بين تصريح (شكيد) وتصريح مسؤول كبير في الشرطة
الشيخ رائد صلاح
واصلت المؤسسة الإسرائيلية خلال السنوات الماضية ترويج مقولة ادّعت فيها أن المطلوب لكبح آفة العنف في واقع مجتمعنا في الداخل الفلسطيني هو زيادة الميزانيات المالية لجهاز الشرطة وزيادة ملاكات العاملين في جهاز الشرطة وزيادة عدد محطات الشرطة في بلداتنا في الداخل الفلسطيني، وراحت المؤسسة الإسرائيلية تدّعي أنه إذا تحقق كل ذلك فسيتم القضاء على هذه الآفة التي تقلق كل واحد فينا في الداخل الفلسطيني على صعيد الرجال والنساء والكبار والصغار!! ومع شديد الأسف انطلى هذا الادّعاء على بعض أعضاء الكنيست العرب وراحوا يعلنون أن من أهم إنجازاتهم في لعبة الكنيست أو في لعبة الانضمام إلى ائتلاف حكومي إسرائيلي أنهم نجحوا بتخصيص ميزانيات للشرطة وزيادة عدد ملاكات العاملين فيها، وزيادة عدد محطاتها، وإلزامها بوضع خطة عملية تهدف إلى القضاء على آفة العنف في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني!!
ثم مضت الأيام وظلَّ غول العنف يجثم على صدورنا بما في ذلك صدور أعضاء الكنيست العرب الذين أعلنوا عن تلك الإنجازات!! لماذا؟ لأنّ أية حكومة إسرائيلية لو أنفقت الملايين وضاعفت عدد ملاكات العاملين في الشرطة وعدد محطات الشرطة فلن تقضي على آفة العنف إذا ظلت سياسة المؤسسة الإسرائيلية اتجاه آفة العنف في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني غامضة او متناقضة أو حتى متهمة!! وإلا ففي الوقت الذي يصرّح فيه جهاز الشرطة الإسرائيلية بين الحين والآخر أنه ضبط عددا من قطع السلاح في البلدة العربية (س) أو (ص)، وألقى القبض على عدد من المتورطين في آفة العنف، وصادر أموالهم وسياراتهم في البلدة العربية (م) أو (ن) في هذا الوقت أعلنت القناة العبرية (12) يوم الأربعاء الموافق 30/6/2021 في نشرتها المسائية أنَّ مسؤولا كبيرا في جهاز الشرطة الإسرائيلية صرَّح في مقر الشرطة القطري خلال مباحثات داخلية أن المتورطين في آفة العنف والجريمة من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني في غالب الأحيان هم من المتعاونين مع جهاز المخابرات (الشباك)!! ولذلك فإن أيدي الشرطة مكبَّلة اتجاههم، ولا يمكن المس بهم لأنهم يحظون بحماية من قبل (الشاباك)!! وبطبيعة الحال أنكر جهاز (الشاباك) كل ذلك وادّعى أنه لا أساس لأقوال هذا المسؤول الكبير في جهاز الشرطة!! ثم عاد وطفا تصريح هذا المسؤول الكبير في جهاز الشرطة على السطح مرة ثانية بعد مقتل الإعلامي الكبير نضال أبو العيلة!!
ومرة ثانية راحت بعض وسائل الإعلام تردد مثل هذا التصريح من جديد!! وأنا هنا لست بصدد تحديد الكاذب في هذا التناقض في هذا التصريح بين جهاز الشرطة الإسرائيلي وجهاز المخابرات (الشاباك) إلا أن هذا التناقض يكشف لنا أنه لا يوجد حتى الآن سياسة رسمية جادة وواضحة لدى الحكومات الإسرائيلية اتجاه آفة العنف في واقع مجتمعنا في الداخل الفلسطيني!! ومن حقنا أن نسأل: ما فائدة كل الميزانيات وزيادة ملاكات العاملين في الشرطة وزيادة عدد محطات الشرطة إذا كان صاحب هذا التصريح من جهاز الشرطة الإسرائيلية قد صدق بما قال!! لا بل من حقنا أن نسأل هل أراد هذا المسؤول الكبير في الشرطة الإسرائيلية كشف المستور من وراء تصريحه أم أراد إشاعة الخوف فينا بإسلوب ظاهره كشف المستور وباطنه إغراقنا بالخوف، وكأن الواحد فينا أصبح عرضة للأذى في كل لحظة بواسطة هؤلاء المتورطين في العنف والجريمة من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني؟! وهل كان المطلوب إشعارنا أن كل واحد فينا بات مستهدفا!! فعليه بالصمت وإلا!! ثمَّ من حقنا أن نسأل هل جاء هذا التصريح الملغوم لهذا المسؤول الكبير في جهاز الشرطة الإسرائيلية ليشيع فينا اليأس والشعور بالعجز!! وكأننا مهما بذلنا من جهود لعلاج آفة العنف العاصفة بمجتمعنا في الداخل الفلسطيني، فلن نقوى على ذلك، ولن ننجح، وستذهب جهودنا أدراج الرياح، وما نحن إلا كمن يسعى لإطفاء حريق نار كبير بقطرة ماء واحدة فقط؟! لأن آفة العنف والجريمة في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني هي مدعومة بحماية جهاز المخابرات (الشاباك)، وهي أكبر من كل جهودنا!! هل هذا هو المقصود من وراء هذا التصريح الملغوم، حتى نستسلم لهذه الآفة، كما تستسلم الخراف لجزارها، وحتى نرضخ لهذه الآفة المدمرة ونحن ملتزمون بقول المثل المتخلف (حط راسك بين الروس وقل يا قطاع الروس)!! أم أنَّ المطلوب من وراء هذا التصريح الملغوم إشعار كل واحد من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني أننا فقدنا الأمن والأمان، ولا أمن وأمان بعد اليوم، ولا علاج لهذه الورطة المصيرية إلا الهجرة، والبحث عن الأمن والأمان في أرض أخرى، وفي وطن آخر!! وهل هذا يعني أن المطلوب من مجتمعنا أن ينتقل إلى مرحلة جديدة في مسيرة حياته؟! فبعد أن كان الواحد منا قبل برهة من السنين قد يهاجر من بلدته في الداخل الفلسطيني إلى بلدة أخرى لم تصبها لوثة العنف والجريمة في الداخل الفلسطيني، هل المطلوب أن نشعر أن لوثة العنف والجريمة قد أصابت كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني دون استثناء، وألًّا حل اليوم لهذه الآفة المستفحلة إلا التفكير بالهجرة إلى الخارج؟!
هل هذا هو المقصود من وراء هذا التصريح الملغوم؟! أم أن المقصود من وراء هذا التصريح الملغوم القذف في روعنا أن كل واحد منا في الداخل الفلسطيني إذا أراد حماية نفسه وبيته وزوجه وأولاده، فما عليه إلا أن يتعاون مع جهاز المخابرات (الشاباك)، وإلا فهو في خطر دائم على حياته وعلى حياة كل من يعول، وكأن (الشاباك) هو المحيي والمميت، وهو الضار والنافع، وهو المعطي والمانع!! هل هذا هو المقصود من وراء هذا التصريح الملغوم!!
ويا للعجب كل العجب!! ففي الوقت الذي أدلى به هذا المسؤول الكبير في جهاز الشرطة الإسرائيلية بهذا التصريح، ها هي وزيرة الداخلية الإسرائيلية (أييلت شكيد) تجدّد تبرير منعي من السفر إلى الخارج مرة بعد مرة بعد مرة حتى تاريخ 13/2/2023 أني متهم- وفق حساباتها- بالعمل المتواصل على إقامة لجان إفشاء سلام محلية في كل بلدة من بلداتنا في الداخل الفلسطيني بهدف معالجة آفة العنف والجريمة في كل هذه البلدات!! فما هو المطلوب منا في نظر هذه الوزيرة (شكيد)؟! هل المطلوب منا أن نظل متفرجين على مجتمعنا وهو يحترق بنار هذه الآفة؟! وهل عندها سترضى (شكيد)؟! وهل عندها سيتحول الواحد منا إلى مواطن صالح وفق حساباتها؟! يا للعجب كل العجب؟!
لذلك وبناء على كل ما سبق فتعالوا يا أهلنا في كل الداخل الفلسطيني- على صعيد الأهل المسلمين والمسيحيين والدروز- تعالوا بنا على قلب رجل واحد وإرادة واحدة نواصل بناء لجان إفشاء السلام والعمل على تنفيذ كل استراتيجيتها حتى تتحول هذه اللجان إلى سفينة نجاة تنقلنا من نار العنف والجريمة إلى شاطئ الأمن والأمان.