مخازن الموت .. لماذا تنتشر مخازن الأسلحة والعتاد في الأحياء السكنية بالعراق؟
ارتفع جسد محمد الزيدي نحو نصف متر عن الأرض في أحد أيام عام 2014، الذي بات الأسوأ بين أيام حياته بعدما أيقظه صوت انفجار هزّ أركان منزله الذي كان ينام فيها مع إخوته.
وبعد ساعات من الهزّة، علم الزيدي (29 عاما) الناشط المدني أنها وقعت نتيجة استهداف مجاميع مسلحة مخزنا للأسلحة والعتاد تابعا للحشد الشعبي بالقرب من منزله في قضاء المحمودية (جنوبي العاصمة بغداد)، وأسفر عن مقتل 11 شخصا، وإصابة 29 آخرين من بينهم الزيدي، فضلا عن أضرار جسيمة لحقت بمنازل وسيارات المواطنين.
وينتقد الزيدي، الحكومة العراقية لعدم تعويضه ماديا أو تحمل تكاليف علاجه بعد الإصابة نتيجة الانفجار، وعدم منع انتشار المخازن داخل الأحياء السكنية. ومنذُ ذلك اليوم، أضحى الرعب جاثما على قلوب سكان منطقتهم، وهي حال كثير من العراقيين ممن تنتشر في مناطقهم مخازن الأسلحة والعتاد بمختلف الأنواع، بالإضافة إلى الصواريخ الكبيرة وحتى الطائرات المسيّرة، في ظلّ عدم اكتراث الجهات المعنية -لا سيما الحكومية منها- بحياة السكان.
وبين فترة وأخرى، تهتزّ بعض المناطق نتيجة انفجار مخازن الأسلحة فيها، كما حدث الاثنين الماضي مع سكان منطقة الصويرة في محافظة واسط (جنوبي البلاد)، بعد أن وقع انفجار لم تكشف الجهات المعنية عن أسبابه في مخزن كبير ضمّ أسلحة متوسطة وثقيلة، ومنها صواريخ تعود لأحد الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي.
وخلال الشهر الماضي فقط، انفجرت 3 مخازن للأسلحة؛ اثنان في بغداد وواحد في النجف، تابعة لفصائل مسلحة ضمن الحشد الشعبي؛ وأسفرت عن وقوع قتلى وجرحى من المواطنين، بالإضافة إلى خسائر مادية من دون معرفة الأسباب والكشف عن التفاصيل والتكتم عليها من الجهات المعنية.
أبرز مناطق انتشار المخازن
وفي بغداد، تعدّ مناطق: قرب الجسر الفرنسي والكمالية وشهداء العبيدي وشارع فلسطين وأجزاء من منطقة الزيونة وصدر القناة والدورة وشهداء السيدية بالقرب من الشرطة الرابعة وأبو غريب؛ من أبرز المناطق في العاصمة التي تنتشر فيها مخازن الأسلحة والعتاد، بالإضافة إلى مخازن للسيارات المصفحة والطائرات المسيّرة، وتعود لتشكيلات منضوية في الحشد الشعبي. وفقًا لمسؤول أمني رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه لحساسية وظيفته.
وبالإضافة إلى العاصمة، تعدّ محافظات البصرة وبابل وميسان (جنوب) وكركوك ونينوى وصلاح الدين (شمالا) من أكثر المحافظات العراقية التي تنتشر في أزقتها السكانية مخازن السلاح والعتاد، حسب المصدر الأمني، وأغلبها تعود لفصائل الحشد الشعبي.
وتوصف عادة هذه المستودعات والمخازن “بقنابل موقوتة ومخازن موت”، وهذا ما أدى إلى موجة من النزوح والهجرة من تلك المناطق إلى غيرها، بالإضافة إلى تسبّبها في أضرار اقتصادية في أسعار العقارات؛ مما دفع كثير من المواطنين إلى بيع منازلهم ومحلاتهم بأسعار زهيدة أقل من سعرها الحقيقي “خوفًا من تكرار الانفجارات فيها، التي تنهي حياة العديد من سكانها”.
30 انفجارا
وتتعرّض هذه المخازن والمستودعات لانفجارات متكرّرة، إما نتيجة أخطاء عسكرية أو لارتفاع درجات الحرارة، أو جراء قصفها من القوات الأميركية.
وخلال فترات مُتفاوتة، أطلق عراقيون وسوما لجعل المدن خالية من مستودعات الأسلحة، أبرزها وسم “بغداد منزوعة العتاد”، خوفا من وقوع كوارث إنسانية بسبب انفجار أي منها.
وفي مراجعة سريعة لإحصاء عدد الانفجارات التي حصلت لمخازن الأسلحة والعتاد في بغداد وغيرها من المحافظات الأخرى، تبيّن أن أكثر من 30 انفجار وقع بين عامي 2016 و2022، ولأسباب مختلفة.
