قراءة في كتاب الإعلامي أحمد حازم وشهادته التاريخية
ساهر غزاوي
ونحن في طريقنا من الناصرة إلى أم الفحم لتقديم واجب العزاء في وفاة المرحوم الصحفي نضال اغبارية، سعدت واستفدت كثيرًا من المعلومات القيّمة والمهمة جدًا التي حدثني بها الأستاذ الإعلامي أحمد حازم والتي هي أيضًا بمثابة حقائق تاريخية هو شاهد عيان عليها وعلى فساد وممارسات شخصيات فلسطينية كانت قد تبوأت مناصب قيادية تتحدث باسم الشعب الفلسطيني وتقدم نفسها للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم على أنها الحارس الأمين والوفي للقضية الفلسطينية والحامية لحماها والمدافع الأوحد عنها في مرحلة من أهم مراحل تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها المعاصرة، وتحديدًا في سنوات ثمانينيات القرن الماضي، وهي المرحلة التي سبقت توقيع اتفاقية “أوسلو” في 13 سبتمبر/ أيلول لعام 1993. هذه الاتفاقية التي نعيش هذه الأيام في ذكراها الـ 29 والتي نتج عنها بشكل فعلي إنهاء انتفاضة الحجارة الفلسطينية التي انطلقت في نهاية 1987، والتي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية.
الشيء بالشيء يذكر، فإن الإعلامي أحمد حازم قد أهداني نسخة من كتابه الصادر عام 2011 بعنوان (شاهد عيان على ممارساتهم: من قتل ناجي العلي؟)، وحقيقة أن هذا الكتاب شدّني كثيرًا للقراءة لدرجة أن أضعه على سلم الأوليات والاهتمامات ولو على حساب كتب ومواد أخرى بين يدي للقراءة والدراسة، خاصّة وأن قسم كبير مما يحتويه الكتاب هو عبارة عن سرد وتفاصيل لمعلومات وحقائق تاريخية مهمة جدًا حدثني عن بعضها باقتضاب شديد المؤلف خلال طريقنا من الناصرة إلى أم الفحم. كما أن المؤلف هو كاتب وصحفي عاش مغتربًا عن بلاده ووطنه فلسطين وأمضى زهرة شبابه متجولًا في العالمين العربي والغربي خلال عمله الصحفي، حيث التقى مع رؤساء وقادة ووزراء على الصعيدين الدولي والعربي، وأقام علاقات متينة مع القيادات الفلسطينية السياسية، خصوصًا مع قادة التنظيمات الفلسطينية، وهذا ما يهمنا هنا تحديدًا.
هذا الكتاب الذي يقع في 130 صفحة، لا يخلو من الانطباعات، إيجابية أو سلبية، التي اكتسبها المؤلف من خلال تجواله وترحاله في العالمين العربي والغربي. ولا يخلو هذا الكتاب من آراء المؤلف الشخصية في الكثير من الأحداث التي عايشها مع الشخصيات القيادية العربية والفلسطينية التي قابلها خلال عمله الصحفي، ومن صورة من الحقائق التاريخية التي كان شاهد عيان عليها ونقلها بمصداقية ومهنية حتى تكون هذه المعلومات مرجعًا هامًا للسياسي والمثقف والقارئ والباحث عن الحقيقة بجدية وموضوعية.
ينقل لنا المؤلف في كتابه صورة لجزء فقط مما جرى من حقائق تاريخية يجهلها الكثيرون، وهو يتحمل مسؤوليتها المهنية والتاريخية بالدرجة الأولى، خاصة بما يتعلق بالموضوع الفلسطيني الذي كان القضية الأساسية في نشاطات الأستاذ أحمد حازم الصحفية، وهذا ما يُبينه المؤلف في بداية الكتاب بقوله: “عندما فكرت في إصدار كتاب عن مذكراتي ولقاءاتي مع سياسيين فلسطينيين وعرب آخرين وأجانب، تبين لي أنني من أجل إنجاز ذلك بحاجة إلى كتب وليس إلى كتاب فقط. ولذلك فضلت اختصار ما عشته من أحداث أي اختصار المذكرات، والحديث عن جزء منها فقط، وبالتحديد عن بعض المحطات التي كنت شاهد عيان فيها بعد أعوام الثمانينيات”.
