أسرلة التعليم في القدس.. هل ينجح الاحتلال في طمس هوية الجيل الناشئ؟
في محاولة للقضاء على الجيل الفلسطيني في المدينة المقدسة؛ تسعى حكومة الاحتلال لمحو الثقافة والتعليم الفلسطيني بهدف طمس الهوية الفلسطينية وإبدالها بالثقافة والتعليم الصهيوني.
وتحاول سلطة الاحتلال نزع الهوية الفلسطينية عن الطالب المقدسي، وفصله عن تاريخه ومجتمعه، من خلال حذف كل ما يتعلق بهذا الانتماء في كتب المناهج، من معلومات تتعلق باللاجئين الفلسطينيين، وحق العودة، وتمسك الفلسطينيين بالأرض.
تحذير وتصعيد
وتتواصل التحذيرات الفلسطينية والدعوات لضرورة التصدي لمخططات الاحتلال الإسرائيلي، الساعية إلى “أسرلة” المناهج التعليمية في مدينة القدس المحتلة.
وردًّا على توجهات الاحتلال الإسرائيلي ضد المنهاج الفلسطيني، وزّعت لجنة أولياء الأمور السبت، قرطاسية وكتب المنهاج الفلسطيني على عشرات التلاميذ والأهالي في الكلية الإبراهيمية في القدس؛ حيث توافدت أعداد كبيرة من التلاميذ إلى المدرسة للحصول على الكتب الدراسية المقرّرة.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تنظيم أولياء أمور التلاميذ في مدرسة الإبراهيمية في القدس المحتلة، السبوع الماضي، وقفة احتجاجية قبالة مباني المدرسة في حي الصوانة بالقدس المحتلة، رفضاً وردًّا على تهديد وزارة المعارف الإسرائيلية إلغاء ترخيص المدرسة في حال واصلت الأخيرة تدريس المنهاج الفلسطيني.
وكان اتحاد أولياء أمور الطلبة في القدس قد أعلن قبل أسبوع، عن إجراءات تصعيدية، والتي كان من ضمنها توزيع المنهاج الذي يريدون لأبنائهم أن يدرسوه، في رفض لقرار وزارة المعارف الإسرائيلية التي ضغطت على مجموعة من المدارس المقدسية بهدف تدريس المناهج المحرفة.
وجاءت هذه الخطوة في سياق عدة خطوات احتجاجية سابقة، رفضت من خلالها الكلية الإبراهيمية محاولات الاحتلال أسرلة التعليم في القدس المحتلة، من خلال فرض تدريس المنهاج الإسرائيلي بدلًا من الفلسطيني في المدارس الخاصة بالمقدسيين، تحت ذريعة التحريض على العنف، بحسب تعبير الاحتلال.
وكانت سلطات الاحتلال قد هددت مؤخرًا 6 مدارس تابعة لسلسلة مدارس للإيمان والكلية الإبراهيمية بالقدس المحتلة، بسحب تراخيصها وإغلاقها، في حال عدم التزامها بتدريس المنهاج الإسرائيلي.
تزوير وتشويه
ووفق وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإنه -وفي إطار تزوير المنهاج الفلسطيني في القدس- جرى حذف عبارات معيّنة وإبدال عناوين بأخرى، وأتى ذلك في 54 كتابًا من المنهاج الفلسطيني، مع الإشارة إلى أنّ التزوير سُجّل 689 مرة.
وطال التزوير والتحريف رموز السيادة الفلسطينية؛ كالعلم وشعار السلطة الفلسطينية والنشيد الوطني والكوفية الفلسطينية، وكذلك المدن الفلسطينية والأسرى وغير ذلك.
ولم تسلم صورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من التزوير، ولا جدار الفصل العنصري الذي جرى طمسه، وفي بعض الأحيان، طال التزوير آيات قرآنية، في محاولات لطمس التاريخ الإسلامي في فلسطين وإبداله بتاريخ إسلامي من دول أخرى.
