عندما يتعرّى الاحتلال.. قضية الأسرى وشر الاحتلال السائل
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
أشرنا في عديد المقالات عبر صحيفة (المدينة) وموقع موطني 48، أنّ الاحتلال كلٌ لا يتجزأ، وأنّ ما فيه من مركبات ومكوّنات تخدم بعضها البعض، سواء، القضائية والسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، فهي أشبه بالسلسلة ترتبط دوائرها ببعضها البعض. وأشرنا من قبل إلى أنّ الديموقراطية غطاء لستر عورات آلات البطش والتنكيل والتمييز.
الثلاثاء الماضي، ردّت المحكمة العليا الإسرائيلية استئنافًا تقدّم به الأسير خليل عواودة والذي باتت حالته تؤرق كل من فيه نخوة أو حتى بقايا من ضمير. وقال نادي الأسير الفلسطيني إنّ العليا الإسرائيلية ردّت استئنافًا من محاميه يُطالب بالإفراج الفوري عنه نظرًا لتدهور حالته الصحية. وأشارت المحامية أحلام حداد مُقدمة الاستئناف، إلى أنّ ردّ المحكمة كان على النحو التالي: “المحكمة العليا ليست هيئة استئناف على القرار الذي صدر يوم 21 آب، وأننا لم نأت بجديد حتى يتغير القرار من التجميد للإفراج”.
قرار المحكمة العليا، جزء من الشر السائل الذي تتجلى بياناته اليومية في جدل العلاقة مع الآخر الفلسطيني، وتكون أكثرها سوءًا تلكم المتعلقة بالفلسطينيين في السجون والمعتقلات، حيث تنتهك الآدمية بصور متعددة ومتكررة.
العليا الإسرائيلية ومن خلال تتبع سياساتها مع الإنسان الفلسطيني ومقدراته ووجوده، تكون أشدَّ المصادر فتكًا في الإنسان الفلسطيني. في هندسة الظلم، يعمل الاحتلال عبر سيولته الشريرة الدائمة والمستمرة إلى تحقيق دائم لكسر الإرادات للفلسطينيين بغض النظر عن علاقاتهم مع الاحتلال كيف تكون، إذ المهم من وراء سيولة الشر الذي لا يتوقف أن تتكسر هذه الارادات الجماعية والفردية.
للشر السائل في التعامل مع الفلسطينيين، وجهان يكادان يكونان متناقضان، الوجه الناعم والوجه الخشن، ومع الاستعمار ما بعد الحداثي، يعتبر الشر السائل أحد القوى الناعمة التي يتم من خلالها تركيع الشعوب وإعادة استعبادها، ولكنْ في الحالة الاحتلالية الإسرائيلية هناك وجهان متناقضان للوهلة الأولى، الأول يتمثل بأبعاد إنسانية تتجلى بالسعي الدؤوب الزاعم بتحقيق حياة رغيدة واقتصاد منفتح، عبر أدوات ما بعد مرحلة دايتون التي جيء بها بعد الانتفاضة الثانية، ورافقها عديد الصور الاستهلاكية لمجتمع مُحتلٍ دخل منذ عقدين دوامات التفاهة المتعاقدة مع الآلاف من العمال الذين يعملون في الفضاء الإسرائيلي تحت سمع وبصر أجهزة الأمن التي تسمح لهم بالدخول، والأخرى الوجه الباطش المتجلي في إرهاب المؤسسة الاحتلالية من قتل بدم بارد واجتياح للمخيمات والبيوت واعتقال للقيادات السياسية وإغلاق لمؤسسات مدنية وفرض منع التجول وصولًا الى الأكثر ظلمًا، التنكيل بالمعتقلين داخل السجون والمعتقلات.
انتصار الإرادة.. وقفٌ للشر السائل
تلقّت وسائل الاعلام العربية والأجنبية مساء الأربعاء، نبأ وقف الأسير خليل عواودة اضرابه عن الطعام، بعد إذ وقّعت محاميته أحلام اللحام، اتفاقية مع الاحتلال تقضي بالإفراج عنه في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
عمليًا، خاض العواودة معركة الأمعاء الخاوية مع سلطة تملك كافة مفاعيل القوة والتأثير، ورأت أنّها مع العواودة إذ تتنكر له وتلغيه من معادلة الاتفاق الذي أُبرم مع حركة الجهاد، كبيانٍ للقوة والبغي على الانسان الفلسطيني والجماعة الفلسطينية، برسم انّ الجماعة في هذا السياق أكبر من تنظيم وتساوي وطن، وهذه التي تنبّه لها من اللحظة الأولى العواودة في معركته، وهو ما أحدث لاحقا تغييرًا في موقف الحركة الاسيرة يؤسس لاحقًا لواقع جديد داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
العواودة يوقف الشر الاحتلالي الإسرائيلي السائل الذي يتخذ ألوانًا وصيغًا في تعذيب الانسان الفلسطيني. وإيقافه هذا النوع من الشر السائل يمثل ابتداء مرحلة جديدة في جدل الصراع مع الانسان الفلسطيني يضع كافة الأقوى الفلسطينية أمام مسؤولية متجددة وفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق.
يكفي فخرا الفلسطيني المقاوم بجسده خليل عواودة أن عرّى الاحتلال ووضعه أمام صورته الحقيقية عالميا، خاصة أمام من يدعمونه من عامة الناس من البيض في قارات أوروبا وأستراليا وامريكا الشمالية. ويكفيه فخرًا أنّ جسده الفاني كسر قواعد الهندسة التي سعى الاحتلال لبنائها عدد سنين، ثمّ غذاها بسيل عرم من الشرور، فإذا هي تتهاوى أمام إرادة فلسطينية معتقلة تقول إن الروح تحلّق وإن الجسد وإن ضعف وفنى، فإن هذه الروح المحلقة ستبقى تنشد الحق والقوة والعدالة والحرية وهي مطالب كل الآدميين. مبروك لانتصار العواودة والدعاء لكل المعتقلين.