هكذا كنّا.. فمتى نعود؟!
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
ليس بكاءً على الأطلال، وليس حنينًا أو اشتياقًا لشيء غير موجود، ولكنه طيف ماض تليد، طيف ماض عامر، قد زارني ليبثّ بي روح الأمل، وأشعر معه بنشوة الانتصار التي حققها أجدادنا وأسلافنا من الصحابة والخلفاء والقادة الفاتحين. أتاني هذا الطيف وكأني به ُيدخلني في لولبٍ زمني عاد بي إلى الوراء قرونًا. عاد بي إلى زمنٍ كنّا فيه عظماء العالم وسادته، بفضل تمسكنا بشرع الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ففزنا بالخيرية على الأمم (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فخرج من صلب هذه الأمة رجال غيَّروا مجرى التاريخ، حين حيزت لهم جميع مقومات العِزة والقوة، فرسموا لنا خريطة الحضارة الإسلامية العظيمة باستحقاق، لأنهم آمنوا أن عِزتهم بإسلامهم، وساروا على قاعدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين قال: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.
وفي السطور القادمة، أسلّط الضوء على مواقف تنم عن العِزة والافتخار بالانتساب لهذا الدين، قد سجّلها التاريخ وخلّدها لتكون منارات فخرٍ وشعاع أمل يدخل في نفوسنا المتعبة مما وصلت إليه أمتنا المريضة، لتكون دافعًا ومحفزًا لأبناء أمتنا الإسلامية بأن النصر والتمكين من نصيب الجيل المسلم المتمسك بشرع الله المفتخر بإسلامه المعتز بعروبته، وحتى نكون كما كان عظماء أمتنا الذين سبقونا، برجاء أن نتعلم منهم ونقتدي بأفعالهم حتى نحقق ما حققوه.
وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- أرسل خالد بن الوليد- رضي الله عنه- رسالة إلى كسرى وقال: “أسلم تسلم وإلا جئتك برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة”. فلما قرأ كسرى الرسالة أرسل إلى ملك الصين يطلب المدد والنجدة، فرد عليه ملك الصين قائلًا: “يا كسرى لا قوة لي بقوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها”.
2- حين وقع الخلاف بين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وبين معاوية بن أبي سفيان، أرسل قيصر الروم رسالة إلى معاوية ليغذي نار الفتنة ويشعل فتيلها فقال في رسالته: “من قيصر الروم إلى معاوية، لقد علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب وإنّا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة فلو أمرتني أرسلت لك جيشًا يأتون إليك برأس علي”. فأرسل إليه معاوية جوابه التاريخي: “من معاوية إلى هرقل، أخوان تشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما إن لم تخرس أرسلت إليك جيشًا أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي”. لله درك يا داهية الإسلام، لو تأتي لتشاهد المؤامرات والاتفاقيات التي تبرم بين حكامنا وأعداء الإسلام لمصالحهم الشخصية وحفظ كراسيهم، وتركوا الشعوب تذوق ويلات الحروب والانقسامات وتعاني الفقر والويلات!!
3- في الدولة العثمانية كانت السفن حين تمر أمام الموانئ الأوروبية، كانت الكنائس تتوقف عن دق أجراسها خوفًا من استفزاز المسلمين فيقومون بفتح هذه المدينة. وفي عصرنا تتمّ السيطرة على موانئ دولنا من قبل أعداء الإسلام ولم يتبق إلا أن ندفع رسوم عبور سفننا عبر موانئنا إلى أين وصلنا؟!
4- في ليلة معركة حطين التي استعاد بها المسلمون فتح بيت المقدس وهزموا الصليبيين، كان القائد صلاح الدين يتفقد خيام الجنود فيسمع من هذه الخيمة صوت المصلين القائمين يتلون القرآن الكريم، وتلك الخيمة صوت المتضرعين الداعين، وتلك يذكرون الله، حتى مرّ بخيمة كان من فيها يغطّ في نوم عميق، فقال لمن معه مشيرًا إلى تلك الخيمة: “من هنا تأتي الهزيمة”.
5- يُذكر أنه في العصور الوسطى، وقف قسيس إيطالي في أحد الميادين ليخطب قائلًا: “إنه لمن المؤسف أن نرى شباب النصارى وقد أخذوا يقلدون المسلمين العرب في كل لباسهم وأسلوب حياتهم وأفكارهم، بل حتى أن الشاب إذا أراد أن يتفاخر أمام عشيقته يقول لها أحبك بالعربية ليعلمها كم هو متطور وحضاري لأنه يتكلم العربية. وأنا أقول، نم قرير العين أيها القسيس فقد انقلبت الأمور، وأصبح شباب العرب يتفاخرون بتقليد شباب الغرب بكل شيء، باللباس، وحلق الشعر، والإلحاد، بل حتى بالشذوذ.
6- ومن منّا لم يسمع بقصة وامعتصماه التي صرخت بها امرأة مسلمة من عمورية بعد أن سحلها البيزنطيون، فوصلت صرختها إلى الخليفة المعتصم، فجيّش جيشًا أوله في عمورية وآخره عنده، لإنقاذ تلك المرأة المسلمة. واليوم تنتهك حرمات المسلمات في شتى بقاع الأرض وما من معتصم يلبي صرخات استغاثتهن فإلى متى؟!
نعم، إلى متى سيبقى حال أمتنا هكذا؟! أما آن الأوان أن نطبب أمتنا من أمراضها؟! أما آن الأوان أن نبدأ من جديد ونعيد ماضينا التليد؟!!