ممنوع علينا وضع محرقتهم ومجازرهم في كفتي الميزان
الإعلامي أحمد حازم
من حقهم كيهود التحدث عن تاريخهم وعن المآسي التي عاشوها في الحرب العالمية الثانية على يد الفاشية النازية، ومن حقهم أن يصفوا ما تعرضوا له بأي عبارات وصفات، لكن ليس من حقهم أن يمنعوا الغير لا سيما الفلسطينيين من وصف المجازر التي تمّ ارتكابها بحقهم كما يرونه مناسبًا. أحفاد الناجين من “المحرقة” يريدون منع وضع “المحرقة” و”المجازر” التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين، في كفتي الميزان، ويريدون إجبار العالم على الحديث فقط عن “هولوكوستهم” وممنوع تشبيهها بأي مجازر أو مذابح أخرى جرت بحق شعوب أخرى في العالم، وكأن كلمة “محرقة” وجدت لهم فقط، وهم بذلك يريدون حتى احتكار الألم لوحدهم.
نحن نعرف أن العالم منافق، وأن الغرب أكثر نفاقًا لـ “دولة قانون القومية”، لا سيما الولايات المتحدة التي تتعامل مع إسرائيل وكأنها ولاية أمريكية. فكل ما تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين مقبول أمريكيًا إن كان ذلك عبر التصريحات أو الأفعال. لكن هذه الولايات المتحدة تقف ضد كل تصريح فلسطيني يتعلق بإسرائيل مهما كان. وغير مهم إذا كان صاحب التصريح على حق.
لم نسمع من العالم أي رد فعل أو أي انتقاد عندما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن عام 1982 خلال الغزو الإسرائيلي للبنان، “بأن ياسر عرفات المختبئ داخل خندق في بيروت مثل اختباء هتلر داخل خندق في برلين”. أين كان العالم الحر وقتها ولماذا سكت على هذا التصريح؟ العالم هبّ وزمجر على تشبيه محمود عباس المجازر بحق الشعب الفلسطيني بالمحرقة، لكن هذا العالم التزم الصمت ولم يتحرك بتشبيه بيغين لعرفات بهتلر؟ ازدواجية واضحة في المعايير ونفاق ملموس لأحفاد بن غوريون.
تعالوا معي لنلقي الضوء على تصريحات علماء وفلاسفة يهود بشأن “المحرقة”: عالم الاجتماع البولندي (اليهودي) زيغمونت باومان (1925-2017) توصل الى استنتاج مفاده “أن ساسة إسرائيل يستغلون الهولوكوست لتبرير ممارسات ضد الفلسطينيين لا يمكن تبريرها”. وما يقصده باومان بالممارسات ليس بطبيعة الحال تصريح هنا وتصريح هناك، بل يعني بدون شك الممارسات القمعية وممارسات القتل حنى بحق الأطفال الفلسطينيين. وفي مقابلة مطولة مع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عام 2013، ذكر باومان “أن جدار الفصل العنصري الذي يسوّر مناطق الضفة الغربية يحيل إلى دلالة الجدار الذي كان يحيط بغيتو وارسو، وأن قرار إقامة جدار يفصل بين يهود وبين فلسطينيين خاضعين للاحتلال يعني أن هتلر انتصر حتى بعد موته”. ما يقوله باومان هو تعبير عن واقع. ولو كان باومان غير يهودي لتمّ وصفه بأنه ضد السامية، ولذلك لم يتجرأ أحد من قادة إسرائيل أو العالم على انتقاده.
النازية الفاشية الألمانية بزعامة هتلر، قامت خلال الحرب العالمية الثانية بين العامين 1941و 1945 بإبادة جماعية لملايين البشر من أديان وجنسيات مختلفة كالعرب واليهود والمسلمين والغجر. وفي كتابه “كفاحي” وصف هتلر ما قام به من إبادة هو من أجل الحفاظ على الجنس الآري، أي أن أعماله كانت عملية تطهير عرقي بحتة.
في كتابه “التطهير العرقيّ في فلسطين “الذي صدر بالإنجليزيّة عام 2006 يقول المؤرّخ الإسرائيليّ إيلان بابه، في مقدمة الكتاب: “إنّ ما حصل للفلسطينيين عام 1948 ليس مجرد حرب، بل هو تطهير عرقي”. إذًا، شاهد من أهلهم، يعترف بأن نكبة 48 كانت عملية تطهير عرقي.
العالم تباكى على ما حصل لليهود من تطهير عرقي، لكن هذا العالم المتمثل في الأمم المتحدة وبدلًا من التعاطف مع الفلسطينيين ورفض عملية التطهير التي تعرضوا لها، لم يسكت العالم فقط، بل وقدّم فلسطين هدية للجاني.
العالم تعامل مع اليهود كبشر يستحقون الحياة بينما تعامل مع الفلسطينيين ككائنات تستحق الموت.