من جهته، قال جمال عمرو المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى، إن الاحتلال يركز على كل جانب من الجوانب الحياتية والمدنية للمجتمع الفلسطيني، وهي مكان استهداف له “فهو يركز على المقدسات والأرض وسلبها والسيطرة عليها، وأيضًا يركز على التاريخ والرواية وعلى الآثار وتقديم رواية يهودية بديلا عنها، وأيضًا يركز على قطاع المياه ويسيطر على كل مصادر المياه والطاقة والغاز”.
استهداف القدس
وأكد عمرو، أن الاحتلال يستهدف الكل الفلسطيني لكن التركيز على العاصمة القدس لها أولوية، والتركيز على التعليم في المدينة المقدسة له أولوية أكبر.
وشدد على أن التركيز على التعليم في القدس له أهمية استثنائية ويصرف الاحتلال عليه مبالغ طائلة جدًّا؛ وخاصة في العاصمة، لا سيما أن المناهج هي التي تربي الأجيال وتزرع القيم فيها.
وأوضح أن الاحتلال يخوض حربا بالأسلحة الفتاكة ضد قطاع غزة قد تبدأ وتنتهي بتاريخ معين، لكنه في القدس يخوض حربا من نوع آخر ضد الأجيال لا يريدها أن تنتهي إلا بتخريج جيل مسلوب الإرادة والعقل والفهم والوعي.
وأضاف: “الاحتلال يريد أن يتخرج الطالب المقدسي من المدارس بمنهاج صهيوني ويغير عقليته وانتماءه لأرضه بقوانين ولغة إسرائيلية، لكي يتشرب الثقافة الإسرائيلية بالكامل”.
واستدرك: “ينسى الاحتلال أن الذي يعلمونه في مدارسهم المتدينة عبر مناهجهم التعليمية هي فاشية ونازية وعنصرية بالغة الخطورة؛ حيث يعلمونهم في المدارس اليهودية التلمودية بضرورة ذبح العرب والتخلص منهم”.
وأكد الخبير المقدسي أن التعليم في القدس مستهدف كدرجة أولي، لأنهم يعدُّون المدينة المقدسة أساس الكيان الصهيوني، ويريدون أبناءها مسلوبي الإرادة وعديمي الانتماء الوطني، يتعلمون ثقافة الاحتلال ويعيشون عبيدًا لديه، وعمالاً مسخرين له”.
وحول وعي المجتمع المقدسي لخطورة التعليم الإسرائيلي، أوضح عمرو أنه ليس محل إجماع لديهم، مشيرًا إلى أن هناك شريحة لدى المجتمع المقدسي لم تدرك حجم الخطر، وهي منغمسة في حياتها اليومية بسبب حالة الفقر والعوز التي فرضها الاحتلال عليهم.
ولفت إلى أن الاحتلال يحاول في المدارس اليهودية في القدس التي يدرس بها شريحة من المقدسيين أن يقدم التسهيلات المغمسة بالسم، وتوفير صفوف مدرسية مرفهة أشبه بالكليات الجامعية.
وأشار إلى أن معظم المدارس العربية في القدس قديمة منذ العهد العثماني، وتحتاج إلى حكومة تقف من ورائها بدعم مالي كبير، مشدداً أنها تركت تلعق جراحها وحدها، وتعاني الأوضاع الصعبة.
ونبّه إلى أن المدارس الإسرائيلية التي يرتادها الطلاب العرب جميلة الشكل، لكن مضمونها خطير جدًّا، لافتًا إلى أن بعض الشرائح في المجتمع المقدسي أرسلوا أولادهم وبناتهم إلى المدارس الإسرائيلية، وبالتالي فقدنا السيطرة على حوالي 30% من حجم الطلاب في القدس الذين يأخذون المنهاج الإسرائيلي.