حول قتل رسام الكاريكاتير الفلسطيني، ناجي العلي، يتبنى المؤلف بكل وضوح وصراحة رواية اغتياله بأيد فلسطينية وبالتحديد على يد مسؤول أمني لأسباب عديد يسرد بعضها المؤلف في كتابه ومنها خلفيات التهديدات وتراشق بالألسن بين ناجي العلي وبين القيادة الفلسطينية بما فيها الرئيس ياسر عرفات، وخاصة بعد الكاريكاتير الذي تسبب في اغتيال العلي والذي كان قد تلقى تحذيرًا عليه بأنه قد تجاوز الخطوط الحمر، هذا الكاريكاتير الذي ينتقد فيه ناجي العلي سيدة تدعى رشيدة مهران كانت تُقدم على أنها إحدى الفدائيات الفلسطينيات وهي في الحقيقة تستغل نفوذها في منظمة التحرير لبسط سيطرتها واستغلال الموارد لمصالحها الشخصية الأنانية، هذه علاوة أنه كان معروف في كافة الأوساط الفلسطينية، أن رشيدة مهران كانت عشيقة ياسر عرفات!!!
يتحدث الكتاب عن العديد من المواقف التي اكتسب المؤلف منها انطباعات إيجابية لبعض القيادات الفلسطينية في الخارج لرفضها ممارسات الفساد السياسي والأخلاقي للقيادات الفلسطينية السياسية المتمثلة بمنظمة التحرير التي كان يقف على رأسها الراحل ياسر عرفات، ومن عجائب الأقدار أن هذه القيادات كان مصيرها دائمًا الاختفاء عن الساحة والمشهد السياسي الفلسطيني بطرق وأخرى!! بيد أن المؤلف يسلط الضوء ويسهب كثيرًا في سرد المعلومات والحقائق التاريخية المتعلقة بقيادات فلسطينية من اللجنة المركزية لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبكل بوضوح يشير المؤلف بإصبعه إلى تحمل ياسر عرفات المسؤولية الأولى عن ما يجري من فساد سياسي وأخلاقي في أوساط شخصيات فلسطينية كانت قد تبوأت مناصب قيادية تتحدث باسم الشعب الفلسطيني وتتاجر بدمائه وشهدائه وتستغل المساعدات والموارد التي تجمع باسمه، حيث ينقل المؤلف على لسان الراحل حيدر عبد الشافي قوله: “أبو عمار لا يقدر أن يعيش إلا مع فاسدين ليبقى مسيطرا عليهم”.
في الختام، لكم أن تتخيلوا بعد قراءة كتاب الإعلامي أحمد حازم وشهاداته التاريخية، أن عناوين الفساد السياسي والأخلاقي المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي كان يقف على رأسها ياسر عرفات، هي من وقعت اتفاقية “أوسلو” عام 1993، وهي من تتحمل تداعيات هذا الاتفاق ونتائجه السلبية التي ألقت بظلاله على المشروع التحرري الفلسطيني، وأوصلته إلى طريق مسدود وأدخلته في نفق مظلم، وهي من أسست لمنظومة الفساد السياسي والأخلاقي والمالي والإداري الذي ينهش في جسد هذه الطغمة والتي تظهر بين الفنية والأخرى، والمتعلقة بإهدار المال العام، واستغلال النفوذ، وغسيل الأموال، والتكسب من الوظيفة العمومية، لأن المشكلة ليست في شخص إنما في نهج وقيادة، كما ينقل المؤلف على لسان حيدر عبد الشافي.