وكان أبرزها انفجار مخزن للسلاح في منطقة العبيدي (شرقي بغداد) في سبتمبر/أيلول 2016، والانفجار الذي هزّ مدينة الصدر (شرقي العاصمة) في يونيو/حزيران 2018 في حسينية الإمام الحسين، حيث وقع الانفجاران نتيجة تخزين كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بما فيها الصواريخ، وتسببا في أضرار مادية وبشرية جسيمة.
ويعدّ العراق من أكثر بلدان الشرق الأوسط إنفاقا على التسليح، وفقا لتقارير سابقة؛ إذ خصص 18.7 مليار دولار للإنفاق العسكري عام 2021 فقط، ويشمل ذلك النفقات التشغيلية وتسليح الجيش وهيئة الحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية بجميع مؤسساتها الأمنية.
وتعدّ الولايات المتحدة في مقدمة الدول التي يستورد العراق منها الأسلحة بـ41% من أسلحة الجيش العراقي، كما يعد العراق ثالث أكبر مستورد للأسلحة من كوريا الجنوبية في السنوات الخمس الماضية، واحتل المرتبة 11 بين أكبر مستوردي الأسلحة في العالم بين 2017 و2021.
قنابل موقوتة
الخبير الأمني مخلد حازم يصف مستودعات الأسلحة في الأحياء السكنية “بقنابل موقوتة” تُهدّد السلم الأمني والمجتمعي. ويتفق بذلك إلى حدٍ كبير مع الآراء التي تقول إن تلك المخازن تعود لفصائل تابعة للحشد.
وعن سبب وضع تلك الفصائل مخازنها داخل الأحياء السكنية، يُجيب حازم بإشارته إلى أن وجود مخازن السلاح في الأحياء السكنية قد يمنع القوات الأميركية من استهدافها.
ويصف ذلك “بالخطأ”؛ إذ إن أميركا إذا أرادت أن استهداف مخازن السلاح ستقوم بذلك من دون الاكتراث بحياة الناس، في إشارة منه إلى الرد على الهجمات الصاروخية التي تنفذها بعض فصائل الحشد ضد القواعد الأميركية.
ومن الصفات الواجب توافرها في مخازن ومستودعات الأسلحة والذخائر كما يحدّدها الخبير الأمني في حديثه للجزيرة نت أن تكون ضمن أماكن تهيئ لها درجات حرارة معينة وأرضية مناسبة بآلية تخزين صحيحة وحديثة بحيث لا يؤثر ارتفاع الحرارة أو العوامل الجوية الأخرى على القنابر والصواريخ.
ضعف الدولة
ويرى الخبير الأمني أن ضعف الحكومة العراقية -لا سيما الجهاز الأمني والاستخبارات- وعدم تطبيق القانون بالشكل الصحيح خلال الفترات السابقة أدت كلها إلى انتشار هذا النوع من المخازن والمستودعات داخل الأحياء، وهذا ما يتفق معه عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب وعد القدّو.
إلا أن القدو (قائد عسكري سابق في الحشد الشعبي) يُخالف حازم ويفنّد الآراء القائلة إن هذه المخازن تابعة للحشد، ويؤكد أن الأسلحة التابعة للحشد مؤمّنة في معسكراتٍ خاصّة بها، وأن هذه الاتهامات يراد منها تشويه سمعته بعد أن أسهم في تخليص العراق من تنظيم الدولة الإسلامية.
وعن سبب انتشار مخازن السلاح في الأحياء، يرى القدو إلى انتشار الدكة العشائرية في البلاد -لا سيما أن المجتمع العراقي عشائري- ومن خلال هذه المخازن تحاول العشائر الحفاظ على أسلحتها للدفاع عن نفسها أثناء نزاعها مع أي عشيرة أخرى.
ويوسع القدو فرقعة عدم تطبيق القانون الذي أدى إلى انتشار مخازن الأسلحة بشكل كبير وعدم سيطرة الدولة عليها بتساؤله: هل من الممكن أن يطبق القانون على جميع الأراضي العراقية ومن ضمنها إقليم كردستان؟
هجرة وأضرار اقتصادية
وبعيدًا عن الجوانب الأمنية والسياسية في هذه الظاهرة، وبالانتقال إلى أضرارها الاقتصادية، يؤكد الخبير الاقتصادي داؤود الحلفي أن تلك المناطق تصبح غير مرغوب فيها للسكن، بالإضافة إلى زيادة الهجرة والنزوح منها إلى مناطق أخرى.
ويضيف إلى تلك الأضرار انخفاض أسعار العقارات والأملاك وتراجعها في المناطق التي تنتشر فيها مخازن الأسلحة والعتاد، عازيّا السبب إلى أنها تصبح أشبه ما تكون “بثكنة عسكرية”، وتتراجع فيها فرص الحياة مع عدم توفر الخدمات الترفيهية وغياب البيئة الصحية للعيش الكريم والأمان، وتكون طاردة للجذب الاجتماعي.