رفض شعبي
وقال: “هناك أهالي لديهم حس وطني وإجماع على عدم الانخراط في التطبيع التعليمي مع الاحتلال، ويسيرون باتجاه رفض المناهج الإسرائيلية، ولديهم وعي بمدى المخاطر التي لحقت بالمدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي، ووقفوا سدًّا منيعًا للدفاع عن المدارس العربية والمنهاج العربي الفلسطيني، والتي آخرها الوقفة التي وقفت أمام الكلية الإبراهيمية قبل يومين”.
وعن سبل إنجاح رفض المواطنين للمنهاج الإسرائيلي، أوضح أنها كثيرة ومتعددة، أبرزها إيجاد تغطية إعلامية واسعة النطاق على مدار الساعة، “وأيضًا الأمر بحاجة إلى وقفة من القيادات الفلسطينية التي صدعتنا بكثرة التصريحات والشجب والاستنكار، فالمطلوب منها النزول للميدان والوقوف مع الناس وشد أزرهم”.
وتابع: “كما أنه لا بد من دعوة واسعة على نطاق الوطن في فلسطين بوضع ما يمكن أن يسمى نشيد الصباح إلى جانب الدرس الصباحي عن مدينة القدس، الأمر الذي يقهر الاحتلال ويجعل قضية القدس لم تعد مقتصرة في حدود جغرافية وإنما في قلب كل فلسطيني”.
كما طالب بضرورة دعم مدارس القدس حتى تخرج من حالة الترهل التي تضرب بها، عبر تقديم دورات صحية، وتجديد البنى التحتية من نوافذ وبلاط، وتجديد الساحات والملاعب، وفتح صفوف جديدة صحية، إلى جانب إيجاد دعم هندسي وتقني ومادي، بالإضافة لرفع رواتب المعلمين في القدس، ودعم الأطفال في الذهاب والإياب في مدارسهم.
من جهته، قال نهاد أرشيد، المستشار القانوني للكلية الإبراهيمية في القدس، إن أي مدرسة تعمل في شرقي القدس يجب وحسب القانون الإسرائيلي أن تحصل على ترخيص من وزارة المعارف الإسرائيلية وأن تخضع للتفتيش والرقابة من الوزارة.
وأوضح أرشيد في تصريح خاص لمراسلنا، أنه كان هناك قرار حكومي إسرائيلي منذ عام 1975 يسمح للمدارس في شرقي القدس وبما فيها المدارس الأهلية والبلدية مثل: الرشيدية والمأمونية، بمواصلة تدريس المنهج المعروف بـ”التوجيهي”.
ولفت إلى أنه كان هناك محاولات بين عامي 1967-1975 لفرض المنهاج الإسرائيلي ” البيقرود” على المدارس في شرقي القدس لكن هذه المحاولات لم تنجح، “وبالتالي قررت الحكومة الإسرائيلية سنة 1975 أن تسمح للمدارس بمواصلة تدريس التوجيهي، وهذا الوضع معمول به حتى يومنا هذا”.
وأوضح أرشيد أن الكتب التدريسية التي تخص منهاج التوجيهي كانت حتى مرحلة ما قبل أوسلو كتبا أردنية، لافتًا إلى أنه وبعد تحويل السلطة والصلاحية والمسؤوليات للسلطة الفلسطينية حضَّرت كتبا تدريسية فلسطينية، وهي الكتب المعمول بها حاليًّا في مناطق السلطة الفلسطينية وفي شرقي القدس.
وأفاد أن المحاولات الإسرائيلية التي تجري في شرقي القدس بخصوص مضامين الكتب التدريسية بذريعة أنها تشمل مضامين تحريضية، هي محاولات تهدف لتغيير الرواية، وتشويه تربية الطالب الفلسطيني في شرقي القدس، وتغيير وأسرلة هويته القومية والوطنية.
وذكر أنه بموجب القرار الحكومي المذكور، فإن المنهاج الفلسطيني هو منهاج قانوني في شرقي القدس، ومعمول به منذ عشرات السنين، والمحاولات الجارية حاليًّا من التربية والتعليم الإسرائيلية هي محاولات لتغيير الأمر الواقع، وفرض مناهج إسرائيلية بذريعة أن المضامين تحريضية.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام