظل الصراعات الداخلية في الساحة الأمريكية، وانشغال واشنطن بملفات دولية أخرى كأوكرانيا وغيرها”.
وبيّن عياد أن “الانشغال الأمريكي أعاد دور الأردن في المنطقة، إلا أنه من ناحية أخرى عرّضه لمزيد من الضغوط والأعباء، وقد يتم طرح مشاريع سياسية جديدة تخلق إشكالات داخلية أردنية، أو تثير جدلا حساسا بما يتعلق بالهوية الوطنية، وقضايا تتعلق بالدولة الأردنية ووجودها وتعريفها لذاتها”.